الصين في مالي.. أهداف استراتيجية تتجاوز التعاون العسكري
بتوقيع اتفاقية عسكرية مع مالي، تدخل الصين على خط النفوذ الدولي بمنطقة الساحل الأفريقي، معلنة بذلك مزيدا من التنافس حول سد الفراغ الغربي بالمنطقة.
خطوة عدها خبراء تحدثوا لـ«العين الإخبارية»، طبيعية كون الصين «شريكة موثوقة عالميا، ولا تنتهك سيادة الدول» ويمكنها فعل الكثير، لكنهم حذروا من أن الدول الغربية لن تستسلم لظاهرة التحرر الساحلي من قيودها.
- دعم عسكري وتدريبات مشتركة.. التنين الصيني يوسّع أجنحته في أفريقيا
- الصين تعيد إحياء «قطار الحرية» في أفريقيا.. هل عادت روح الاشتراكية؟
فيما نبه آخرون إلى أن الصين قد لا تتمكن من سد فراغات حفرتها سنوات من الضبابية الغربية والتواطؤ مع شبكات الإجرام، بحسب قولهم، متوقعين أن تستمر المواجهة مع الغرب بشكل أكثر شراسة، لأن التعاون مع أفريقيا أصبح ضرورياً لمستقبل النظام العالمي.
كسر الحصار
وقررت بكين، التي تستضيف حاليا منتدى التعاون الصيني الأفريقي، كسر الحصار المفروض على مالي بخصوص مبيعات الأسلحة، وتوقيع اتفاقية عسكرية معها تتضمن التسليح والتدريب.
ووقعت الشركة العسكرية الصينية الاتفاقية مع المجلس العسكري الانتقالي في باماكو، ويتضمن العقد، الذي وقعه في بكين من الجانب المالي، وزير الدفاع ساديو كامارا، الحصول على معدات عسكرية والتدريب ونقل التكنولوجيا في مجالات الدفاع الرئيسة، وفق ما أعلن عنه المجلس العسكري الانتقالي الحاكم بشكل رسمي.
وأكد كامارا أن "بلاده تلقت بالفعل معدات عسكرية من الصين عبر شركة (نوريكو)، حتى قبل دفع أموالها، وذلك في ظل الحظر المفروض عليها إقليميا من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)"، مبرزا أن «الطرفين تمكنا الآن من تسوية تعاقدهما».
تحديات أمنية
يأتي هذا الاتفاق العسكري بين بكين وباماكو، في وقت تشهد فيه الأخيرة مزيدا من التحديات الأمنية التي تواجهها، من هجمات من الجماعات الإرهابية في المثلث الحدودي مع النيجر وبوركينا فاسو، وهجمات أخرى من حركة الأزواد الانفصالية شمالي البلاد.
ويتطلع المجلس العسكري الانتقالي في مالي لمزيد من الاتفاقات العسكرية مع دول مثل روسيا والصين وتركيا وإيران، بعدما قام بطرد القوات الفرنسية والأمريكية من بلاده.
ويرى الخبراء أن هذه الخطوة مع بكين تأتي في إطار الصراع الدولي على موطئ قدم في البلد الأفريقي المليء بالخيرات والموارد الطبيعية، فهل ستستطيع دول الكتلة الشرقية سد الفراغ الغربي في المنطقة.
ثاني شريك
من جانبه، أوضح الدكتور محمد أغ إسماعيل الباحث في العلوم السياسية المالي أن هذه الخطوة تأتي في إطار بحث السلطات الانتقالية في مالي لتعزيز دفاعها العسكري لمواجهة أية تدخلات غربية من جهة، وتطوير علاقة استراتيجية مع ثاني اقتصاديات العالم، وعضو مؤسس في منظمة البريكس من جهة أخرى.
وقال إسماعيل لـ "العين الإخبارية": "لا ننسى بأن أحداث منطقة تينزاواتين قرب الحدود المالية مع الجزائر، والتي أظهرت محدودية قدرات الحليف الروسي ميدانيا"، مضيفا: "لا بد من تعدد العلاقات العسكرية، وبهذا تكون الصين ثاني شريك استراتيجي مع مالي بعد روسيا".
ولفت إلى أن "الصين ستستفيد كذلك من احتياجات مالي الأمنية وسوق الكونفدرالية الساحلية للصدارة في غرب أفريقيا، خصوصا أن لها علاقاتها جيدة مع بقية الدول".
وتوقع أن تستمر المواجهة بشكل أكثر شراسة بعد الانتخابات الأمريكية بغض النظر عن الفائز، ولا أعتقد بأن الغرب يستسلم بسهولة لسيطرة الشركات الصينية على الكعكة الأفريقية.
ظاهرة التحالفات
من جهته، رأى درامي عبدالله، الكاتب الصحفي المالي، أنه "لا يوجد أحد يمكنه التكهن بما ستحمله الأيام المقبلة من توترات في مستوى علاقات الدول والأنظمة".
وقال عبدالله لـ"العين الإخبارية"، إنه "من المستحيل معرفة المحطة الأخيرة في سباق التسلح الذي تزيده ظاهرة التحالفات والانحيازات المتصاعدة مع غياب واضح للحياد".
وأضاف أن "مالي كونها في قلب الحدث الساحلي، فإن ذلك يفرض عليها ترسيخ أقدامها الدفاعية في منطقة تستدرجها شركات المعادن وتتربص بها الإضرابات والمشاكل".
وتابع: "لا غرابة في توقيع عقود تسليح بين مالي والصين"، موضحا أن "السياسة الدفاعية الجديدة لمالي تحمل الورود في يمناها والأشواك في يسراها".
وبين أن "وزير الدفاع المالي قد أعلن على هامش منتدى التعاون الصيني الأفريقي الحالي أن الجانبين الصيني والمالي وقعا عقودا جديدة للتسليح والتدريب إضافة إلى اتفاقات نقل تكنولوجيا، الأمر الذي سيعزز المكانة الإقليمية للدولة في ظل اتهامها كذبا من قبل المعارضة، بالتركيز على معالجة الآفات الأمنية وإهمال المجالات الأخرى".
وأضاف أن "الرئيس الصيني في لقائه مع أسيمي غويتا، رئيس المجلس العسكري، على هامش المنتدى لم يتردد في التأكيد في أن هذه القرابة تعد صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، وأنها مبنية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم التأثر بأكذوبة ما يسمى بحقوق الإنسان التي تستخدمها جهات عالمية لأغراض خاصة".
لن تستسلم
وبحسب الكاتب الصحفي المالي، فإن "باماكو فقدت الثقة في الغرب، وأنه بقيت هناك مجاملات دبلوماسية مع بعض الجهات"، لكنه اعتبر أنه "من غير الممكن أن تتمكن الصين من سد فراغات حفرتها سنوات من الضبابية الغربية والتواطؤ مع شبكات الإجرام".
وأضاف أن "الصين شريكة موثوقة عالميا، ولا تنتهك سيادة الدول ويمكنها فعل الكثير، أما الدول الغربية لن تستسلم لحظة واحدة لظاهرة التحرر الساحلي من قيودها".
واعتبر أن "العصا التي كانت تلوح بها الدول الغربية في أفريقيا واستفزازها لهذه الدول قد انكسرت أمام الإصرار الشعبي في الساحل".
وذكر أن "القيادات دائما تستمد بقاءها واستمرارها من ثقة الجماهير وهذا ما يحدث في دول الساحل الآن".
شراكة استراتيجية
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، قد التقى بالعقيد غويتا، الموجود في بكين لحضور قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي، الإثنين الماضي، وأعلن الزعيمان بشكل مشترك الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى شراكة استراتيجية.
وخلال اجتماعهما قال الرئيس الصيني إن "بلاده مستعدة لتعزيز الصداقة التقليدية، ومواصلة تبادل الدعم بقوة مع مالي، وتقديم المساعدة في حدود قدرتها من أجل التنمية الاقتصادية وتحسين معيشة الشعب المالي".
وأضاف: "سنواصل تشجيع شركاتنا على الاستثمار في مالي وتعميق التعاون في مجالات مثل الزراعة والطاقة والتنمية المعدنية وبناء البنية التحتية"، معربا عن أمله في "توفير مالي لضمانات أمنية وتسهيلات سياسية للشركات الصينية".
وقال إن "بلاده مستعدة للعمل مع مالي والدول الأفريقية الأخرى من أجل تبادل الدعم في اتباع مسارات تحديث تتناسب مع الظروف الوطنية لكل دولة".
تنسيق أوثق
من جانبه، قال غويتا إن "مالي تأمل في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وتعميق التعاون متبادل المنفعة في مجالات مثل الزراعة والطاقة والتعدين والأمن".
وأكد أن بلاده تقدر جهود الصين ومساهماتها في تعزيز السلام والتنمية على المستويين الإقليمي والعالمي، وأنها تتطلع لتنسيق أوثق مع الصين على المستوى متعدد الأطراف.
رسائل
بدوره، رأى الدكتور محمد تورشين الباحث السوداني في الشأن الأفريقي أن "خطوة عقد اتفاق عسكري مع الصين ستسهم بشكل أو بآخر في تعزيز القوة العسكرية للحكومة المالية".
وقال تورشين لـ "العين الإخبارية" إن "تطور الصين وامتلاكها لعدد من الإمكانات العسكرية المهولة لاسيما في مجال الطيران، يمكنها أن تزود الجانب المالي بطائرات متطورة إضافة إلى ذلك الحصول على التقنيات العسكرية".
وحذر من أن "هذه الخطوة ستصعد من وتيرة الصراع العسكري في الساحل الأفريقي"، موضحا أن "المجموعات العسكرية من الأزواد استطاعت أن تحقق انتصارات نسبية".
وأضاف أنه "بعد الهزيمة التي تلقتها القوات المالية في الفترة الأخيرة، تحاول الآن أن ترسل رسائل بأنها حاضرة وقادرة عسكريا في دحر والتصدي للمجموعات العسكرية".
وتابع أن "هذه الخطوة ربما ستفتح المجال لمزيد من التعزيزات العسكرية لكونفيدرالية دول الساحل، باعتبار أنها ستسهم بشكل مباشر في التعاون المشترك بين الدول المكونة لها".
تعدد الشراكات
ورأى الخبير السوداني في الشأن الأفريقي أن "الصين وحدها أو روسيا لا تستطيع أن تسد الفراغ الذي تركته فرنسا وأمريكا وحتى الدول الأوروبية، بقدر أن الدول الأفريقية هي الآن بحاجة إلى إنشاء شراكات وتعاون عسكري اقتصادي مع قوى أخرى متعددة على رأسها روسيا والصين وتركيا وبعض القوى الآسيوية الأخرى".
وقال إن "الدول الأفريقية على رأسها مالي وكونفيدرالية الساحل الأفريقي لم ترهن مواقفها الجيوسياسية والاستراتيجية بالتحالف أو الدخول في شراكات مع قوى أحادية".
واعتبر أنها "ستذهب في إطار تعدد الشراكات مع كل القوى بما فيها بعض الدول الأوربية كإيطاليا التي لديها مواقف ربما تكون مختلفة عن الموقف الفرنسي والأمريكي".
وأكد أن "الحضور الصيني لن يزعج الكثير من القوى التي لديها رغبة في أن يكون هنالك نظام عالمي متعدد الأقطاب، وإنما سيزعج فرنسا وأمريكا وإلى حد ما ألمانيا".