صنع في الصين 2025.. خطة لتحقيق الاكتفاء الذاتي بقطاع التكنولوجيا
استراتيجية «صنع في الصين 2025» وضعتها الحكومة في 2015، واكتسبت زخماً من الشركات والمدن التي أكدت أنه لا بديل سوى التحديث أو الاضمحلال.
تسعى الصين إلى الدفع بالقطاع التكنولوجي لديها إلى آفاق جديدة، ليصبح قادراً على منافسة نظيره في الولايات المتحدة وأوروبا، ووضعت بكين خطة استثمارية بقيمة تصل إلى 300 مليار دولار، بهدف تحقيق اكتفاء ذاتي بحلول عام 2025 في سلسلة من الصناعات بالغة الأهمية، من رقائق الكمبيوتر إلى السيارات الكهربائية، إيذاناً بانطلاق المرحلة التالية من تطورها الاقتصادي واللحاق بركب «الثورة الصناعية الرابعة».
ولا يقف وراء استراتيجية بكين «صنع في الصين 2025» التي وضعتها الحكومة في 2015، قادة الحزب الشيوعي فحسب، لكنها اكتسبت زخماً من الشركات والمدن في ربوع الصين، والتي تدرك أنه لا بديل سوى التحديث أو الاضمحلال.
وتقدم الصين امتيازات لشركاتها ضمن استراتيجية «صنع في الصين 2025»، والتي تحظى بدعم قطاع الأعمال، ونالت كذلك تأييد الحكومات المحلية التي تبحث عن سبل للحفاظ على شعبيتها، وعلاوة على ذلك، توجد شبكة كبيرة من رواد الأعمال في القطاع الخاص والأكاديميين والسياسيين المحليين الذين يتعاونون بشكل كبير، من أجل تذليل العقبات أمام المصانع الصينية.
ودشّنت مدن «دونجوان» و«سوزهو» و«ونزوهو» و«شزوهو» والمناطق الصناعية حول شنغهاي، أيضاً، خططها الرامية إلى استغلال التكنولوجيا كبديل للأيدي العاملة مرتفعة التكلفة.
وبحسب جريدة الاتحاد الإماراتية يقول «زهانج جوجون»، مدير معهد «جونجدونج للروبوتات الذكية» في مدينة «دونجوان»، وهو أحد مراكز الأبحاث المحلية التي تحظى بدعم حكومي للمساعدة في تحديث المصانع: «لو أن استراتيجية (صنع في الصين 2025) كانت سيارة، فإن محركها قد بدأ العمل بالفعل، وحتما ستمضي قدماً». وأضاف «جوجون»: «إن المدينة كانت تبلي بلاء حسناً في التحول إلى استخدام التكنولوجيا قبل وضع (صنع في الصين 2025)، لكن هذه السياسة أتاحت أمامها اتجاهاً وهدفاً واضحين».
وحتى إذا لم تتمكن الصين من تحديث قطاعها الصناعي بالكامل في عام 2025، فإن حتماً ستصل إلى مرادها، لأنه ليس ثمة بديل عن ذلك، حسبما يرى الخبراء.
واضطرت هجرة العمالة لقطاع التصنيع، الشركات والحكومات إلى البحث عن حلول، ومن ثم اتجهت إلى تحديث بنيتها الصناعية، وقبل وضع سياسة «صنع في الصين 2025»، أطلقت «دونجوان» «مبادرة استبدال البشر بالماكينات»، وموّلتها بـ30 مليون دولار سنوياً. وضخت أموالاً طائلة في مبادرات تكنولوجية أخرى، فتلك الشركات التي برهنت أن لديها مشاريع بحثية جديرة أو رغبة في الاستثمار في الروبوتات الصناعية أو البرامج الإلكترونية أو الآلات المتطورة، فازت بمعونات حكومية، وتحملت الحكومة بين 10% و20% من الفاتورة، حسبما أظهرت مستندات رسمية.
وكان لدى شركة «مينتيك»، التي تتخذ من «دونجوان» مقراً لها، وتنشط في توريد أجهزة الاتصالات، مئات من العمال الذين يعملون بأيديهم، لكن اليوم تكاد لا تجد الشركة عمالاً، وعلى أحد جوانب مبنى مصنعها، تضع لافتة مكتوبا عليها الامتيازات الوظيفية التي تتضمن: راتباً مع أجر مقابل العمل الإضافي يصل إلى 1100 دولار، وإقامة مكيفة وخدمة «واي فاي» مجانية، وحتى هدايا في أعياد الميلاد!
ويعد ارتفاع الأجور ونقص الأيدي العاملة في الدولة التي يزيد تعداد سكانها على 1.4 مليار نسمة، من بين العقبات التي تواجه الشركة، حسبما أكد «زهانج شياودونج»، مدير قسم الأبحاث والتطوير.
وطلبت «مينتيك» من «زهانج» وآخرين استكشاف سبل «أتمتة» المصنع، فقضوا عامين يعملون حتى وقت متأخر من الليل من أجل تعديل الماكينات، وإعادة تصميم المكونات، بحيث يمكن الاستمرار في عملية التصنيع. وفي هذه الأثناء، أخفق عدد من المشروعات.
وأوضح مدير معهد «جونجدونج للروبوتات الذكية» في مدينة «دونجوان» قائلاً: «لا يمكن حل جميع المشكلات، ونعلم أن التصنيع الذكي هو المستقبل، لكن تحقيق ذلك ليس سهلاً».
وفي الوقت الراهن، أضحت صالة المصنع التي كانت تحتاج إلى 300 عامل، لا تتطلب سوى 100 فقط. وأصبح نحو نصف المصنع يعمل آلياً. وساعدت حكومة «دنجوان» الشركة بتقديم إعانات قدرها 1.5 مليون دولار، وتستقطب أيضاً الشركات الناشئة، وتساعد العلماء على افتتاح مراكز أبحاث، لتقديم الحلول التكنولوجية. وتقدم شركة «دونجوان للتكنولوجيا الذكية الدقيقة» المساعدة إلى «مينتيك»، إذ توفّر الماكينات التي يحتاجها المصنع ليعمل آلياً. ولأن هذه التكنولوجيا مصنوعة محلياً، فإنها أرخص بكثير من شراء أنظمة يابانية أو أميركية.
وأفاد «فوريست تيان»، المستثمر السابق في شركات تكنولوجيا ناشئة، والذي أسس «دونجوان للتكنولوجيا الذكية» بأن «الاتجاه السائد في قطاع التصنيع أن الأتمتة لا استغناء عنها»، مضيفاً: «هناك طلب ضخم على تلك الماكينات».
واتخذت حكومة «دونجوان» خطوات أخرى لضمان أن مراكز الابتكار الناشئة ستساعد المصانع المحلية، فأسست نحو 30 معهد أبحاث بالشراكة مع جامعات صينية كبرى. وتعاونت المعاهد مع شركات مثل «جواندوج جانوس جروب»، المتخصصة في تصنيع أجزاء الهواتف المتحركة، والتي تواجه مشكلة ارتفاع تكاليف العمالة التي أضحت مألوفة. ويشير «هوانج هي»، رئيس أنشطة التصنيع الذكي في «جواندونج جانوس»، إلى أنه بفضل هذه الجهود أصبحت صفوف الماكينات التي تعمل آلياً بأذرع روبوتات وأحزمة نقل خضراء تمتد على مساحة شاسعة. وبات المصنع يحتاج إلى 16 عاملاً في المناوبة، بدلاً من 103 عمال قبل تحوله إلى العمل آلياً.
وبالطبع، ستواجه الشركات الصينية عقبات في سعيها إلى التطوير، خصوصاً في مجالات مثل صناعات الرقائق الدقيقة والسيارات ذاتية القيادة. لكن عندما يتعلق الأمر بالتصنيع، فإن «دونجوان» تُظهر أن «صنع في الصين 2025» ستحقق نجاحاً كبيراً.
ومن جانبهم أشار مسؤولون أميركيون، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى خطة التطوير الصناعي التي وضعتها بكين تحت شعار «صنع في الصين 2025» كمصدر قلق، إذ اعتبروها خريطة للهيمنة على صناعات رئيسة عالية التقنية، تشمل الفضاء والاتصالات وصولاً إلى الروبوتات والسيارات الكهربائية. ومع تصاعد حدة التوتر، يحذر خبراء التجارة من تضاؤل الخيارات المتاحة لحل النزاع.
وقال الخبير في الشأن الصيني من «معهد بيترسن للاقتصادات الدولية» مارتن شورزيمبا: «أعتقد أن هناك مخارج قليلة للغاية متبقية للتوترات المتزايدة». وأوضح أن لدى بكين «مجموعة ضخمة من الأدوات للضغط على شركات أميركية» على غرار «آبل» التي تعتمد على الصين بشكل كبير. غير أن بكين أكدت أنها لن تتخلى عن «صُنع في الصين 2025»، حتى إذا انطوى ذلك على المخاطرة بخوض حرب تجارية مع أميركا؛ نظراً لأن تلك الاستراتيجية هي جزء جوهري من سياسة الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وأكدت أن الاستراتيجية تهدف إلى تحقيق «الكفاءة الذاتية» في قطاع التكنولوجيا المتطورة بالصين، وتحويل البلاد إلى قوة عالمية في صناعة التكنولوجيا، لتتمكن من منافسة دول الغرب.
وتهدف استراتيجية «صنع في الصين 2025» إلى الارتقاء بالقطاع الصناعي، وتعزيز القدرة التنافسية، لتصبح الصين قوة عملاقة صناعياً، من حيث تخفيض استهلاك الموارد، ورفع الإنتاجية، وتعزيز القدرة على الابتكار التكنولوجي.
وبناء على ذلك، تقرر تنفيذ 5 مشروعات بحلول عام 2025، تشمل بناء مركز ابتكار لقطاع الصناعة، والتصنيع الذكي والتصنيع الأخضر، وتعزيز أساس الصناعة، وابتكار المعدات، ورفع الجودة والتصنيع الموجه للخدمات، إضافة إلى صياغة خطة تنمية المواهب، وخطة لدفع صناعات تكنولوجيا المعلومات والأدوية.
وتسعى الصين باستراتيجيتها إلى اللحاق بركاب الثورة الصناعية الرابعة. وتجسد الاستراتيجية مفاهيم التنمية الخمسة المتمثلة في «الابتكار والتناسق والخضرة والانفتاح والتمتع المشترك بثمار التنمية» التي طرحها الرئيس الصيني «شي جين بينغ.
ويرتكز تحقيق هدف الاستراتيجية على خمس نقاط أساسية هي التمسك بتعميق الإصلاح، وتعزيز دور السوق في تخصيص الموارد، ودفع الابتكار وتأسيس المشروعات؛ وزيادة قدرة الابتكار، والانفتاح والتعاون الدولي المتكافئ.