لو افترضنا أن هناك مرآةً بحجم الكوكب، الذي نعيش عليه، مما لا شك فيه ستكون هي "السينما"، التي تحاكي الحياة صورة وصوتا وشعورا وحركة.
فمع الفن السابع لم يعد الخيال حبيس العقول والأوراق، وقد يختصر فيلم سينمائي واحد حياة بأكملها في وقت لا يتجاوز الساعتين.
وعلى الرغم من التطور الكبير في هذا المجال، فإن صناع السينما يتطلعون إلى مزيد من التقدم والتطور في تجربتهم التسويقية للأفلام، لذلك ثمة تحولات نوعية تجتاح عالمنا، إذ تتجه السينما حاليا للدخول في مجال جديد للترفيه، مثير ومُغرٍ، ألا وهي الطائرات، وذلك لمساعدة السينمائيين وصانعي الأفلام لتسويق محتواهم عالميا، وهو ما يواكب تطور الحياة التي نعيشها.
اتجه صناع السينما الشباب نحو أساليب جديدة تخرجهم من عباءة المهرجانات التقليدية إلى العالمية، بعرض محتواهم السينمائي على المسافرين داخل الطائرات، ما يسهم في تسويقها بأسلوب مبتكر.
وأستشهد هنا بتجربة السينما في كرواتيا، إذ بادرت الجهات المسؤولة عن النقل العام في الشوارع بعرض الأفلام القصيرة ومتوسطة المدة خلال الرحلات الطويلة بين المدن على متن الحافلات.
قد يعتبر البعض أن أفلام الطائرات تَرَفٌ لا ضرورة منه، إلا أنها تمثل حجر زاوية أساسيا يؤكد أهمية الخدمات الترفيهية، التي تعكس ثقافة الدولة، التي تنتمي إليها شركة الطيران، فهنالك فرق شاسع بين متعة مشاهدة الأفلام على الأرض وبين مشاهدتها على متن رحلات الطيران داخل الطائرات، التي لا تُمحى بسهولة من الذاكرة.
وما يؤكد أهمية محتوى أفلام الطائرات قصة المسافر، الذي غيّر مسار رحلته من "دنفر" في بالتيمور إلى شيكاغو بعد أن اشتكى من عرض المحتوى غير اللائق على شاشة الطائرة.
عدد من منتجي الأفلام المحلية أكدوا أهمية التوجه نحو منصات عرض مبتكرة تدعم الأفلام الإماراتية، كالاستفادة من شركات الطيران بعرضها المحتوى السينمائي على متن أسطول طائراتها، مستهدفين بذلك فئة المسافرين من مختلف دول العالم، ما يسهم في الترويج للثقافة الإماراتية، ويشجع الشباب على إنتاج المزيد من المحتوى، الذي يضعهم على الطريق الصحيح بخطى واثقة.
ويمكن لمصنّعي المحتوى الخضوع لمعايير الأفلام التي تُعرض داخل الطائرات، وإنتاج ما يرونه مناسبا وفقا لشروط الشركات، كالمحتوى الترويجي الذي يسوق للثقافة السياحية في دولة الإمارات.
ولعل الكثيرين لا يعلمون أن ضوابط عرض الأفلام على شاشات الطائرات تختلف من شركة لأخرى، لأن لكل شركة طيران استراتيجية مختلفة عن الأخرى في عرض أفلامها، فبعض الشركات تفضل عرض الأفلام الكلاسيكية الهادئة لتأثيرها في راحة المسافرين بشكل مباشر، والبعض الآخر يرفض عرض أي فيلم قد يتضمن ترويجا لشركة طيران منافسة، أو يتحدث عن مضامين ذات صلة بالسياسة.
شركات الطيران في المنطقة العربية لا تعرض أفلاما تحوي مشاهد تخدش الحياء، أو تذكر كلماتٍ تتصادم مع ثقافة المجتمع ومعتقداته، وتبتعد، في المجمل، كل شركات الطيران عن المحتوى أو المضمون السياسي أو الديني وأفلام الرعب والإرهاب وحوادث الطائرات لتأثيرها النفسي السلبي في المسافرين.
يُشار إلى أن إحدى شركات الطيران الخليجية أنفقت على العروض الترفيهية ما يقارب 3 مليارات دولار، ومن المتوقع أن يرتفع المبلغ إلى 10 مليارات بحلول 2030، ما يدلل على أهمية منظومة الترفيه والخدمات، التي تقدمها هذه الشركات بشرائها أحدث ما أنتجته السينما من أفلام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة