تغير المناخ يضرب أكبر محميات الغرب الأمريكي بلا هوادة
غابات جوشوا التاريخية تواجه خطر الاندثار وتضاؤل فرص استعادتها
تحت ضغوط متزايدة بسبب موجات جفاف غير مسبوقة، وحرائق تلتهم الأخضر واليابس، تواجه أشجار جوشوا التاريخية خطر الاندثار.
تحت ضغوط متزايدة بسبب موجات الجفاف غير المسبوقة، والحرائق الهائلة التي تلتهم الأخضر واليابس في طريقها، يواجه أحد الكنوز الوطنية في غرب الولايات المتحدة الأمريكية خطر الاندثار.
على مدار الأسبوع الماضي وحتى بداية هذا الأسبوع بذلت فرق الإطفاء جهوداً مضنية لاحتواء حريق هائل يجتاح مناطق شاسعة من الغابات الصحراوية في ولايتي كاليفورنيا ونيفادا، غرب الولايات المتحدة، مما تسبب في تدمير عشرات الأفدنة من المحمية الوطنية لأشجار جوشوا الشهيرة، التي تعاني بالفعل نتيجة موجات الجفاف الطويلة التي تضرب المنطقة.
يعتبر مسؤولو الإطفاء أن حريق "يورك فاير"، الذي اندلع في "جبال نيويورك"، ضمن المحمية الوطنية الواقعة في صحراء "موهافي"، بولاية كاليفورنيا، هو أكبر حريق تشهده الولاية هذا العام، وامتدت النيران إلى مناطق الغابات البرية في ولاية نيفادا المجاورة من جهة الشرق، لتلتهم كل ما تواجهه في طريقها.
ووفق تقديرات رسمية تسبب الحريق الهائل، الذي بدأ يوم الجمعة 28 يوليو/تموز الماضي، في تدمير ما يزيد على 82 ألف فدان من مناطق أشجار جوشوا الشهيرة، وتمكنت فرق الإطفاء من احتواء حوالي 30% فقط من المناطق التي امتدت إليها النيران.
حرائق متكررة بمحمية موهافي الوطنية
تعتبر شجرة جوشوا أحد الرموز الوطنية في مناطق الغرب الأمريكي، وهي من النباتات الصحراوية الأكبر في عائلة "يوكا"، حيث تعيش لأكثر من 150 سنة، ويصل طولها إلى 20 قدماً، وتنمو على المرتفعات الجبلية في صحراء ولايات كاليفورنيا ونيفادا وأريزونا ويوتا، على ارتفاعات تتراوح بين 2000 و6000 قدم.
وتتميز محمية موهافي، التي تمتد على مساحة 6475 كيلومتراً مربعاً، بأنها من أكبر المحميات الطبيعية خارج ألاسكا وهاواي، وتتنوع مقوماتها الطبيعية بين غابات أشجار جوشوا التاريخية، والأقماع البركانية، والمناظر الصحراوية من الجبال والأودية والكثبان الرملية، كما تعتبر موطناً لما يقرب من 10 آلاف سلحفاة صحراوية مهددة بالانقراض، وتستقبل المحمية حوالي 880 ألف زائر سنوياً.
وبحسب بيان لخدمة المتنزهات الوطنية في الولايات المتحدة فقد شهدت محمية موهافي الوطنية، التي تتميز بنظامها البيئي الهش، تزايداً في وتيرة حرائق الغابات على مدار السنوات العشرة الأخيرة، بسبب مجموعة من العوامل، التي ترجع في غالبيتها إلى تغير المناخ، منها ارتفاع معدلات الرطوبة في فصل الشتاء، مقابل موجات جفاف طويلة في الصيف، إضافة إلى انتشار بعض الحشائش من الأنواع الغازية.
أشار البيان، الذي تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه، إلى أن المحمية شاسعة المساحة شهدت حريقاً سابقاً في عام 2020، تسبب في تدمير نحو 44 ألف فدان من الغابات بمنطقة "سيمادوم" في ولاية كاليفورنيا، وأسفر عن "مقبرة نباتية"، حسب وصف وسائل إعلام أمريكية، راح ضحيتها أكثر من 1.3 مليون شجرة من أشجار جوشوا التاريخية.
فرصة ضئيلة لاستعادة أشجار جوشوا
ووفقاً لخدمة المتنزهات الوطنية، تنمو أشجار جوشوا فقط في صحراء الجنوب الغربي للولايات المتحدة، وفي أقصى شمال غرب المكسيك، وتقع إحدى أكثر الغابات كثافة بهذا النوع من الأشجار في وسط منطقة الحريق، وليس من المعروف، على وجه التحديد، عدد الأشجار والأنواع النباتية والحيوانية الأخرى، التي تضررت نتيجة الحريق، وسيتم إجراء تقييم كامل لحجم الضرر بمجرد احتواء النيران.
ولفت البيان إلى أنه في حال إذا ما تعرضت منطقة غابات لأشجار جوشوا لحريق، فإن معظم هذه الأشجار لن يمكنها البقاء على قيد الحياة، كما أن فرصة تكاثرها تصبح أكثر صعوبة، نظراً لهشاشة النظام البيئي في منطقة المحمية، كما يمكن أن يؤدي الحريق إلى فقدان "كنوز وطنية" لا يمكن تعويضها، مثل الهياكل التاريخية والتحف الثقافية.
أما مركز التنوع البيولوجي في الولايات المتحدة فقد أوضح، في بيان على موقعه الرسمي، أن بعض النباتات في محمية موهافي قد تستغرق قروناً للتعافي من الدمار الذي لحق بها، فمثلاً غابات الصنوبر والعرعر تحتاج إلى ما بين 200 و300 سنة، بينما من غير المرجح استعادة أشجار جوشوا، التي تنمو فقط في صحراء موهافي، بعد هذا الحريق الكارثي.
وفي المقابل، قالت لورا كننغهام، مدير مشروع "ويسترن ووترشيدز" في كاليفورنيا، إن "الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً لاستعادة أشجار جوشوا مرة أخرى"، مشيرةً في تصريحات أوردتها شبكة CNN، إلى أن بعض هذه الأشجار يمكنها مقاومة الحرارة المرتفعة، وإذا لم تكن ألسنة اللهب شديدة السخونة سوف تكون هناك فرصة لينبت الجذع مرة أخرى، ولكنها وصفت الأمر بأنه "مدمر للغاية".
مستقبل بدون أشجار جوشوا
ووضع فريق من الباحثين في جامعة "كاليفورنيا ريفرسايد" مجموعة من السيناريوهات بشأن مصير غابات أشجار جوشوا في ظل التداعيات المتلاحقة للتغيرات المناخية، التي تضرب بقوة في مناطق غرب الولايات المتحدة الأمريكية، حيث خلص الباحثون، في دراسة سابقة، إلى أن الواقع الجديد لمستقبل المنطقة يشير إلى أنه سيكون بدون وجود أشجار جوشوا.
وقال الدكتور كاميرون باروز، الباحث المشارك وعالم البيئة في مركز بيولوجيا الحفظ، التابع لجامعة كاليفورنيا ريفرسايد، إن الأشجار البالغة يمكنها أن تنجو لوقت ما، بينما تواجه مجموعات الأشجار الجديدة مخاطر جسيمة، واعتبر أن السبب الرئيسي وراء ذلك الانقراض المحتمل لهذه الأشجار الصحراوية التاريخية يرجع إلى موجات الجفاف الشديد، التي يمكن أن تتسبب في قتل البذور.
ووفقاً للدراسة، التي نشرت نتائجها في وقت سابق من العام الماضي، عمد الباحثون إلى رصد التغيرات في الأنواع النباتية والحيوانية داخل المحمية الوطنية لأشجار جوشوا، شرق لوس أنجلوس، استناداً إلى عدة سيناريوهات للتغيرات المحتملة في درجات الحرارة ومعدلات هطول الأمطار، على مدار القرن المقبل، مع أخذ عوامل أخرى في الاعتبار، مثل عمر الأشجار، ومناطق تكاثرها.
وخلص الباحثون إلى أنه بالإضافة إلى التداعيات الناجمة عن تغير المناخ، هناك بعض العوامل الأخرى التي تدفع أشجار جوشوا إلى حافة الاندثار، منها الأنواع الغازية، وتلوث الهواء من المدن ومناطق التجمعات البشرية المجاورة، وزيادة معدلات حرائق الغابات، سواء لأسباب تتعلق بتغير المناخ، أو بفعل البشر.
وتدعو الدراسة إلى أهمية العمل على تنفيذ المزيد من استراتيجيات تخفيف الانبعاثات الكربونية وغيرها من غازات الاحتباس الحراري، على كافة المستويات العالمية والإقليمية والوطنية، حيث يأمل العلماء في أن إيجاد طرق لتقليل انبعاثات الكربون يساعد في الحفاظ على أشجار جوشوا لقرون مقبلة.