تطرّقنا في مقال سابق إلى طرق الاتجار بالمخدرات والاستخراج التقليدي للمعادن كمصادر لتمويل الإرهابيين.
وسنتطرق اليوم لتهريب السجائر، الذي يعد من مصادر التمويل الأخرى، التي توصلنا إلى النتيجة النهائية نفسها، وهي الإسهام في قتل الأبرياء.
يوفّر الإرهابيون الحماية للقوافل المُحمّلة بمثل تلك الممنوعات، وبذلك يحصلون على عائدات كبيرة، ليس فقط في منطقة الساحل، ولكن في القارة الأفريقية بأكملها تقريباً.حتى سنوات قليلة مضت، كان إرهابي تنظيم "القاعدة"، مختار بلمختار، الذي ينشط في منطقة الساحل، معروفاً بلقب "مستر مارلبورو"، بالإضافة إلى ألقابه الأخرى، ما يمكن أن يعطينا فكرة عن أهمية تهريب السجائر كنشاط داعم للإرهابيين.
تبدأ عمليات تهريب السجائر من مناطق ساحلية في بنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار لتشقّ طريقها إلى النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وفي حالات أخرى تواصل إلى موريتانيا أو ليبيا أو الجزائر، وتصل حتى إلى إسبانيا.
إلى أحد هذه الموانئ وصلت سيارات موجّهة للإرهابيين في شمال مالي عام 2012، وقد كشف تقرير للأمم المتحدة، صادر عام 2020، عن إحدى أكبر الشبكات المتورطة في تهريب السجائر، حيث أشار التقرير بأصابع الاتهام إلى رجل أعمال بوركيني بالضلوع في أنشطة التهريب ودعم الإرهاب بشكل غير مباشر.
كان رجل الأعمال المذكور يستيعن في نشاطه بنفس الشبكات المخصصة لتهريب المخدرات والاتجار بالبشر من بوركينا فاسو إلى مالي والنيجر ونيجيريا وليبيا.
ولتنفيذ هذه الأنشطة غير القانونية، يحتاج الإرهابيون بالطبع إلى تعاون مسؤولين فاسدين، سواء في بلدانهم أو في الدول التي تصل إليها شحنات السجائر المهربة، كما يحتاجون أيضاً إلى مساعدة بنوك لإتمام عمليات الدفع، لكن ذلك لم يكن عائقاً أمام رجل الأعمال المتورط، الذي اتّضح أنه يملك بنكاً في بلده.
وتشير تحقيقات إلى كيفية وصول التبغ، الذي يغادر بوركينا فاسو إلى مالي المجاورة ومدن أنسونغو وغاو وتمبكتو، فمن المثير للاستغراب أن طريقة الدفع للمُهربين عادةً لا تكون بالمال، بل بالسجائر، ما يكشف ضمناً حجم التواطؤ مع الإرهابيين في هذا النشاط.
ومن بين الطرق، التي تخرج بها السجائر من دائرة التداول المشروع، أن يتم شراؤها بعلامة لا تسمح بإعادة تصديرها وتجاوز هذا الحظر الحدودي لاحقاً، إلا بمساعدة موظفين فاسدين.
هذا بالضبط ما يحدث في البلدان الساحلية لغرب أفريقيا وفي دول الداخل، حيث يتم تداول هذا النوع من البضائع.
وعلى سبيل المثال، ففي 16 أبريل/نيسان 2019، تمّت مصادرة شاحنة مُحمّلة بـ1840 صندوق سجائر كانت متجهة من بنين إلى بوركينا فاسو، وكانت هذه البضاعة مرخصة للبيع في كوت ديفوار فقط، لذلك كان على السلطات إرجاع الشاحنة إلى كوت ديفوار أو مصادرتها وإتلافها.
في النهاية دخلت الشحنة إلى بوركينافاسو، معتبرين أن الشاحنة كانت في طريقها للعبور من ذلك البلد.ومن الحالات المشهورة الأخرى، دخول 12 شاحنة مُحمّلة بالتبغ إلى بوركينا فاسو، لتواصل بعضها الطريق إلى النيجر وأخرى إلى توغو.
هذه الأخيرة واصلت طريقها إلى غانا، وتحديداً إلى مستودع في مدينة ويدانا، حيث تم توزيع الشحنة على تجار التجزئة، الذين يوزعونها بدورهم على متن دراجات نارية في غانا وتوغو وبوركينا فاسو.
حالات مصادرة شحنات السجائر المهربة لا تُحصى، إذ تشير التقديرات إلى أن عائدات هذه "التجارة" يمكن أن تصل إلى 107 ملايين دولار، بينما قدّرت خسائر حكومات المنطقة، من جراء هذا النشاط غير المشروع، بنحو 39 مليون دولار، وذلك فقط في عامي 2016 و2017.
معرفة حجم هذه الخسائر تسبب إزعاجاً عميقاً للبلدان الغربية، التي تقدّم مساعدات لدول أفريقية لا يتم السيطرة فيها على هذا النوع من التهريب، الذي يحرم الدول من مصادر دخلها، ويُساعد أيضاً في الحفاظ على نشاط الإرهابيين.
عبر هذا التهريب، لا تتلوث أيادي المشاركين فيه بالدماء بصورة مباشرة، لكنه يساعد الشركات والأشخاص المتورطين في هذه "التجارة" على التهرّب من الضرائب، التي تحتاج إليها دول الساحل الأفريقي من ناحية، وتغذية الإرهابيين والمتاجرين بالبشر، من جهة أخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة