النفوذ الرقمي.. في قلب المنافسة بين الصين وأمريكا
تشتد المنافسة بين أمريكا والصين حول السيطرة على البيانات وملكية مراكزها والكابلات البحرية التي تشكل معًا الأسس المادية للإنترنت.
ومنذ الحرب العالمية الثانية، سيطرت أمريكا على البنية التحتية للاتصالات، وفقا لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست". لكن مع الوقت قبضتها تراجعت، حيث أصبحت الصين أكثر استقلالية من الناحية التكنولوجية في العقد الماضي، وفقًا لمؤشر الاعتماد الرقمي الذي يقيم الأجهزة والبرامج والملكية الفكرية والذي وضعه محللان، ماكسيميليان ماير وين تشي لو.
- الصين تتراجع عن تحديد النسل لدواعٍ اقتصادية.. الإنجاب مشروع قومي!
- «التنين الصيني» يغضب.. بكين تفرض رسوم إغراق على سلع أوروبية
الصراع التكنولوجي
وفي إقليم جوهور في ماليزيا، توجد البنية التحتية للقوتين العظميين جنبًا إلى جنب، في منافسة مفتوحة. وعلى بعد شارع من شركة إكوينيكس الأمريكية المتخصصة في مراكز البيانات توجد شركة جي دي إس، المنافس الصيني و"البائع المفضل لشركتي علي بابا وتينسنت، العملاقتين الصينيتين في مجال التكنولوجيا".
وفي جميع أنحاء آسيا، يختلف الانتماء إلى القوى العظمى بحسب البلد. وتسيطر الصين على جميع شركات الحوسبة السحابية في تايلاند والفلبين، على الرغم من حقيقة أن أمريكا تنظر إلى كليهما على أنهما "حلفاء رئيسيين" .
ومن بين 12 دولة آسيوية، يوجد في 7 دول أغلبية من شركات الحوسبة السحابية التي تديرها الصين، بينما تمتلك أستراليا والهند وكوريا الجنوبية أنظمة تديرها أمريكا إلى حد كبير، وذلك وفقًا لدراسة أجريت عام 2023 في معهد أكسفورد للإنترنت. وتتمتع الشركات الصينية بالفعل ببصمات كبيرة. على سبيل المثال، تمتلك شركة علي بابا مراكز بيانات في 8 دول آسيوية.
ومن المقرر أن تشتد المنافسة، حيث تم إطلاق أكثر من 500 مركز بيانات من متوسط إلى كبير الحجم في آسيا منذ عام 2021، وقد يبدأ 270 مركزًا آخر في العمل العام المقبل. وتتوقع شركة غارتنر الاستشارية أن يرتفع الإنفاق على مراكز البيانات بنسبة 39% هذا العام.
البيانات قضية أمنية
ولا يمكن فصل الضرورات التجارية بسهولة عن الأمن، حيث تنظر وزارة التخطيط الصينية إلى البيانات باعتبارها "عامل إنتاج" إلى جانب الأرض والعمالة ورأس المال. ويخشى المسؤولون الأمريكيون وبعض المسؤولين الإقليميين من أن تغلق الصين مراكز البيانات أو خدمات الاتصالات في حالة حدوث أزمة.
وتعكس حصة السوق المرتفعة للشركات الصينية جزئيا خطة حكومية صينية. وتجمع استراتيجية طريق الحرير الرقمي، وهي فرع من مبادرة الحزام والطريق، بين طرح البنية الأساسية ومحاولة إعادة تشكيل حوكمة البيانات. كما تقدم شركات الصينية خدمات الحوسبة السحابية بأسعار مخفضة.
وروجت الصين لـ"سيادة البيانات" في الداخل والخارج، في حين زادت من ثقلها في هيئات وضع المعايير الفنية العالمية.
واستلهمت حكومة مثل حكومة فيتنام من قوانين توطين البيانات الصارمة في الصين، والتي تتطلب أن تكون البيانات التي تم إنشاؤها في الصين موجودة هناك فعليا مع الحد من التحويلات الخارجية. وقد انتزعت هذه القوانين البيانات الصينية من أيدي الشركات الأمريكية مثل أبل و تسلا.
النفوذ الرقمي
وقد حققت الجهود الأمريكية للحد من النفوذ الرقمي الصيني بعض النجاحات. وربما تعمل القيود الأمريكية على الرقائق عالية التقنية على إعاقة طموحات الصين في مجال مراكز البيانات القائمة على الذكاء الاصطناعي ومنعت السلطات العديد من مشاريع الكابلات عبر المحيط الهادئ من الهبوط في هونغ كونغ، وإعادة توجيهها عبر دول أكثر ودية مثل الفلبين.
وفي سبتمبر/أيلول، أطلقت اليابان وأستراليا برنامجاً مشتركاً لبناء البنية التحتية الرقمية في دول جزر المحيط الهادئ، حيث القلق إزاء الضغوط السيبرانية الصينية.
وأغلقت شركة علي بابا كلاود مراكز البيانات الخاصة بها في الهند وأستراليا هذا العام. ويريد بعض المسؤولين الأمريكيين إنشاء نوع جديد من اتفاقيات التجارة الرقمية في آسيا يوفر الوصول إلى تقنيات ومعايير الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، في مقابل ضمانات بإبعاد بعض التقنيات الصينية عن هذه المناطق.