الزلازل والتغيرات المناخية.. علاقة وثيقة تنذر بالأسوأ

قد تبدو العلاقة بين الزلازل والتغيرات المناخية معقدة أو بعيدة بعض الشيء؛ لكن الحقيقة أن الأمرين مرتبطان بشكل وثيق.
الزلازل هي عبارة عن اهتزازات أرضية مفاجئة ناتجة عن مرور الموجات الزلزالية خلال الصخور الأرضية. وتنشأ الموجات الزلزالية في العادة عندما تتكسر فجأة كتل الصخور المتراصة بجوار بعضها وتنزلق؛ فتنطلق أحد أشكال الطاقة المخزنة في قشرة الأرض على شكل تلك الموجات.
وتُعد الزلازل أحد أشرس الكوارث الطبيعية؛ خاصة عندما تزداد شدتها، وقد تتسبب في تدمير مدن بأكملها. وتسبب العديد من الأحداث المتتالية، مثل: انقطاع خطوط الغاز، انقطاع الكهرباء، تعطل طرق النقل، الانهيارات الأرضية، انهيار السدود، ومشاكل أخرى.
لكن، إلى أي مدى تؤثر التغيرات المناخية على الزلازل؟ أو إلى أي مدى تؤثر الزلازل على المناخ الأرضي؟
المزيد من الاحتباس الحراري
ترتفع متوسط درجات الحرارة العالمية عامًا بعد عام، ووفقًا لـ"منظمة العالمية للأرصاد الجوية" (WMO)؛ فقد سجل عام 2024 نحو 1.55 درجة مئوية أعلى من مستويات عصر ما قبل الصناعة، وهذه أعلى درجة حرارة مسجلة حتى اليوم منذ عصر ما قبل الصناعة، وهذا يعني أنّ العالم يتسارع نحو الاحتباس الحراري، والذي يترتب عليه العديد من التأثيرات الكارثية من أبرزها ذوبان الجليد، ما يتسبب في ارتفاع منسوب سطح البحر. هذا بدوره يقود إلى كوارث أخرى متعددة، منها الزلازل.
بين الاحتباس الحراري والزلازل
في بعض الحالات، قد يقود الاحتباس الحراري إلى حدوث الزلازل؛ ويرجع هذا إلى ذوبان الغطاء الجليدي بوتيرة سريعة في بعض المناطق؛ خاصة أنتاركتيكا وغرينلاند؛ فيرتفع مستوى سطح البحر في جميع أنحاء العالم، وبالفعل شهدنا ارتفاعًا في مستوى سطح البحر بلغ 1.4 مليمتر سنويًا بين عامي 1901 إلى 1990. بينما بلغ 2.1 مليمتر بين عامي 1970 إلى 2015. ووصل إلى 3.6 مليمتر بين عامي 2006 إلى 2015. ومن المتوقع أن يواصل الارتفاع. وعلى المدى الطويل، بافتراض أسوأ السيناريوهات أنه إذا ذاب كل الجليد على سطح الأرض؛ فسيرتفع مستوى سطح البحر إلى حوالي 70 مترًا.
هذا بدوره يؤثر على الزلازل؛ وهنا تجدر الإشارة إلى ما يُسمى بـ"الحمل الهيدروستاتيكي" (Hydrostatic Load)، وهو مصطلح يُشير إلى الأحمال المفروضة على جسم ما، قد يكون سطح أو صخور أو جدار، بواسطة كتل مائية. ومع زيادة معدلات ذوبان الجليد، تزداد الكتل المائية الموجودة، ما يتسبب في الضغط على الصدوع التكتونية في باطن الأرض.
وهذا يؤثر في النهاية على دورات الزلازل في جميع أنحاء العالم التي تغطيها مياه البحر. وتتأثر المناطق الساحلية بصورة أكبر لآثار الزلازل، مقارنة بالمناطق الأخرى؛ خاصة وأنها تقع في مواجهة الأمواج، مثل أمواج التسونامي.
من جانب آخر، تؤثر التغيرات المناخية على كمية الأمطار، وقد تتسبب في جفاف بعض المناطق أو هطول الأمطار الغزيرة في مناطق أخرى، وهذا يرتبط بالنشاط الزلزالي أيضًا.
الزلازل محفز؟
وكما تؤثر المناخ على الزلازل؛ فقد تكون الزلازل بمثابة محفز أو مسبب للتغيرات المناخية أيضًا؛ فقد تتسبب حركة الصفائح التكتونية في أثناء الزلازل في إطلاق غاز الميثان المخزن في جيوب تحت مستوى سطح البحر؛ علمًا بأنّ غاز الميثان يُصنف على أنه أحد أخطر الغازات الدفيئة؛ وتعادل قوته الاحترارية ثاني أكسيد الكربون 80 مرة.
ولأنه من أهم الغازات التي يجب أخذها بعين الاعتبار في العمل المناخي؛ فهناك تعهد عالمي بشأنه، وهو "التعهد العالمي للميثان" (GMP)، وقد خرج لأول مرة في مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته السادسة والعشرين (COP26) في غلاسكو بالمملكة المتحدة. ويهدف ذلك التعهد إلى خفض انبعاثات غاز الميثان بحلول العام 2030 بنحو 30% أقل من مستويات قبل عام 2020. هذا من شأنه أن يساهم في خفض متوسط درجات الحرارة العالمية بنحو 0.2 درجة مئوية بحلول العام 2050.
من ذلك، يمكننا أن نخلص إلى أنّ غاز الميثان الذي قد تحفز الزلازل إطلاقه، من أخطر الغازات المتسببة في التغيرات المناخية، ما يعني أنّ الزلازل والمناخ يؤثر كل منهما على الآخر.