كيف يتسبب التغير المناخي في انقراض الأنواع؟.. الإجابة صادمة
تتعرض الأنواع البيولوجية؛ للتغيرات المناخية على مر العصور، وقد تكون النتيجة هي الانقراض، كما حصل في السابق.
في نهاية العصر البرمي، قبل 252 مليون سنة، شهدت الأرض أكبر حدث انقراض في التاريخ؛ إذ فقدت ما يزيد عن 70% من الأنواع البرية، يُذكر أنّ الحياة البحرية فقدت 96% من الأنواع التي عاشت فيها، وحصل ذلك نتيجة سلسلة من انفجارات البراكين في سيبيريا. وأُطلق على هذا الانقراض اسم «الموت العظيم». وانتهى العصر البرمي.
لكن فضول الإنسان تجاه الماضي لم ينته، ما دفع الدكتور «جاستن بن»، باحث ألماني في مرحلة ما بعد الدكتوراه، وزملائه من جامعتي واشنطن وستانفورد، الذين راحوا يفتشون في الماضي، لإجراء دراسة؛ للبحث في علاقة ارتفاع درجات الحرارة وانقراض الأنواع البحرية، ووجدوا أنّ كمية الأكسجين المتوفرة وقتها لم تكن كافية لتنفس الأنواع، ما أثر على فسيولوجيا أجسامهم التي لم تستطع التكيف مع نقصان الأكسجين وزيادة الغازات الدفيئة؛ فانقرضوا، وشدد مؤلفو الدراسة على ضرورة أخذ الحكمة من الماضي، والاهتمام بحالة التغير المناخي التي تهدد الأرض اليوم، ونُشرت الدراسة في دورية «ساينس» (Science) في ديسمبر / كانون الأول 2018.
بعد الموت العظيم
بحسب «متحف التاريخ الطبيعي» جاءت الديناصورات إلى الأرض بعد الموت العظيم بنحو 6 إلى 7 ملايين سنة تقريبًا، وعاشت بين 245 إلى 66 مليون سنة مضت، ومن ضمن الافتراضات الشائعة أنّ هناك نيزكا اصطدم بالأرض، ما أدى إلى إطلاق كميات كبيرة من الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ما جعل الأرض غير صالحة للعيش فيها، ولقت عمالقة الأرض مصرعها، ونامت بسلام إلى الأبد، باستثناء بعض الأنواع منها التي هربت، وتكيفت مع الوضع الجديد. وعُرف هذا الانقراض باسم «الانقراض الجماعي الخامس».
المفاجأة أنّ بعض العلماء يُطلقون على عصرنا الحالي «عصر الانقراض الجماعي السادس»، إذ انقرضت أنواع كثيرة جدًا من الكائنات الحية، بفعل الأنشطة البشرية التي حفزت ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وتبع هذا الحدث خسائر فادحة في الأنواع النباتية والحيوانية. ووفقًا لـ«الصندوق العالمي للطبيعة» (WWF)؛ إذا كان عدد الأنواع الموجودة على سطح الأرض 2 مليون نوع؛ فمن المتوقع أن نفقد ما بين 200 إلى 2000 نوع كل عام، لكن إذا كان العدد أكبر، ويصل إلى 100 مليون نوع، مع الأخذ في الاعتبار الأنواع التي لم يكتشفها الإنسان بعد؛ ففي هذه الحالة، يُقدر الخبراء أننا سنفقد ما بين 10 إلى 100 ألف نوع كل عام.
كيف يتسبب التغير المناخي في انقراض الأنواع؟
يؤثر التغير المناخي على الأنواع بصور مختلفة من ضمنها:
الكوارث الطبيعية
عند العودة إلى حرائق غابات أستراليا في عام 2020، نجد أنّ السبب ورائها كان الجفاف الذي حل هناك خاصة في عام 2019؛ نتيجة الارتفاعات الشديدة في درجات الحرارة، ما أدى إلى رفع درجات الحرارة في طبقة الستراتوسفير بمقدار 3 درجات مئوية في بعض المواقع، بحسب دراسة منشورة في دورية «نيتشر» (Nature)، في سبتمبر / أيلول من العام 2022. حرائق غابات أستراليا مثال حي على كارثة طبيعية، ترتبط بشكل ما بالتغير المناخي، وتسببت في فقدان 186 ألف كيلومتر من مساحة الغابات، والأهم أنها شردت وقتلت مليارات الأنواع النباتية والحيوانية التي تتميز بها أستراليا عن بقية المواطن، خاصة حيوانات: الكنغر والكوالا. وبتكرار حدوث حوادث كهذه، يزداد خطر تعرض الأنواع للانقراض.
فقدان الموائل
يُقال إنّ «الماء سر الحياة»، ومع ارتفاع درجات الحرارة نتيجة التغير المناخي، يصعب وصول المياه إلى الموائل، ما يؤثر بالسلب على الغطاء النباتي ومصادر الغذاء في تلك المناطق، وقد يتطور الوضع، وتُصبح هذه الموائل غير صالحة للعيش فيها بالنسبة لأنواع محددة من الحيوانات، ما يدفعها للهجرة بعيدًا عن وطنها، منها ما يستطيع التكيف مع الأوطان الأخرى، وهناك أنواع لا تستجيب للتكيف، وتفقد حياتها، وتقل أعدادها إلى أن تنقرض. أبرز الأمثلة على ذلك أفيال أفريقيا، والتي من المتوقع أن نفقدها خلال الأربعين عامًا القادمة؛ نتيجة الاحترار العالمي والصيد الجائر؛ فهذه الحيوانات معرضة لفقدان موائلها.
تنافس الإنسان والحيوان
تضطر الظروف المناخية الحيوان والإنسان إلى الحركة من أماكنهم، والذهاب للبحث عن الأماكن الغنية بالموارد، ما يؤدي إلى تنافسهما على الموارد؛ فنجد الأنواع المفترسة من الحيوانات، صارت تتغذى على حيوانات أخرى أليفة يتناولها الإنسان، ما يضطر الإنسان لمطاردة الحيوانات المفترسة وقتلها من أجل حماية موارده الغذائية.
هذه التحديات، تجعل الأنواع النباتية والحيوانية على حافة الانقراض، ويزداد الخطر على تلك الأنواع المدرجة فعليًا في قوائم الأنواع المهددة بالانقراض.
كيف يمكننا الحفاظ على الأنواع من الانقراض؟
يطرح «الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة» (IUCN)، بعض الحلول لتخفيف آثار التغير المناخي، والحفاظ على الأنواع، من ضمن هذه الحلول:
خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون
خفض انبعاثات الغازات الدفيئة عمومًا، هو نهج اتبعه العديد من الدول بعد اتفاقية باريس، في محاولة لمنع متوسط درجة حرارة الكوكب عن 1.5 درجة مئوية زيادة عن مستوى ما قبل الصناعة، حتى الوصول إلى صافي الكربون بحلول 2050، إذا حصل واستطاع البشر تحقيق هذا الهدف؛ ففي هذه الحالة، يمكننا حفظ الأنواع من الانقراض إثر التغير المناخي.
استعادة النظام البيئي
تلعب التربة والغابات والأراضي الرطبة والتندرا دورًا مهمًا في حفظ المناخ؛ إذ تعمل كبالوعات كربونية، يمكنها امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، ما يجعل استعادتها والحفاظ عليها فرصة رائعة للحد من آثار التغير المناخي على الأنواع.
تعزيز قدرة الأنواع على التكيف
تستطيع بعض الأنواع التكيف مع الظروف المناخية المتغيرة، لكن هناك أنواع كثيرة لا تتحمل تلك التغيرات، فتُقاوم لبعض الوقت، ثم تموت، وتنخفض أعدادها حتى تختفي من الأرض؛ أي تنقرض. لكن يمكن إعداد استراتيجيات فعّالة يمكننا من خلالها مساعدة الحيوانات على التكيف مع الظروف المناخية الطارئة، مثل: موجات الحر والجفاف والفيضانات.
يُحذر تاريخ الأرض ما قد يحصل في المستقبل نتيجة التغير المناخي، وهذه المرة لن يطول الأمر الحيوانات أو النباتات أو الكائنات البحرية فقط، بل قد يمتد التأثير إلى الإنسان نفسه الذي حسب نفسه يومًا سيد الأرض.