بالتزامن مع الاستعدادات النهائية لاستضافة دبي قمة المناخ الثامنة والعشرين، عقدت الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية مؤتمرها العلمي السنوي السابع عشر في الأسبوع الأول من الشهر الجاري بالمشاركة مع كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية.
وحضر المؤتمر لفيف من الاقتصاديين العرب، والخبراء، والمؤسسات المعنية بالتنمية العربية.
وبعد هذا المؤتمر بأيام، شهد مركز دبي المالي العالمي جمعاً من المتخصصين، وشركاء التنمية والتمويل والعمل المناخي، لاستعراض قائمة بالمشروعات المعدة للاستثمار في مجالات التخفيف والتكيف مع تغيرات المناخ.
ومما أثرى النقاش في الحدثين، اللذين شاركت فيهما مع رائدة المناخ الإماراتية رزان المبارك، تقريران: الأول أعده المعهد العربي للتخطيط وأوابك ومعهد التخطيط القومي والجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، تناول في فصوله الستة ما أبرزته عناوينها من حيث العلاقة بين تغيرات المناخ والتنمية المستدامة؛ ومرونة قطاعات الزراعة والري وقدرتهما على التكيف؛ والطاقة وسياسات التخفيف؛ والتحول الأخضر للاقتصادات العربية؛ وتمويل التحول الأخضر؛ واعتبارات الحوكمة وتنسيق السياسات العامة. وتناول التقرير الثاني الذي أعدته المبادرة المشتركة للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية التي دشنت في عام 2007 لتقييم آثار تغير المناخ على الموارد المائية والتقلبات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة العربية، المعروفة باسم "ريكار".
ومما جاء في التقرير الأول أن المنطقة العربية تجاوزت متوسطات درجة الحرارة السنوية فيها ضعف متوسط الزيادة العالمية في درجة الحرارة والبالغة 0.70، وبالتالي فإن المنطقة تجاوزت الحد الحرج العالمي الذي حدده العلماء بمقدار 1.5 درجة فوق متوسطات حرارة الأرض قبل الثورة الصناعية. كما أشار التقرير إلى أن نصيب المنطقة العربية لا يتجاوز 5% من إجمالي الانبعاثات العالمية ولكنها معرضة لمخاطر المناخ بما يتجاوز هذه النسبة ست مرات مقارنة بنصيبها من الانبعاثات. وهو أمر يتكرر ذكره في البلدان النامية؛ ففي قمة المناخ الأفريقية بكينيا التي انعقدت في شهر سبتمبر/أيلول تكرر ذكر مثل هذا بأن ضرر المجتمعات والاقتصادات من تغيرات المناخ لا يتناسب مع مسؤوليتها المحدودة عن الإضرار به.
وبين طيات هذا تبرز ثلاثة أمور 1) أن انخفاض الانبعاثات في ظل التكنولوجيا السائدة يظهر تراجع الاقتصادات العربية النامية إنتاجاً واستهلاكاً، فنصيب العالم العربي بسكانه المتجاوز عددهم 465 مليون نسمة يقل عن الولايات المتحدة بسكانها البالغ عددهم 332 مليون نسمة بحوالي 70%. 2) أن الجهد الأكبر المطلوب من البلدان العربية يجب أن يتركز في مجالات التكيف مع تغيرات المناخ الذي لا يحظى بتمويل متناسب أو كاف من المؤسسات المالية الدولية ولا يسهم في مجالاته القطاع الخاص بأكثر من 3% من إجمالي التمويل وأن تمويل التكيف يأتي من موازنات الدول بشكل مباشر أو من اقتراضها. 3) أن العمل المناخي وتمويله يتسمان بعدم التوازن وعدم الكفاية.
ويؤكد التقرير الثاني المشار إليه عاليه وهو أول تقييم على المستوى الإقليمي يوضح أثر تغير المناخ على المياه بمعاملة المنطقة العربية كوحدة جغرافية ومكانية واحدة باستخدام نماذج للتقدير حتى عام 2100. كما يعامل التقرير هذه التقييمات بدمجها وتحديد آثارها الاقتصادية والاجتماعية في مختلف التقسيمات الجغرافية التي يتضمنها العالم العربي.
وتأتي مؤشرات التقرير الثاني مدعمة ومكملة للتقرير الأول بتركيزه على أهم مجالات العمل المناخي المتمثل في إدارة المياه وحماية البلدان العربية من تزايد شح المياه وندرتها في بقاع منها ومن حالات الفيضانات المفاجئة وما يعتري مجاريها المائية من تقلبات.
وتوضح دراسات الحالة الواردة في التقرير والتي تحلل معدلات تكرار الفيضانات وحالات الجفاف وإنتاجية المحاصيل ومؤشرات الصحة العامة بأن تزايد درجات الحرارة وتغير المناخ ستؤثر سلباً على موارد المياه العذبة بتأثيرات كبيرة على تعرض البيئة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لصدمات وتقلبات متباينة. ويظهر التقرير فرصاً كبيرة لتأثير جهود التكيف في التعامل مع تغير المناخ وتأثيراته كما يحدد فرصاً للتعاون الإقليمي العربي في التعرف على التحديات المناخية ومشاركة المعلومات والمعرفة بشأنها والدفع بالعمل الجماعي للتصدي لهذه التحديات من خلال التعاون الفني وتعبئة الموارد.
ونظراً لارتباط فرص إدارة المياه من حيث المشروعات التنموية بالطاقة والزراعة وإنتاج الغذاء يستوجب الأمر تنسيقاً في إعداد المشروعات، على أن يبدأ هذا من مراحل إعداد الموازنة العامة مع أهمية تطوير آليات المشاركة بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي ومؤسسات العمل التطوعي والخيري للدفع بهذه المشروعات وتحسين فرص جدواها.
ويثير التقرير الأول عن تغير المناخ والتنمية المستدامة نقاطاً هامة جديرة بالنقاش والمساندة حتى التنفيذ، وإن احتاج في موضع التمويل أن يولي اهتماماً بتعبئة الموارد المالية المحلية ودور الموازنة العامة في تمويل الاستدامة، وتحديد دور مشروعات القطاع الخاص المحلي في التنمية والعمل المناخي، كما أن تعبئة الموارد المحلية ينبغي أن يشتمل على كفاءة استخدام الموارد الطبيعية مع الحفاظ على التنوع البيولوجي والطبيعة. كما أن اقتراح أسعار فائدة تفضيلية للتحول الأخضر تثير تساؤلات حول أثر ذلك على تشوه هيكل أسعار الفائدة ومصادر تمويل الفوائد التفضيلية. والأولى أن تتحمل الموازنة العامة تكاليف الدعم المباشر لمشروعات التحول الأخضر دون إضرار بآليات المنافسة بدلاً من أن يتحمل هذا العبء البنوك ومودعوها.
ويمنح التقريران إطاراً عاماً للعمل المناخي وارتباطه بأهداف التنمية المستدامة، بما يسهم في توجيه جهود الاستثمار وتمويل المشروعات حيثما يتزايد الأثر الإيجابي لها في تحسين أحوال المجتمع ونمو الاقتصاد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة