تبلغ مساحة الكرة الأرضية التي يعيش عليها اليوم ما يزيد على 8 مليارات نسمة، نحو 510 ملايين كيلومتر مربع، منها مساحة اليابسة التي تزيد على 148 مليون كيلومتر مربع، والباقي تشغله المحيطات والبحار.
وبداخل هذه المساحة الشاسعة للأرض، توجد قطعة منها شديدة الصغر لا تكاد تظهر على الخريطة، مساحتها الكلية نحو 27 ألف كيلومتر مربع فقط، يدور فيها منذ أكثر من مئة عام الصراع الذي تتجه أنظار كل العالم لآخر مظاهره، فيما يجري اليوم في قطاع غزة. هذه الأرض هي فلسطين التاريخية، التي بدأت قصتها الدامية بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي الأول بمدينة بازل السويسرية عام 1897، الذي قرر أن تكون فلسطين هي "الوطن القومي لليهود"، وهو ما تلاه بدء موجات الهجرة الكثيفة لليهود إليها وإقامة المستوطنات بها. واتخذ الصراع أبعاده الجديدة الأخطر بعد إعلان قيام "دولة إسرائيل" في 15 مايو/أيار 1948، بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 1947، بتقسيم فلسطين إلى دولتين: واحدة يهودية والثانية فلسطينية.
ومنذ هذا الوقت، لم يتوقف الصراع الدموي بين الدولة اليهودية التي باتت حقيقة قائمة، وبين الفلسطينيين الساعين لإنشاء دولتهم التي لم تقم قط حتى اليوم. وشهدت تلك البقعة الصغيرة التي لا تكاد ترى من الكرة الأرضية ومعها المنطقة كلها منذ إعلان الدولة اليهودية وحتى اليوم الحروب التالية:
حرب عام 1948، بين إسرائيل وكل من مصر والأردن والعراق وسوريا ولبنان والسعودية، التي نشبت بعد إعلان "دولة إسرائيل".
حرب عام 1956، أو العدوان الثلاثي على مصر من كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.
حرب 5 يونيو/حزيران 1967، التي هاجمت فيها إسرائيل كلاً من مصر وسوريا والأردن، واحتلت سيناء المصرية والجولان السورية، فضلاً عن الضفة الغربية وقطاع غزة الفلسطينيين.
حرب الاستنزاف، التي شنها لثلاث سنوات وحتى أغسطس/آب 1970، الجيش المصري على القوات الإسرائيلية المحتلة لسيناء عبر قناة السويس.
حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، التي شنتها كل من مصر وسوريا على إسرائيل مدعومتين مالياً وعسكرياً وبسلاح النفط من عديد من الدول العربية.
حرب 1982، حيث اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان واحتل بيروت مطارداً فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، التي أخرجت من لبنان بعدها واستقرت قيادتها في تونس.
الانتفاضة الفلسطينية الأولى أو انتفاضة الحجارة، التي اندلعت في كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة لثلاث سنوات، وقتل فيها نحو 1,300 فلسطيني على يد الجيش الإسرائيلي، فضلاً عن آلاف الجرحى، كما قتل 160 إسرائيلياً على يد الفلسطينيين.
الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو انتفاضة الأقصى، التي اندلعت في سبتمبر/أيلول 2000، واستمرت لنحو أربع سنوات، وراح ضحيتها نحو 4500 قتيل فلسطيني ونحو 50 ألفاً من الجرحى، بينما سقط من الجانب الإسرائيلي نحو 335 قتيلاً من الجيش و735 من المستوطنين ونحو 4500 جريح.
وبعد هذه الحروب المتواصلة، تحول اتجاه الحروب الإسرائيلية – الفلسطينية نحو غزة لتكون مسرحاً لـ6 حروب متتالية، آخرها الجارية حالياً:
حرب "الرصاص المصبوب" التي شنتها إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2008، فيما أطلقت عليها حركة حماس اسم "حرب الفرقان"، وأسفرت عن قتل 1400 فلسطيني وإصابة نحو 5500 بجروح، واستمرت 21 يوماً.
حرب "عمود السحاب" التي شنها الجيش الإسرائيلي في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وأطلقت عليها حماس اسم "حجارة السجيل"، وأسفرت عن قتل 177 فلسطينياً و1200 جريح، واستمرت 8 أيام.
حرب "الجرف الصامد"، كما سمّاها الجيش الإسرائيلي في يوليو/تموز 2014، وسمّتها حماس "العصف المأكول" وأسفرت عن قتل 2322 فلسطينياً و11 ألف جريح، واستمرت 51 يومًا.
وفي مايو/أيار 2021، شنت إسرائيل عملية "حارس الأسوار"، التي أطلقت عليها حماس اسم "سيف القدس"، وأسفرت عن قتل 240 فلسطينياً وجرح 5000، بينما قتل 12 إسرائيلياً وأصيب نحو 330 آخرين، واستمرت 11 يوماً.
عملية "الفجر الصادق" كما سمّاها الجيش الإسرائيلي، واستمرت ثلاثة أيام في أغسطس/آب 2022، وأسفرت عن قتل 49 فلسطينياً وجرح 49 آخرين.
يصبح أكيداً من كل ما سبق أن ما يجري في غزة اليوم ليس جديداً سوى في الحجم أو النوع، ولكنه في الجوهر لا يعدو أن يكون استمراراً لما شهده قرن كامل من صراع دموي حول هذه القطعة الصغيرة من الأرض التي تصعب رؤيتها على خريطة العالم، بينما تبدو اليوم كل دول هذا العالم واقفة على أصابعها تحسباً وتخوفاً لما يمكن أن تتدهور إليه هذه الحرب الجديدة الحالية، بما يهدد جدياً كل الأمن والسلم الدوليين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة