الصناديق الخضراء الأمل الوحيد المتبقي لتنفيذ اتفاق باريس
تعبئة 6 تريليونات دولار لخفض 45% من الانبعاثات الحرارية
رغم أن اتفاق باريس للحد من الاحترار العالمي دون 1.5 درجة، يبدو بعيد المنال، يمكن للصناديق الخضراء أن تبقي باب الأمل مفتوحاً.
تشير تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، إلى أن تحقيق هدف اتفاق باريس يتطلب خفض انبعاثات الاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى 45% عن مستويات ما قبل عام 2010، وذلك قبل حلول عام 2030، وصولاً إلى مستوى "صافي صفر" بحلول عام 2050.
وللوصول إلى هذه المستويات الطموحة لخفض الانبعاثات الحرارية، خلال فترة تقارب 6 سنوات فقط، ترى الهيئة الحكومية، التابعة للأمم المتحدة، أنه لا مفر من إحداث تحولات سريعة وبعيدة المدى في الأرض والطاقة والصناعة والنقل والمدن، مما يتطلب تعبئة استثمارات هائلة، تصل إلى 6 تريليونات دولار.
ووسط مخاوف متزايدة، عبر عنها خبراء ومسؤولون حكوميون في عدد من الدول النامية المهددة بتداعيات تغير المناخ، أو التي تضررت بالفعل نتيجة موجات التطرف المناخي، بسبب عدم وجود آليات فعالة لحشد التمويل اللازم لمشروعات التخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية، ظهرت مجموعة آليات تمويلية جديدة، تُعرف باسم "الصناديق الخضراء".
العالم يسير بعيداً عن هدف اتفاق باريس
أحد أبرز هذه المخاوف يتمثل في أن التعهدات التي تم الإعلان عنها خلال المؤتمرات المتلاحقة لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP)، في حالة إذا ما تم الالتزام بها، بما في ذلك الأهداف الخاصة بتوفير التمويل الدولي، فإن ذلك سوف يساعد فقط في خفض الانبعاثات بنسبة لا تتجاوز 10% بحلول عام 2030، وهذا ما يشير إلى أن العالم يسير بعيداً عن هدف اتفاق باريس.
توضح الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس في مصر، أن الصناديق الخضراء (Green Funds) عبارة عن آليات استثمار مشتركة، توفر فرصاً تمويلية لشركات القطاعين الحكومي أو الخاص، لتنفيذ مشروعات تساعد في تحقيق الالتزام بالمعايير البيئية والمجتمعية، وذلك ضمن "أجندة 2030" العالمية للتنمية المستدامة.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، يجب حشد حزم تمويلية لبرامج وسياسات التكيف مع التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية، على المستوى العالمي، بما يتراوح بين 160 و340 مليار دولار سنوياً، حتى عام 2030، على أن يرتفع التمويل المطلوب إلى 565 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2050.
وتشير الدكتورة يمن الحماقي، في حديثها لـ"العين الإخبارية"، إلى أن إجمالي الاستثمارات التي أمكن تخصيصها لتمويل تدابير التكيف مع تأثيرات تغير المناخ في الدول النامية، خلال عام 2021/ 2022، بلغ حوالي 29 مليار دولار، بزيادة حوالي 4% فقط عن استثمارات التكيف في العام السابق.
وترى الخبيرة في الاقتصاد البيئي أن الصناديق الخضراء، التي تقوم على أساس عقد الشراكات بين القطاعين العام والخاص، يمكن أن تشكل أحد المصادر الأساسية لسد الفجوة التمويلية فيما يتعلق بالعمل المناخي، خاصةً في الدول النامية، دون تحمل المزيد من أعباء الديون، نتيجة اللجوء للاقتراض من الدول الغنية أو من مؤسسات التمويل الدولية.
أفريقيا تواجه تحديات رئيسية في تدبير التمويل
ويعتبر الدكتور محمد فتوحي، الأستاذ بجامعة محمد الخامس في الرباط، ورئيس النادي المغربي للبيئة والتنمية، أن غالبية دول الشرق الأوسط والقارة الأفريقية تواجه تحديات رئيسية في تدبير التمويل اللازم للتحولات المطلوبة، خاصةُ في قطاعات الطاقة والنقل والمدن، نتيجة عدة عوامل، منها عدم توافر آليات تمويلية ميسورة التكلفة، وعدم ثقة كثير من المستثمرين في جدوى الاستثمار بهذه القطاعات، فضلاً عن الأزمات المتلاحقة للاقتصاد العالمي خلال الفترة الأخيرة.
ويدعو خبير التغيرات المناخية المغربي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إلى ضرورة تعزيز العمل الجماعي، من خلال الصناديق الخضراء، بهدف تسريع استجابة المجتمعات المحلية للتداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية، وغيرها من القضايا البيئية التي تعاني منها غالبية دول القارة الأفريقية، التي تتزايد حاجتها، يوماً بعد يوم، إلى مزيد من الاستثمارات الخضراء.
وعلى عكس المفهوم السائد لدى كثير من أصحاب الأعمال، بأن التحول إلى الاقتصاد الأخضر قد يتسبب في عرقلة خطط التنمية، يؤكد د. فتوحي أن هذا مفهوم خاطئ تماماً، حيث أن التحول إلى نظم الاقتصاد الأخضر يمكن أن يحقق مكاسب اقتصادية على المستوى العالمي، تصل إلى 26 تريليون دولار، حتى عام 2030، كما يساعد في توفير أكثر من 65 مليون وظيفة جديدة.
ووفقاً للباحثة مي عبدالرازق أحمد، من المؤسسة المصرية للسياسات والدراسات الاستراتيجية، فإن دور الصناديق الخضراء يتضمن أيضاً تشجيع الشركات ومؤسسات الأعمال على إعلاء الجوانب البيئية والاجتماعية في المشروعات المختلفة، مثل مشروعات الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، وتحلية المياه، وكذلك المشروعات الصغيرة والمتوسطة الخاصة بالشأن البيئي.
قفزة في الاستثمارات الخضراء بقطاع الطاقة النظيفة
وتشير للباحثة المختصة بدراسات التنمية المستدامة والطاقة، في ورقة بحثية حول دور الصناديق الخضراء في تمويل مشروعات المناخ، إلى أن السنوات القليلة الماضية بعد عام 2020، شهدت قفزة فيما يُعرف بـ"الاستثمار الأخضر"، خاصةُ في قطاعات الطاقة النظيفة، واتجهت العديد من الدول إلى إصدار "السندات الخضراء"، لتمويل مشروعات التنمية المستدامة.
وتحظى الصناديق الخضراء، وغيرها من الصناديق السيادية في كثير من الدول، باهتمام بالغ على الصعيد العالمي، مع تزايد الحاجة لتأمين استثمارات إضافية، بقيمة تتراوح بين 6 تريليونات و10 تريليونات دولار، من القطاعين العام والخاص، بما يعادل نسبة تراكمية تتراوح بين 6 و10% من إجمالي الناتج المحلي العالمي سنوياً.
ومن المتوقع، بحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة، توفير حوالي 30% من هذه الاستثمارات الإضافية، في المتوسط على المستوى العالمي، من مصادر التمويل العامة، أي ما يمثل نسبة تراكمية تتراوح بين 2 و3% من إجمالي الناتج المحلي السنوي، خلال العقد من 2021 إلى 2030، أما النسبة المتبقية وقدرها 70% فسوف تكون من مصادر التمويل الخاصة.
ويوضح "تقرير الاستقرار المالي العالمي" كيف عززت صناديق الاستثمار سلوك التصويت بالوكالة في الشركات بشأن قضايا المناخ، حيث صوتت صناديق الاستثمار التقليدية لصالح نحو 50% من قرارات المساهمين المتعلقة بالمناخ في عام 2020، صعودا من نحو 20% في عام 2015.
أما الصناديق ذات التركيز الخاص على الاستدامة، فقد كان أداؤها أقوى، حيث صوتت لصالح 60% من هذه القرارات، وبلغت هذه النسبة قرابة 70% في حالة الصناديق المعنية بقضايا البيئة.