هدنة المعادن النادرة.. منعطف حاسم في التنافس الأمريكي-الصيني

في 12 مايو/أيار 2025، أعلنت الولايات المتحدة والصين عن هدنة تجارية مؤقتة لمدة 90 يوماً بعد محادثات في جنيف.
تضمنت تلك الهدنة تعليق تصعيد الإجراءات التجارية المتبادلة، وخاصة القيود الصينية على تصدير المعادن الأرضية النادرة، الضرورية لصناعات التكنولوجيا. استقبلت الأسواق هذا الإعلان بتفاؤل، وسارعت الشركات لتعزيز التبادل التجاري تحسبًا لانتهاء الهدنة دون تجديد.
لكن سرعان ما ظهرت خلافات، خاصة حول سبعة عناصر نادرة، مما أعاد التوتر إلى الواجهة.
وفقا لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، فإنه رغم التوصل إلى اتفاق جديد في محادثات لندن بتمديد تعليق القيود لمدة ستة أشهر، فإن هذا لم يُخفِ تحولًا استراتيجيًا مهمًا وهو أن الصين بدأت بوضوح في استخدام احتكارها للمعادن النادرة كسلاح اقتصادي.
والشركات الأمريكية سرعان ما شكت من عدم استئناف الصين لصادراتها، بينما بررت بكين التأخير بالإجراءات التنظيمية. في المقابل، اتهمت الصين واشنطن بانتهاك "روح جنيف" بعد أن أدرجت وزارة التجارة الأمريكية شريحة "هواوي Ascend 910" ضمن قائمة المنتجات الخاضعة لعقوبات، حتى خارج الولايات المتحدة، ما أثار غضب الصين.
وردت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض قيود جديدة على صادرات التكنولوجيا، وسحب تأشيرات طلاب صينيين مرتبطين بالحزب الشيوعي. وكادت الأزمة تتصاعد لولا مكالمة بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ في 5 يونيو/حزيران الجاري، أدت إلى استئناف الحوار والتوصل إلى اتفاق في لندن. وأعلن وزير التجارة الأمريكي أن تخفيف القيود الأمريكية مشروط باستئناف الصين تصدير المعادن النادرة.
ووفقا لتقرير "فورين بوليسي"، فإن ما جرى يكشف تغيرًا في موازين القوى الاقتصادية. وهناك تفسيران: الأول يرى في هذه الأزمة جزءًا من المساومات المعتادة في المفاوضات التجارية. أما التفسير الثاني، والأكثر ترجيحًا، فيعتبر أن الصين استخدمت وقف تصدير المعادن النادرة كأداة ضغط استراتيجية، مستفيدة من اعتماد أمريكا الكبير على هذه المواد، مما أجبر واشنطن على التراجع.
وهذه ليست سابقة بالنسبة للصين، لكنها المرة الأولى التي تستخدم فيها هذا السلاح بهذا الوضوح ضد قوة عظمى. وبما أن الصين تهيمن على 92% من قدرات تكرير هذه المعادن، فإنها قادرة فعليًا على تعطيل سلاسل الإمداد الأمريكية.
لكن استخدام هذا السلاح ينطوي على مخاطر. فقد يُسرع من جهود واشنطن لتطوير بدائل محلية، وتنويع مصادر التوريد، وبناء احتياطيات استراتيجية. ورغم جهود سابقة لم تحقق نجاحًا كبيرًا، فإن الضغط الحالي قد يغيّر المعادلة، وإن كان كسر الهيمنة الصينية سيستغرق سنوات.
وكانت الاستراتيجية الصينية قد استغلت ما يُعرف في وول ستريت بظاهرة "TACO" (ترامب دائمًا يتراجع)، لتفرض شروطًا جديدة وتعيد تشكيل مسار التصعيد والتهدئة.
والأزمة الحالية تشير إلى أن الصين لم تعد الطرف الأضعف الذي يقدّم تنازلات، بل باتت قادرة على التحكم بمسار العلاقات، وهو ما يُقيد خيارات واشنطن ليس فقط تجاريًا، بل في ملفات حساسة مثل تايوان. ومع تراجع أمريكا عن النظام التجاري متعدد الأطراف، وغياب الإجماع بين حلفائها، تآكلت أدوات قوتها الناعمة والصلبة.
ورغم ذلك، قد تفتح هذه المواجهة الباب لحوار أوسع بين القوتين لتحديد قواعد استخدام أدوات الضغط الاقتصادي، بما يضمن استقرار العلاقات العالمية. فقد تكون هذه الأزمة، مثل أزمة الصواريخ الكوبية، فرصة لصياغة توازن جديد يمنع الانزلاق نحو مواجهة شاملة.