"الفناء" ثمن مواجهة تغير المناخ.. الانقراض السادس على الأبواب
بينما حذرت منظمات دولية من أن الأرض دخلت موجة سادسة من الانقراض الجماعي، أظهرت دراسة حديثة أن التنوع البيولوجي يشهد تغيرات جذرية.
في إطار الاستعدادات لمنتدى قادة الاتحاد الدولي لصون الطبيعة لهذا العام، كشفت جامعة كوبنهاغن، في الدنمارك، عن نتائج دراسة حول مستقبل التنوع البيولوجي في ظل التغيرات المناخية، والخيارات المتاحة أمام الكائنات الحية، والتي تنحصر في خيارين رئيسيين، إما التكيف مع تلك التغيرات، أو الهجرة إلى مناطق ملاءمة أكثر، وإلا تواجه خطر الفناء.
وتنعقد النسخة الثانية لمنتدى (IUCN Leaders Forum) في الفترة بين 11 و13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في جنيف بسويسرا، تحت عنوان "الأهداف العالمية للطبيعة: تتبع التقدم وتمويل النجاح"، ويجمع القادة وصناع التغيير من أنحاء العالم، لمناقشة الحلول المبتكرة للتحديات العالمية الحرجة، والتعهد بالتزامات أكثر طموحاً لتحفيز العمل على حماية الطبيعة.
في أواخر العام الماضي، أظهر التقييم الذي يصدره الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) كل عامين، بعنوان "الكوكب الحي"، أن التدهور في التنوع البيولوجي لكوكب الأرض، على مدار ما يقرب من 50 عاماً، بلغت نسبته نحو 70%، مما يؤكد الارتباط المتزايد بين فقدان التنوع البيولوجي وارتفاع مستويات الاحترار العالمي، التي بلغت معدلات غير مسبوقة.
واعتبر التقرير أن هناك أدلة متزايدة على أن الأرض دخلت بالفعل مرحلة الانقراض الجماعي السادس، حيث سجلت الفترة بين عامي 1970 حتى 2022، اختفاء العديد من أنواع الحيوانات البرية والأسماك والطيور والثدييات والبرمائيات والزواحف، كما يواجه أكثر من مليون نوع خطر الاندثار، نتيجة مجموعة من العوامل ترتبط أساساً بممارسات البشر، منها تدمير الموائل الطبيعية، والاستغلال المفرط للأراضي والصيد الجائر، وتغير المناخ، الذي يتزايد دوره بوتيرة متسارعة.
وسعى فريق من الباحثين في كلية العلوم بجامعة كوبنهاغن إلى تقييم التهديدات المحتملة على التنوع البيولوجي نتيجة التغيرات المناخية، والخيارات المتاحة للكائنات المختلفة في مواجهة تلك التهديدات، وما إذا كانت الأنواع النباتية والحيوانية لديها القدرة على التكيف بالسرعة الكافية مع التقلبات الجوية المفاجئة، وفي ظل عدم استقرار مواسم الأمطار، وتزايد موجات الجفاف.
وبحسب بيان صحفي لمركز "البيئة والتطور والمناخ" في العاصمة الدنماركية، فقد عمل فريق الدراسة على تطوير نماذج للتنبؤ بشكل وحجم التهديدات الناجمة عن تغير المناخ في المستقبل، بالإضافة إلى اقتراح سيناريوهات محتملة لسلوك الأنواع النباتية والحيوانية المختلفة، حيال تلك التهديدات.
وقال الدكتور ديفيد نوغيس برافو، المؤلف الرئيسي للدراسة: "رصد الفريق حدوث تغييرات في شكل جسم وسلوك بعض الأنواع، بسبب تغير المناخ"، وضرب أمثلة على ذلك بأن أنواعا من الزهور لجأت إلى تغيير فترة إزهارها، كما أن أنواعا من طيور البوم أصبح لونها قاتماً، بسبب فصول الشتاء الأكثر دفئاً، إلا أنه حذر من أن التغيرات المتسارعة ربما تتجاوز قدرة كثير من الأنواع على التكيف معها.
وعلى عكس الاعتقاد الذي ساد طويلاً بين غالبية خبراء التنوع البيولوجي بأن الخيار الأول أمام الكثير من الأنواع الحيوانية يتمثل في الهجرة إلى مناطق ملاءمة أكثر، سواء من حيث درجة الحرارة أو الظروف المناخية الأخرى، أظهرت الدراسة أن التكيف في البيئة المحلية كان هو الخيار الأكثر تكراراً، إلا أنه لم يكن ملحوظاً نظراً لأنه عادةً ما يحدث ببطء وعلى فترات زمنية بعيدة.
وفي إطار تعليقه على نتائج الدراسة، أكد الدكتور مصطفى فودة، خبير التنوع البيولوجي بالأمم المتحدة، أن التغيرات المناخية تسببت بالفعل في حدوث تغيرات كبيرة وملحوظة في شكل ونوعية الحياة على كوكب الأرض، وأوضح أن كثيراً من الأنواع، التي لم يمكنها التكيف مع التغيرات المناخية في بيئتها الطبيعية، أو لم يكن بإمكانها التصرف والهجرة سريعاً إلى مناطق آمنة، تعرضت بالفعل لخطر الانقراض.
وقال خبير الحياة البرية المصري، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن العديد من الدراسات الجيولوجية أثبتت أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت تشكل الملاذ الرئيسي للعديد من الأنواع الحيوانية أثناء أحداث التغيرات المناخية، على مدار ما يقرب من 2 مليون سنة، خاصةً خلال العصور الجليدية، حيث وفرت الأجواء الدافئة البيئة الملاءمة التي ساعدت كثيراً من الأنواع على البقاء.
إلا أن التغيرات المناخية التي يشهدها كوكب الأرض حالياً تختلف عما كانت عليه في السابق، حيث أصبح المناخ أكثر دفئاً بمعدلات غير مسبوقة، وبوتيرة متسارعة، ويرافق ذلك انخفاضا حادا في معدلات هطول الأمطار بمنطقة الشرق الأوسط، مما يفاقم من حدة موجات الجفاف، الأمر الذي يجعل المنطقة من أكثر المناطق ذات الحساسية الشديدة للتغيرات المناخية.