توترات المعادن الحرجة.. الصين تغير معادلات الصناعات الدفاعية في الغرب

تواجه الصناعات الدفاعية الغربية أزمة متصاعدة بفعل قيود الصين على تصدير المعادن النادرة والحرجة، وهي مكونات أساسية في تصنيع الأسلحة والطائرات المُقاتلة والتقنيات العسكرية الدقيقة.
صحيفة "وول ستريت جورنال" في تحليل لها كشفت عن أن هذه الأزمة التي تزداد بفعل التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، تُجبر الشركات على البحث عن بدائل في النطاق العالمي وتؤخر جداول الإنتاج.
والصين، التي تهيمن على نحو 90% من الإنتاج العالمي، شددت في مطلع العام قيودها على تصدير المعادن النادرة، ورغم التخفيف المؤقت لهذه القيود بعد تنازلات تجارية قدمتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن الصين حافظت على احتكارها للمعادن ذات الاستخدامات الدفاعية، مما أدى إلى اختناقات كبيرة في سلاسل التوريد.
وأشار تقرير وول ستريت جورنال إلى أن أحد مصنّعي أجزاء الطائرات المسيّرة في الولايات المتحدة، اضطر إلى تأجيل تسليم الطلبات شهرين في أثناء بحثه عن مصدر بديل للمغانط النادرة، التي تدخل في محركات الدرونز.
وبحسب تجار المعادن، فإن أسعار بعض العناصر مثل السماريوم ارتفعت إلى 60 ضعفاً، بسبب نقص الإمدادات، ما يرفع بدوره تكاليف أنظمة الدفاع بشكل كبير.
اعتمادية خطيرة
ووفقاً للتقرير، فإن هذه الأزمة تعكس مدى اعتماد الصناعات الدفاعية الأمريكية على المعادن التي تنتجها الصين، والتي تدخل بالفعل في تصنيع الإلكترونيات الدقيقة، المحركات، أجهزة الرؤية الليلية، أنظمة الصواريخ، والأقمار الصناعية العسكرية. ورغم محاولات الشركات تنويع مصادرها، إلا أن بعض هذه العناصر يصعب إنتاجها اقتصادياً خارج الصين، وفقاً لمصادر في القطاع.
ومنذ ديسمبر/كانون الأول، تفرض الصين أيضاً حظراً على تصدير معادن مثل الجرمانيوم والغاليوم والأنتيمون إلى الولايات المتحدة، وهي تُستخدم في تقسية الرصاص وإنتاج حساسات الرؤية الليلية.
وحذرت عدة شركات دفاع أمريكية من احتمالية تقليص الإنتاج في حال استمرار نقص المعادن. وقال المدير التنفيذي لشركة "ليوناردو DRS"، بيل لين، إن مخزون شركته من الجرمانيوم وصل إلى الحد الأدنى، مشدداً على ضرورة تحسن تدفق المواد في النصف الثاني من 2025 لتفادي تأخير التسليمات.
من جهتها، ألزمت وزارة الدفاع الأمريكية الشركات بوقف مشترياتهم من المغانط النادرة المحتوية على معادن صينية بحلول عام 2027، مما دفع البعض لتخزين كميات كبيرة منها. لكن المخزونات الأخرى من المعادن الحيوية غالباً لا تكفي لأكثر من بضعة أشهر. وأفادت بيانات من شركة "Govini"، إن أكثر من 80 ألف قطعة في أنظمة الأسلحة الأمريكية تعتمد على معادن خاضعة الآن للقيود الصينية. وتحتوي معظم سلاسل الإمداد الدفاعية على مكون واحد على الأقل من أصل صيني، مما يعرضها لخطر التعطل الشديد.
شركات تحت الضغط
ووفقاً للتقرير، فإن الشركات الصغيرة، خصوصاً المنتجة للطائرات المسيّرة، هي الأكثر تضرراً، حيث لا تملك الخبرة أو الموارد لتخزين المعادن. ومنذ بدء تشديد الرقابة، أصبحت السلطات الصينية تطالب الشركات الأجنبية بتقديم تفاصيل دقيقة حول استخدام المعادن المستوردة، بما في ذلك صور المنتجات وخطوط الإنتاج، لضمان عدم استخدامها لأغراض عسكرية.
وقال التقرير إن إحدى الشركات الغربية، التي تزوّد المدنيين والجيوش بالمغانط الصينية، أفادت أن طلباتها تُقبل للاستخدامات المدنية، لكنها تُرفض أو تُؤجل إذا كانت مرتبطة بالطيران والدفاع.
وكشفت شركة "ePropelled" الأمريكية، المتخصصة في محركات الطائرات المسيّرة، أنها تلقت استبيانات من الموردين الصينيين تطلب رسومات وتصاميم وصورًا، إلى جانب قائمة العملاء، مع تعهد بعدم استخدام المغانط في التطبيقات العسكرية. وعندما رفضت الشركة الامتثال، توقفت الشحنات، وتأخرت تسليمات العملاء لشهرين.
وتحاول الشركة اللجوء إلى موردين في اليابان وتايوان، رغم اعتمادهم أيضاً على معادن صينية، كما عقدت شراكات مع شركات ناشئة أمريكية مثل Vulcan Elements وUSA Rare Earth، لكن إنتاجها لن يبدأ قبل نهاية العام.
وفي حين تكشف الأزمة عن هشاشة سلاسل الإمداد الغربية في مواجهة السياسات الصناعية الصينية، وضرورة تسريع الخطى نحو بدائل محلية وآمنة لضمان استقرار الصناعات الدفاعية في المستقبل، سعى البنتاغون إلى إيجاد حلول. واستثمر البنتاغون 400 مليون دولار في شركة MP Materials، التي تدير أكبر منجم معادن نادرة في الأمريكيتين، لتوسيع إنتاج المغانط. كما أطلق "منتدى المعادن الحرجة" لدعم مشاريع التعدين وزيادة التمويل للمواد الحيوية مثل الجرمانيوم والأنتيمون.
وأرسلت الصين إشارة واضحة عن جديتها عندما احتجزت في أبريل/نيسان شحنة أنتيمون تابعة لشركة أمريكية، كانت تمر عبر ميناء نينغبو الصيني. واحتجزت الجمارك الصينية الشحنة 3 أشهر قبل الإفراج عنها بشرط إعادتها إلى أستراليا وعدم إرسالها للولايات المتحدة، مع وجود مؤشرات على أنها قد تكون تعرضت للعبث.