كيف أضر تغير المناخ بالثقافة والتراث؟.. مقتطفات من الخسائر والأضرار
من تآكل الشواطئ إلى غمر الأراضي الصحراوية والتهام الغابات، أصبح لتغير المناخ تأثيرا خطيرا على ثقافات الشعوب وتراث الأجداد.
هذه الآثار هي أحد جوانب "الخسائر والأضرار" التي أحدثها تغير المناخ بشكل متتابع وقاسٍ خلال السنوات الأخيرة، والمرشحة للزيادة الكبيرة مستقبلا.
و"الخسائر والأضرار" مصطلح يستخدم لوصف عواقب تغير المناخ وتوضيح كيف يتسبب بالفعل في إحداث آثار خطيرة حول العالم، مع الإشارة إلى أنه في كثير من الحالات لا رجعة فيها ولم يعد من الممكن تجنبها.
وهذه الخسائر والأضرار قد تحدث بسبب التأثيرات المناخية المباشرة، مثل الظواهر المناخية المتطرفة الأكثر شدة وتكرارًا، أو نتيجة التأثيرات المناخية التي تتفاقم تدريجياً بمرور الوقت، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة تآكل السواحل وانحسار الأنهار الجليدية.
هل يؤثر تغير المناخ على الموروث الثقافي والتراثي؟
بعد الاتفاقية التاريخية بشأن صندوق الخسائر والأضرار في قمة المناخ COP27 التي عقدت بمدينة شرم الشيخ المصرية نوفمبر/تشرين الثاني 2022، اجتمع باحثون لمناقشة إمكانية إدراج فقدان الثقافات والتراث في المناقشات المناخية المستقبلية.
ووفقًا لآخر تقييم لتأثيرات المناخ من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، تقسم الخسائر والأضرار بشكل عام إلى فئتين: الخسائر الاقتصادية التي تنطوي على الدخل والأصول المادية، والخسائر غير الاقتصادية التي تشمل على سبيل المثال خسائر الوفيات والحركة والصحة العقلية وضياع الثقافات والتراث.
وفي جامعة إيست أنجليا البريطانية، اجتمعت مجموعة من علماء الآثار والمناخ وخبراء السياسة لمناقشة كيفية اختفاء الثقافات والتراث الفريدين بسرعة بسبب تغير المناخ، وما الذي يمكن فعله لمعالجة ذلك بشكل صحيح.
ووفقا لموقع carbonbrief، شرح المجتمعون كيف يؤثر تغير المناخ بالفعل على الثقافة والتراث في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في غانا وموريتانيا وفيتنام وبنغلاديش والمملكة المتحدة.
وأوضحت البروفيسورة جوان كلارك، عالمة الآثار المتخصصة في تأثيرات تغير المناخ في جامعة إيست أنجليا، أن التراث هو كل الظروف والأشياء والأماكن والثقافة الموروثة والأنشطة المعاصرة والمعرفة والمعاني والسلوكيات المستمدة منها.
وأضافت: "التراث حرفيًا هو كل ما نحن عليه وكل ما نريد أن نصبح، لذلك فهي ضرورية للحفاظ على المجتمع والرفاهية الاجتماعية. ويُعتقد بشكل متزايد أنه يقدم اعترافًا بالسكان ناقصي التمثيل".
كيف يؤثر تغير المناخ على المواقع الثقافية؟
قال البروفيسور كواسي أبينينج آدو، مدير معهد دراسات البيئة والصرف الصحي (IESS) في جامعة غانا، إن تغير المناخ أثر بالفعل على المواقع ذات الأهمية الثقافية في ساحل غانا، بما في ذلك حصون العبيد التاريخية.
وشرح خلال المؤتمر: "تشكل التعرية وارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات تهديدًا كبيرًا لمواقع التراث، فضلا عن كونها تهديدًا كبيرًا للمجتمعات المعرضة للخطر داخل مناطقنا الساحلية".
لتوضيح حجم التآكل الساحلي في غانا بسبب تغير المناخ، عرض أبينينج صورًا لخط ساحلي في عامي 2008 و2021، وعلق: "في عام 2008 قدت سيارتي على هذا الطريق، وفي عام 2021 عدت وذهب الطريق".
بينما شرحت الدكتورة سلمى صبور، باحثة ما بعد الدكتوراه في فقدان التراث من تغير المناخ بجامعة ساوثهامبتون، جانبا من التأثيرات المناخية في حديقة بانك دارجوين الوطنية بدولة موريتانيا.
وقالت إنه بالإضافة إلى أن هذه الحديقة واحدة من أهم مشاتل الأسماك في غرب إفريقيا وموقع تكاثر هام في "مسار طيران شرق المحيط الأطلسي" للطيور المهاجرة، فإن الموقع الصحراوي الساحلي هو أيضًا موطن أجداد شعب إمراغوين Imraguen.
وأوضحت الباحثة، طبقا لما توصلت إليه في دراستها، أن مجتمع السكان الأصليين لشعب إمراغوين يتكيفون بشكل كبير مع الحياة في الصحراء الساحلية ويقوم بالعديد من ممارسات الصيد التقليدية، بما في ذلك النفخ على الأصداف البحرية لجذب الدلافين التي تجلب الأسماك معها.
ومع ذلك، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر يهدد بالفعل أسلوب حياة هذا الشعب الفريد، كونه يتسبب في غمر قراهم بمياه البحر لعدة أشهر في كل مرة، وفقا للباحثة التي استطردت: "تخيل رؤية قريتك تتحول إلى جزيرة لمدة ثلاثة إلى ستة أشهر في السنة".
أما الدكتورة صوفي داي ، باحثة أولى في مركز تيندال التابع لجامعة الدول العربية المنتدبة إلى مجلس مقاطعة نورفولك الشمالي، فتحدثت عن عملها في دراسة الخسارة الثقافية والتراثية بسبب تغير المناخ على طول ساحل نورفولك في المملكة المتحدة.
وقالت إن أحد الأماكن التي تأثرت بشكل خاص بالتآكل الساحلي في نورفولك هي قرية هيمسبي الساحلية، التي فقدت نحو 70 مترًا من الساحل في الخمسين عامًا الماضية، مع تزايد الأضرار الناجمة عن العواصف والمد والجزر بمرور الوقت.
وضربت مثالا بأنه في مارس/ آذار 2018 تعرضت القرية لعاصفة قوية أطلق عليها اسم "وحش الشرق"، تسببت في سقوط سبعة منازل في البحر.
وأبلغت داي المؤتمر أنها طلبت من سكان القرى الساحلية التي تشهد تآكلًا سريعًا في نورفولك شرح ما يعنيه فقدان التراث من تغير المناخ بالنسبة لهم.
ورداً على ذلك، أثار السكان مخاوف بشأن فقدان الإحساس بالمكان، خاصة مواقع الترفيه والمواقع الأثرية والكنائس والمقابر والموائل الطبيعية وغيرها.
تأثير التغير المناخي على المواقع التراثية
البروفيسورة جوان كلارك، عالمة الآثار المتخصصة في تأثيرات تغير المناخ في جامعة إيست أنجليا، تحدثت عن دراسة شاركت فيها اختصت بإجراء تقييم شامل لكيفية تهديد ارتفاع مستوى سطح البحر مواقع التراث العالمي المنتشرة عبر الساحل الأفريقي.
ووفقا لموقع resilience، كشف البحث أن عدد مواقع التراث العالمي المعرضة لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر في أفريقيا يمكن أن يتضاعف 3 مرات بحلول عام 2050 مقارنة باليوم.
وتشمل المواقع المعرضة للخطر الشلالات المقدسة ومراكز التجارة في القرن الثاني والنقاط الساخنة للتنوع البيولوجي.
وحدد البحث السابق الذي أجرته مجموعة مماثلة من العلماء أيضًا المخاطر التي تواجه مواقع التراث العالمي في البحر الأبيض المتوسط، بدءًا من المدن القديمة الشهيرة في البندقية ونابولي إلى الكهوف التي تحتوي على أعمال فنية نيثراندال في جبل طارق.
بينما تساءلت نصرت ناوشن، منسق برنامج الخسائر والأضرار في المركز الدولي لتغير المناخ والتنمية في بنغلاديش، عما إذا كان يمكن توسيع مثل هذا النهج ليشمل مواقع ذات أهمية ثقافية غير مصنفة كمواقع تراث عالمي.
على سبيل المثال، تحدثت المنسقة عن شجرة في بنغلاديش تعتبر مقدسة لمن يتبعون الديانة الهندوسية، وقالت إنها جرفت في فيضان مفاجئ دون أن تُحاسب أي سلطة أو ممثل عن هذه الخسارة الثقافية.