اكتشاف صادم عن آثار تغير المناخ.. ما هو؟
مفاجأة جديدة بطلها تغير المناخ.. يبدو أنه لا يؤثر فقط على سطح الأرض، ولكن قد تؤدي تأثيراته لتفاقم الأخطار تحت السطح.
على مدار عقود طويلة، استقر العلماء على اعتبار الظواهر الطبيعة من البراكين والزلازل أمراً خاصاً بحدوث تغيرات داخل القشرة الأرضية فقط.
المثير الآن أن هناك فرضيات تؤكد وجود علاقة ما تربط بين زيادة نسبة حدوث الزلازل والبراكين مؤخراً، وبين ارتفاع درجة حرارة الأرض.
أحدث هذه الفرضيات، ما طرحه الباحث ماثيو بلاكيت، محاضر في الجغرافيا والأخطار الطبيعية بجامعة كوفنتري البريطانية، وذلك في مقال أكاديمي نشر في منصة The Conversation.
يربط بلاكيت التغيرات في معدلات هطول الأمطار، الناجمة عن تغير المناخ، بتفاقم الأخطار تحت سطح الأرض، ما قد ينتج عنه من نشاط زلزالي وبركاني.
هطول الأمطار وذوبان الجليد
يتغير مناخ الأرض بسرعة، وتختلف أثاره من منطقة لأخرى، ففي بعض المناطق، يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة تواتر واحتمالية اندلاع حرائق الغابات والجفاف.
في مناطق أخرى، يؤدي الاحترار العالمي إلى زيادة حدة الأمطار الغزيرة والعواصف أو تسريع وتيرة ذوبان الأنهار الجليدية.
على سبيل المثال، تتعرض أجزاء من أوروبا وكندا هذا الصيف للدمار بسبب حرائق الغابات، بينما سجلت بكين أشد هطول للأمطار منذ 140 عامًا على الأقل.
على جانب آخر، فقدت الأنهار الجليدية في العالم، بين عامي 2000 و2019، حوالي 267 غيغاطن من الجليد سنويًا.
يساهم ذوبان الأنهار الجليدية في ارتفاع مستويات سطح البحر بنحو 3.3 ملم سنويًا، ما يتسبب في المزيد من المخاطر الساحلية مثل الفيضانات والتعرية.
تشير الورقة إلى أن تغير المناخ وأثاره، مثل ارتفاع معدلات هطول الأمطار وذوبان الجليد، تؤدي إلى تفاقم الأخطار تحت سطح الأرض، مثل الزلازل والانفجارات البركانية.
كشف تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 2021 أن متوسط هطول الأمطار قد زاد بالفعل في العديد من مناطق العالم منذ عام 1950.
يمكن أن يحتفظ الغلاف الجوي الأكثر دفئًا بمزيد من بخار الماء، مما يؤدي لاحقًا إلى ارتفاع مستويات هطول الأمطار.
جبال الهيمالايا نموذجًا
تشرح الورقة ما حدث في جبال الهيمالايا كمثال على العلاقة بين زيادة معدلات هطول الأمطار والنشاط الزلزالي، حيث يتأثر تواتر الزلازل في هذه المنطقة بدورة هطول الأمطار السنوية لموسم الرياح الموسمية الصيفية.
تكشف الأبحاث أن 48٪ من الزلازل في جبال الهيمالايا تحدث خلال أشهر الجفاف التي تسبق الرياح الموسمية في مارس/آذار وأبريل/نيسان ومايو/أيار، بينما تحدث 16٪ فقط في موسم الرياح الموسمية.
خلال موسم الرياح الموسمية الصيفية، يضغط وزن يصل إلى 4 أمتار من الأمطار على القشرة رأسياً وأفقياً، مما يؤدي إلى استقرارها.
عندما تختفي هذه المياه في الشتاء، فإن "الارتداد" الفعال يزعزع استقرار المنطقة ويزيد من عدد الزلازل التي تحدث.
وفق الورقة، يمكن لتغير المناخ أن يضاعف هذه الظاهرة، حيث تشير النماذج المناخية إلى أن شدة هطول الأمطار الموسمية في جنوب آسيا ستزداد في المستقبل نتيجة لتغير المناخ. ما يمكن أن يعزز يسبب المزيد من الأحداث الزلزالية.
يتجاوز تأثير وزن الماء على القشرة الأرضية مجرد هطول الأمطار؛ بل يمتد أيضًا إلى الغطاء الجليدي.
مع انتهاء العصر الجليدي الأخير منذ ما يقرب من 10000 عام، تسبب ذوبان كتل الجليد الثقيلة في ارتداد أجزاء من قشرة الأرض لأعلى.
تتجلى هذه العملية، التي تسمى الارتداد المتساوي الساكن، من الشواطئ المرتفعة في اسكتلندا، والتي يصل ارتفاع بعضها إلى 45 مترًا فوق مستوى سطح البحر الحالي.
تشير الأدلة من الدول الاسكندنافية إلى أن هذا الارتفاع، إلى جانب زعزعة استقرار الصفائح التكتونية في المنطقة، تسبب في حدوث العديد من الزلازل منذ ما بين 11000 و7000 عام.
بل إن بعض هذه الزلازل تجاوزت قوتها 8.0 درجات مما يشير إلى دمار شديد وخسائر في الأرواح.
ما يزيد القلق هو أن الذوبان المستمر للغطاء الجليدي اليوم يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات مماثلة في أماكن أخرى.
النشاط البركاني أيضًا
وجدت الأبحاث أيضًا ارتباطًا بين تغيرات الحمل الجليدي على قشرة الأرض وحدوث النشاط البركاني.
منذ ما يقرب من 5500-4500 عام، برد مناخ الأرض لفترة وجيزة وبدأت الأنهار الجليدية في التوسع في أيسلندا.
يشير تحليل رواسب الرماد البركاني المنتشرة في جميع أنحاء أوروبا إلى أن النشاط البركاني في أيسلندا انخفض بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة.
كانت هناك زيادة لاحقة في النشاط البركاني بعد نهاية هذه الفترة الباردة، وإن كان ذلك مع تأخير لعدة مئات من السنين.
يمكن تفسير هذه الظاهرة بأن الأنهار الجليدية بوزنها الثقيل، تضغط على كل من قشرة الأرض والغطاء الأساسي (الجزء الأكبر من الجزء الصلب من باطن الأرض).
أدى هذا إلى إبقاء المادة التي يتكون منها الوشاح تحت ضغط أعلى، مما منعها من الذوبان وتشكيل الصهارة اللازمة للانفجارات البركانية.
مع ذلك، فإن الانحلال وما يرتبط به من فقدان الوزن على سطح الأرض سمح بحدوث عملية تسمى إزالة الانصهار، حيث يسهل الضغط المنخفض من الذوبان في الوشاح.
أدى هذا الانصهار إلى تكوين الصهارة السائلة التي غذت النشاط البركاني اللاحق في أيسلندا، وتعد هذه العملية مسؤولة حتى اليوم عن دفع بعض النشاط البركاني في أيسلندا.
لذا من الممكن أن يؤدي التراجع الجليدي المستمر بسبب الاحترار العالمي إلى زيادة النشاط البركاني في المستقبل. ومع ذلك، تقول الورقة إن الفاصل الزمني بين التغيرات الجليدية والاستجابة البركانية مطمئن في الوقت الحالي.
يختتم الباحث مقاله، مؤكدًا أنه على الرغم من أن تأثيرات تغير المناخ مؤخرًا أصبحت أكثر وضوحًا، وباتت أحداث الطقس المتطرف غير العادية هي القاعدة وليس الاستثناء، إلا أن الآثار غير المباشرة لتغير المناخ تحت سطح الأرض لا تزال غير معروفة أو تخضع للبحث والنقاش على نطاق واسع.
aXA6IDE4LjIyNC41OS4xMDcg جزيرة ام اند امز