بالوعة كربونية وغازات دفيئة.. كيف يؤثر التغير المناخي على جودة التربة؟
تبدأ الحياة من التربة؛ فمنها يخرج الزرع، ويأكل الإنسان والحيوان، وفيها تعيش مجتمعات ضخمة من الكائنات الدقيقة والحشرات والحيوانات.
هذا يعني ضرورة الإبقاء عليها وحمايتها، لكن في ظل التغير المناخي الذي يهدد الكوكب في هذه الآونة، تتعرض التربة للعديد من المخاطر، ما يهدد خصوبتها، وبالتالي يتأثر إنتاجها، وكذلك الكائنات الحية التي تتغذى منها.
ما علاقة التربة بالتغير المناخي؟
تتصل التربة بالغلاف الجوي مباشرة، ما يجعلها متأثرة بشكل ما بالتغيرات الطارئة على نسب الغازات وكمية الحرارة في الغلاف الجوي. وعلى الرغم من أنّ التغيرات الحاصلة في التربة بفعل التغير المناخي تحدث على مدار سنوات، إلا أنها تؤثر بشدة على جودة التربة والمحاصيل الزراعية. لكن، في نفس الوقت، قد يتأثر الغطاء النباتي بسرعة أكبر عن التربة. لكن التأثيرات بعيدة المدى، تتسبب في العديد من الخسائر، من ضمنها:
تنفس الكائنات الدقيقة
في الظروف الطبيعية، مع ارتفاع درجات الحرارة، يزداد نشاط الكائنات الدقيقة ونموها، ويقل نشاطها عندما تنخفض درجات الحرارة. لكن في ظل التغيرات المناخية التي يمر بها كوكبنا، يؤثر ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي -على المدى البعيد- على نشاط الكائنات الحية الدقيقة، ما يؤثر بدوره على عمليات التنفس لتلك الكائنات الدقيقة، وهي عمليات مهمة جدًا لتهوية التربة وتحلل المادة العضوية؛ فكلما كانت عملية التهوية أفضل، زادت كفاءة عملية تحلل المادة العضوية، مع إطلاق ثاني أكسيد الكربون بالتوازي. علمًا بأنّ درجة تهوية التربة، تعكس جودة عملية نمو النباتات والتربة عمومًا.
زيادة رطوبة التربة
اتضح أنه مع ارتفاع درجات الحرارة، يحتفظ الغلاف الجوي برطوبة، بسبب قدرة الهواء على الاحتفاظ بالرطوبة بمعدل 7% لكل 1 درجة مئوية. بالإضافة إلى العواصف المصاحبة لزيادة الرطوبة والتي تؤدي إلى غزارة هطول الأمطار. وتؤدي هذه الرطوبة الزائدة إلى ضعف جودة المحاصيل تعرية التربة. وتتأثر التربة حول العالم بسبب رطوبة التربة؛ فوفقًا لتقارير صادر عن «الوكالة الأوروبية للبيئة» (EEA) في عام 2016؛ فقد تأثرت تربة القارة الأوروبية بفعل التغير المناخي، إذ انخفضت درجة الرطوبة في بعض مناطقها.
الجفاف من جبهة أخرى
مع ارتفاع درجات الحرارة، يزداد معدل البخر، خاصة فوق البحار والمحيطات؛ فتتأثر دورة المياه، وهذا ما أكدته دراسة منشورة في دورية «نيتشر» (Nature) في فبراير /شباط 2022، وخلصت الدراسة إلى أنّ الغازات الدفيئة تسببت في رفع درجة حرارة الأرض، وأثرت على دورة المياه؛ فصارت المناطق الجافة أكثر جفافًا والمناطق الرطبة أكثر رطوبة؛ إذ ازادت كمية الأمطار بنسبة 7% في المناطق الجافة وقلت بنفس النسبة في المناطق الجافة. ما أثر على جودة التربة في المناطق الجافة. هذا ما أكده الدكتور «ياسين السوداني»، أستاذ البيئة النباتية في كلية العلوم، جامعة كفر الشيخ، وقال في حديث له مع "العين الإخبارية" عبر "واتس آب": "من آثار التغير المناخي أنّ هطول الأمطار سيزداد في المناطق التي يكثر فيها المطر بصورة طبيعية، مثل المناطق الاستوائية، في نفس الوقت، سيزداد الجفاف في المناطق الصحراوية"، وأوضح السوداني أنّ كل هذا سيُؤثر بشكل ما على الكائنات الحية الأخرى.
من بالوعة كربونية إلى مصدر للغازات الدفيئة
في يوم 5 ديسمبر / كانون الأول من العام 2017، الموافق اليوم العالمي للتربة، أصدرت «منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة» (FAO)، خريطة عالمية تُوضح أنّ الطبقة السطحية للتربة التي تمتد لعمق 30 سم، تحتوي على كمية من الكربون أكبر من الموجودة في الغلاف الجوي للأرض، ما يجعل التربة بمثابة بالوعة للكربون. وهذا أمر جيد.
لكن، في يناير / كانون الثاني من العام 2019، نُشرت دراسة في دورية «نيتشر» (Nature)، تُؤكد على أنه مع ارتفاع نسبة رطوبة التربة، بفعل التغير المناخي، تتراجع قدرتها على تخزين الكربون، ورجحت أنّ معدل امتصاص الأرض للكربون، سيزداد إلى أن تصل لنقطة الذروة، وهي النقطة التي تتشبع فيها التربة من الكربون، حتى منتصف القرن الحالي، ومن بعدها تتحول التربة من بالوعة كربونية إلى مصدر لثاني أكسيد الكربون، وهذا بدوره سيزيد في كمية غازات الاحتباس الحراري، ما يساهم في رفع درجة حرارة كوكب الأرض.
ملوحة التربة
تُشير دراسة منشورة في «إنترناشونال جورنال أوف إنفيرونمنت ريسرش أند بابليك هيلث» (International Journal of Environmental Research and Public Health)، في يوليو / تموز من العام 2022 إلى أنه مع ارتفاع درجة الحرارة، يزداد معدل البخر؛ فتتبخر المياه، تاركة ورائها الأملاح. من جانبه، يؤكد السوداني على هذه العملية، ويُضيف "تحتاج التربة إلى درجة معينة من الملوحة، وعندما تزداد هذه الملوحة، تتأثر التربة بما فيها من كائنات حية".
وحمضية التربة
تحتفظ التربة بدرجة حموضة معينة، ويُرمز لدرجة الحموضة بـ(pH)، ومع ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، تزداد معها درجة الحموضة، ما يؤثر بالسلب على الكثير من العناصر المهمة مثل: الفوسفات والكربون والنيتروجين، كما تشرح دراسة منشورة في دورية «ساينتفيك ريبورتس» (Scientific Reports)، في يناير / كانون الثاني للعام 2016.
كل هذه التأثيرات الناتجة عن التغير المناخي، تؤثر على درجة خصوبة التربة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة؛ فتأتي النتيجة بالسلب على كل الكائنات الحية التي تعتمد على التربة كمصدر للغذاء أو الحياة بمرور الوقت.
aXA6IDMuMTMzLjEzNy4xMCA= جزيرة ام اند امز