ليت كل الإماراتيين -مواطنين وغيرهم- يدركون كيف هو واقعهم ومكانتهم لدى الدول والشعوب الأخرى بفعل جهود قادتهم المؤسسين والحاليين.
في العلاقات بين الدول هناك إشارات نستطيع أن نرى ما يكمن داخل أذهان مسؤوليها وشعوبها تجاه دول أخرى، بل تلك الإشارات تكون أكثر وضوحاً من الكلام مهما قيل فيه، فحين تحتفل مؤسسات حكومية في دولة مثل جمهورية الصين الشعبية بمئوية المغفور له -بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "عام زايد"، وتدرب طلاب مدارسها على الفنون الشعبية الإماراتية، فاعلم بأن هناك أسبابا غير لغة المصالح التي لا تعترف العلاقات الدولية إلا بها، وعندما يتكرر الحديث عن هذه المناسبة الإماراتية الوطنية في أكثر من مكان في الصين وعن صاحبها وكأن ما يربطهم به أكثر من أنه رئيس لدولة صديقة هنا يتأكد لنا مدى الإرث والقيم الإنسانية التي تركها الشيخ زايد منذ زيارته التاريخية للصين في عام 1984.
الصينيون لم ينسوا أن القيادة الإماراتية انتبهت لأهمية دولتهم الاستراتيجية في لحظة تاريخية كان فيها العالم كله يعمل بعيداً عنها، عندما زار الشيخ زايد الصين في عام 1984
أتحدث هنا عن زيارة وفد المجلس الوطني الاتحادي برئاسة معالي الدكتورة أمل القبيسي، رئيسة المجلس الوطني الاتحادي، إلى جمهورية الصين الشعبية، التي استمرت لمدة أسبوع واختتمت قبل يومين، والتي لاقت اهتماماً لافتاً من المسؤولين الصينيين السياسيين منهم والاقتصاديين وحتى الأكاديميين، عندما زار الوفد كلية الدراسات الأجنبية ومركز الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية، وكان الموضوع الأساسي من هذه الزيارة بجانب تعزيز العلاقات البرلمانية والاطلاع على التجربة الصينية في هذا المجال دعم الجهود الدبلوماسية والاقتصادية للدولة، انطلاقاً من تكامل العمل بين المؤسسات الحكومية للدولة بما يخدم في النهاية المصلحة الوطنية.
ربما يقول قائل إن للصينيين مصالح مع دولة الإمارات وبالتالي فإن الاهتمام بالوفد البرلماني الإماراتي أو على الأقل إبداء الاهتمام بعام زايد لا يخرج عن كونه نوعا من المجاملة الدبلوماسية، لكن الذي يدرك الطبيعة الجامدة للصينيين في التعامل مع الآخر الناتجة من جمود الحزب الشيوعي يدرك أن المسألة أكبر من المجاملة وأقرب إلى الإحساس بدفء العلاقات. كما ينبغي ألا ننسى، ونحن نبرر الاهتمام بوفد المجلس الوطني، أن الإمارات ليست الدولة الوحيدة التي لها مصالح مع الصين وبالتالي ينبغي ألا نتجاهل جهود قيادتنا منذ أيام المؤسس الشيخ زايد بأنه وضع الأساس لبناء علاقة استراتيجية مع الصين في وقت كانت الصين شبه معزولة دولياً، وبالتالي فالاهتمام ليس فقط ذا بعد مصلحي.
الصينيون لم ينسوا أن القيادة الإماراتية انتبهت لأهمية دولتهم الاستراتيجية في لحظة تاريخية كان فيها العالم كله يعمل بعيداً عنها، عندما زار الشيخ زايد الصين في عام 1984، ويتذكرون أن الذي قام بتعزيز هذه العلاقة وأعطاها زخماً سياسياً بعد مرور عقد تقريباً تلك الزيارة التاريخية هو صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عام 2005، بل يشعرون بالفخر أن لديهم علاقة مع دولة تأسست على قيم التسامح والتعايش "قيم زايد" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الدولة النموذج كما رددها أكثر من مسؤول صيني وهذه اللغة الصريحة لهم دليل على قدر أهمية العلاقات مع دولة الإمارات والصورة الذهنية التي رسختها القيادة الإماراتية لدى الصينيين من سياسيين واقتصاديين وأكاديميين.
تجاربنا علمتنا ألا نأخذ المناقشات التي تتم على مستويات أقل من المسؤول الأول في الدولة على محمل الجد، إلا أن التجارب العالمية تؤكد أن كل الدبلوماسيات تبدأ من جهات الاختصاص، ولكن المؤسسات مثلت للبرلمانات والأكاديميين دورا في نقل الانطباعات الاستراتيجية للدول بل يمكن فهم المواقف بشكل أوضح، وبالتالي التأثير المتبادل حيث تختفي اللغة الرسمية التي تطغى على الدبلوماسية الحكومية ويكون الأمر أقرب لعمل فنيين يبحثون عن فهم متبادل.
لخص سفيرنا في جمهورية الصين الشعبية، سعادة علي عبيد الظاهري، بعض الإشارات التي تعطيك انطباعاً عن مكانة دولة الإمارات لدى الدول الأخرى في كلمات بسيطة حيث قال: نحن محظوظون بتمثيل دولة الإمارات لأننا لا نحتاج إلى جهد كبير في الحصول على الموافقات لمقابلة المسؤولين في الخارج كما يحصل مع بعض ممثلي الدول الأخرى، بل يصل الأمر أحياناً بالسؤال متى تريدون أن نلتقي، ولك أن تتخيل وهو يتحدث عن تجربته في دولة مثل الصين التي ما زالت قلقة في الانفتاح على الجميع والتعاطي مع الدول الأخرى ويضيف مقارناً بصعوبة الوضع بالنسبة لممثلي الدول الأخرى حيث يحتاجون إلى وقت يمتد أحيانا إلى شهر كامل لأخذ الموافقة.
ليت كل الإماراتيين -مواطنين وغيرهم- يدركون كيف هو واقعهم ومكانتهم لدى الدول والشعوب الأخرى بفعل جهود قادتهم المؤسسين والحاليين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة