إنفوجراف.. طريق الحرير.. الصين تعيد كتابة التاريخ من جديد
الطريق لعب دورا في إنعاش التجارة في العالم العربي، وتعلم التجار لغات وتقاليد البلدان التي سافروا عبرها، عبر التبادل الفكري والثقافي.
طريق الحرير الصيني هو أشهر طرق العالم القديم وأهم الطرق التي كتبت تاريخ البشرية، بتاريخ يعود إلى أكثر من 200 عام قبل الميلاد، حيث ربط هذا الطريق بين الصين والعالم العربي وصولا إلى أوروبا طوال 3 آلاف عام.
"طريق الحرير" كان مجموعة من الطرق والخطوط البرية والبحرية المترابطة والتي تمتد لنحو 12 ألف كيلومتر تسلكها القوافل والسفن قديما بهدف نقل البضائع التجارية بين الصين وآسيا الصغرى والوسطى وبلاد العرب والفرس وأفريقيا وأوروبا.
وأدت هذه الطرق دورا في التمازج الثقافي بين الصين وشعوب العالم، وأسهمت في معرفة البشرية بالورق الذي شكل نقله نوعية في تاريخ العالم.
كما لعبت الك الطرق دورا في إنعاش التجارة في العالم العربي وتعلم التجار لغات وتقاليد البلدان التي سافروا عبرها، وقام عديد من المسافرين بسلك هذه الطرق للدخول في عملية التبادل الفكري والثقافي التي كانت عامرة في المدن الممتدة على طول هذه الطرق.
وترجع قصة اكتشاف طريق الحرير إلى العصور القديمة في القرن الثاني قبل الميلاد، عندما أرسل أحد الملوك الصينيين جنرالا إلى المناطق الشمالية الغربية من الصين لإقناع القبائل هناك بالتضامن معه للقضاء على فتنة داخلية حيث استغرقت الرحلة نحو 13 عاما.
وعاد الجنرال بعدها إلى العاصمة بعد رحلة أسطورية تكبد خلالها الأسر مرتين من دون تحقيق الغاية العسكرية، لكنه حقق الانفتاح الاقتصادي بمعرفته تفاصيل الطرق، حيث أعاد الكرة ثانية بقافلة كبيرة ضمت البضائع المختلفة وبدأت القبائل على جانبي الطريق تتبادل وتشتري وتبيع حتى نهاية حدود الصين.
طريق اليشم، وطريق الأحجار الكريمة، وطريق الفخار والخزف، وطريق التوابل، جميعها مسميات عرف بها طريق الحرير، لكن مصطلح "طريق الحرير" يرجع إلى منتصف القرن 19 حينما أطلق العالم الجيولوجي الألماني البارون فرديناند فون ريشتهوفن على هذا الطريق اسم "طريق الحرير" نسبة إلى أشهر سلعة تحتكر إنتاجها الصين آنذاك وأبقت على سرها نحو 3 آلاف سنة حتى إنها كانت تعدم كل من يتجرأ على إفشاء سر إنتاج الحرير لشخص غريب.
ومن أهم البضائع التي انتقلت عبر هذا الطريق الأواني الخزفية والزجاج والأحجار الكريمة والتوابل والزعفران والعطور والعقاقير الطبية والنباتات بشتى أنواعها والحيوانات وجلودها والمشغولات الخشبية والفنية والأسلحة وغيرها.
وأصبح طريق الحرير جسرا ثقافيا وتجاريا وحضاريا بين الصين والعالم وانتقلت عبره الديانات فعرفت البوذية وعرفت آسيا عن طريقه الإسلام، حتى أن عديدا من هذه المدن تحولت إلى مراكز للثقافة والتعلم.
وتذكر المصادر التاريخية أن مدينة "شيان" الصينية التي تعد بداية طريق الحرير كانت أول مدينة يدخلها الإسلام على يد التجار العرب.
وعرفت العلوم والثقافات والفنون الإسلامية بشكل تدريجي في الصين على نطاق واسع حتى انتشر المسلمون وتاجروا في مختلف الموانئ والمدن الساحلية الرئيسة في الصين وأسهموا بالإسلام ونشره وقاموا ببناء مساجد وبفضلهم اعتنق صينيون كثر الإسلام.
ومع تغير الخارطة السياسية والاقتصادية في أوروبا وآسيا بعد القرن التاسع الميلادي وخاصة تقدم تكنولوجيا الملاحة برز دور النقل البحري في التبادل التجاري لذا اضمحل دور طريق الحرير البري التقليدي.
وكان لطريق الحرير تأثير كبير على ازدهار كثير من الحضارات القديمة مثل الصينية والمصرية والهندية والرومانية والحضارة الإسلامية حتى أنها أرست القواعد للعصر الحديث.
بمرور الوقت ونظار للحروب الصراعات، اتخذ التجار المسارات البحرية من هذا الطريق لأنها أكثر أمانا من الطرق البرية إلى أن فقد الطريق أهميته وتأثر سلبا وبدأت تجارته تنكمش شيئا فشيئا وتحولت حركة التجارة إلى مسارات أخرى عبر المحيط الهندي من آسيا الجنوبية إلى شمال أفريقيا مرورا بالبحر الأحمر حتى خليج السويس.
ومن أهم الأسباب التي أدت الى توقف هذا الطريق هي الاكتشافات البحرية الكبرى وانحدار الإمبراطوريات، واكتشاف تصنيع الحرير في أوروبا وإغلاق بعض من أجزاء الطريق من قبل الأتراك وافتتاح قناة السويس في مصر عام 1869.
وعاد "طريق الحرير" التاريخي بين آسيا وأوروبا إلى الانتعاش مجددا في أبريل من عام 2005 في مرحلة أولية تشمل 7 دول آسيوية تبدأ بتركيا وتنتهي بكازاخستان لكن هذه المرة بواسطة القطارات عوضا عن الخيول والجمال وتمتد رحلات القطار إلى مسافة 10 آلاف و560 كيلومترا يقطعها في 38 يوما.
وتأمل الصين أن يخلق هذا المشروع نشاطا تجاريا تفوق قيمته 2.5 ترليون دولار أمريكي خلال 10 سنوات وتبلغ التكلفة التقديرية للطريق نحو 47 مليار دولار أمريكي.
وفي 18 يناير الماضي وصل أول قطار لنقل البضائع من مدينة (ييوو) شرقي الصين إلى العاصمة البريطانية لندن بعد أن قطع قرابة 12 ألف كيلومتر خلال رحلة استمرت 18 يوما.
وتشمل مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني عام 2013 أكثر من 60 دولة في قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، التي يبلغ إجمالي عدد سكانها مجتمعة 4.4 مليار نسمة، أي ما يعادل 63% من سكان العالم؛ لتحيي تجربة عرفها العالم قديما ببعديها الاقتصادي والثقافي لخلق طريق بري وبحري لتعزيز الربط الدولي ودعم حركة التجارة.