ينسلّون فرادى وجماعات.. عزلة الغنوشي تتوسع داخل إخوان تونس
جاء اجتماع مجلس شورى إخوان تونس الأخير بمثابة بداية النهاية لزعيم حزب النهضة راشد الغنوشي، كرئيس مطلق للحركة.
ومثّل الاجتماع نقلة نوعية للخلاف من وسائل الإعلام والمكاتب والأروقة إلى داخل مؤسسات الحركة وتحديدا إلى مجلس الشورى.
وكان شورى حركة النهضة قد ألغى اجتماعه الأخير، الأحد، بعد انسحاب 70عضوا؛ احتجاجا على تشبث الغنوشي برئاسة الحركة.
ويترأس الغنوشي حركة النهضة منذ عام 1981، عبر مؤتمرات انتخابية صورية لا تخضع لمقاييس الانتخابات الديمقراطية.
ويعتبر مجلس "الشورى" أعلى سلطة في التنظيم، حيث إنه مركز القرار والقلعة الأكثر تحصينا لزعيم الإخوان التي كثيرا ما تمترس داخلها، معتقدًا في مناعتها وصعوبة اختراقها من قبل خصومه وأعدائه.
حركة النهضة التي أجلت مؤتمرها (الذي كان من المنتظر أن ينعقد في نهاية هذه السنة) إلى موعد غير معلوم، دخلت دهاليز الانقسامات وبدأت حمم براكينها تظهر على السطح.
ويبدو أن حسابات الغنوشي لم تفطن هذه المرة إلى أن الشرخ يتسع كل يوم وأن الفجوة بينه وبين الأغلبية الساحقة من قيادات حركته قد امتد تأثيرها إلى داخل حصونه، وأنه لم يعد الرجل القوي الذي طالما خيم ظله على اجتماعات مجلس الشورى.
انهيار الحركة
الكاتب السياسي التونسي، محمد بوعود، قال إن تأجيل مؤتمر الإخوان وتفكك مجلس الشورى هو دليل على أن المعركة داخل "النهضة " عميقة وستعلن قريبًا انهيارها.
وأوضح في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن مجلس الشورى (140شخصا) عرف في السابق بولائه المطلق للغنوشي وبالبيعة الكاملة لإدارته دون نقاش ولا جدل.
وأشار إلى أن تمرده في هذه المرة وانسحاب ثلثي أعضائه هو مؤشر على أن عزلة الغنوشي داخل مجلس الشورى بدأت تتسع بشكل ملفت.
وأضاف أن الذي حدث في مجلس الشورى هو إعلان بأن الحريق قد التهم حصيرة الغنوشي وامتد إلى الأثاث ويكاد يصل إلى الثوب كما يُقال.
وتابع: "الإخوة والخلاّن قد بدأوا ينفضّون من حوله وينفضون أيديهم منه، فلم تتعود الحركة ولا المجلس منذ تأسيسهما في أواخر الستينيات على الانسحاب ولا الاحتجاج ولا الاعتراض على مقررات الغنوشي".
مناورة يائسة من الغنوشي
واعتبر مراقبون أن قرار تأجيل المؤتمر هو مناورة يائسة من الغنوشي لربح الوقت أمام جبهات المعارضة لشخصه وعائلته وللنفوذ العائلي على الحزب.
وأفادت مصادر مطلعة من داخل حركة النهضة الإخوانية أن الغنوشي استقبل عددًا من الغاضبين على توليه الرئاسة ووعدهم بمناصب في السفارات التونسية في الخارج وفي مواقع دبلوماسية بارزة.
وقالت المصادر للعين الإخبارية إنه استعان بأسلوبه "الماكر" وهو شراء الذمم من أجل مبايعته كحاكم أبديًا لحزب النهضة.
ولكن هذه المرة لا تبدو سياقات المرحلة متلائمة مع رغبات "الغنوشي" الجامحة في البقاء على كرسيه.
فاحتجاج مجموعة كبيرة داخل الشورى ومطالبتها بعدم ترشح الغنوشي لولاية جديدة على الحزب يعتبر سابقة في تاريخ إخوان تونس، لن تفلح معها مناورات الغنوشي، وفق مراقبين.
هجرة جماعية
عبد العزيز قنون، الناشط السابق في الحركة الإسلامية، قال إن الغنوشي يبدو عاجزًا عن إيجاد مخرج لهذه الهجرة الجماعية التي بدأت تدب داخل الحركة منذ فترة، حيث انفضّ من حوله رفاق الطريق من المؤسسين الأوائل ولم يبق منهم أحد اليوم.
قبون أضاف لـ"العين الإخبارية": "ثم تلاهم الصف الأول الأقدم في الانتماء، والذين تحملوا مسؤوليات كبرى منها حتى الأمانة العامة كحمادي الجبالي والحبيب اللوز والصادق شورو وعبد اللطيف المكي، وغيرهم طابور طويل من الأسماء التاريخية التي تحملت سنوات المواجهة مع النظام السابق".
حركة النهضة لم تعد قادرة على المواصلة بنفس النسق الذي يؤبّد رئاسة الغنوشي للحركة منذ تأسيسها وإلى الأبد، ولم تعد قادرة أيضا على استيعاب شطحات البطانة الجديدة (صهره وأبناؤه) التي جاءت لتنعم بخيرات الحكم رغم أنها لم تذق طعم الحرب من أجل الوصول إليه.