الحياة على المريخ.. خرسانة مصرية لغزو الكوكب الأحمر (خاص)
في أحد المؤتمرات الدولية التي شارك فيها قبل أعوام، سمع الدكتور محمد نجيب أبوزيد، أستاذ هندسة البناء والتشييد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، عبارة مضمونها أن وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، شكلت مجموعة عمل تهدف إلى وضع تصور لآليات البناء على كوكب المريخ.
ظلت هذه العبارة في ذهن الدكتور أبوزيد، وبينما كان يتحاور مع طلابه قبل عامين عن فكره مشروع تخرجهم، قال وهو لا يتوقع أن يجد حماسا منهم: "ما رأيكم في فكرة إنتاج خرسانة للبناء على كوكب المريخ".
يقول أبوزيد في مقابلة خاصة مع "العين الإخبارية": "فوجئت بحماس شديد من الطلاب، وبدأنا في اليوم التالي نتحدث حول الشروط العامة التي يجب توافرها في الخرسانة".
كان الشرط الأساسي الذي اتفق عليه أبوزيد مع فريق عمله من الطلاب، هو أن تكون هذه الخرسانة من مكونات توجد على الكوكب الأحمر، فليس من المنطقي أو العملي، أن يتم جلب مواد البناء من الأرض لاستخدامها في البناء على المريخ، ثم كان الشرط الآخر، هو ألا تحتاج هذه الخرسانة في إعدادها إلى المياه، كما هو معتاد، وأخيرا أن تكون الخرسانة المنتجة قادرة على تحمل الظروف المناخية القاسية والمتباينة بين الليل والنهار.
وانطلاقا من هذه الشروط، جمع أبوزيد وطلابه مجموعة من البيانات التي وفرتها المركبات الفضائية العاملة على الكوكب الأحمر، حول الخامات المتوفرة على سطح المريخ، وبدأوا يبحثون عن شبيه لها على الأرض يحقق الشروط التي اتفقوا عليها.
يقول المهندس زياد عابدين، وهو أحد الطلاب الذين عملوا مع الدكتور أبوزيد في مقابلة خاصة مع "العين الإخبارية": "عرفنا من جمع البيانات، أن كوكب المريخ يوجد به الكبريت ونوع معين من البازلت بمواصفات خاصة، وهي مواد يمكن استخدامها في البناء، فكانت الخطوة التالية هي العمل على العثور على بازلت بمواصفات قريبة من الموجودة بالمريخ، بينما لم تكن هناك مشكلة في توفير الكبريت".
ومن أجل العثور على بازلت مقارب للموجود على كوكب المريخ، جمع الفريق البحثي أكثر من نوع بازلت من محاجر مصرية، ثم ذهبوا بهذه الأنواع إلى مختبر الفيزياء بالجامعة الأمريكية، حيث توجد إمكانيات مختبرية ساعدتهم على تحليلها، وتحديد النوع الأقرب للموجود على كوكب المريخ.
عند هذه المرحلة انتهى الفريق البحثي من العثور على الخامات المناسبة للبناء، لتبدأ مرحلة أخرى من البحث، وهي وضع تصور لكيفية استخدام هذه الخامات في بناء المبنى، ثم اختبار قدرة الخرسانة على تحمل الظروف المناخية القاسية على الكوكب الأحمر.
يقول عابدين: "عندما يتم تسخين الكبريت سيتحول إلى الحالة السائلة، وهذا متاح في مناخ المريخ شديد الحرارة نهارا، ليتم إضافته سريعا قبل أن يحدث له تبريد إلى مسحوق صخور البازلت للحصول على الخرسانة، ووجدنا بعد العديد من التجارب، أن النسبة المثالية لخليط الكبريت والبازلت التي تحقق أفضل الخصائص للخرسانة هي ( 1 إلى 1) ".
وحققت هذه النسبة مواصفات مناسبة في الخرسانة تجعلها قادرة على تحمل الظروف المناخية على كوكب المريخ، وتم الإعلان عن هذه المواصفات في دراسة تحت عنوان " استكشاف مواد البناء المحتملة لكوكب المريخ"، عرضها أبوزيد وطلابه في مايو / آيار من عام 2020 في المؤتمر السنوي للجمعية الكندية للهندسة المدنية.
ووفق ما جاء في الدراسة، فإن الخرسانة المنتجة تحملت الضغط حتى 22 ميجا باسكال، كما كانت نتائجها في اختباري مقاومة الانحناء والانضغاط، ملائمة للظروف المناخية على كوكب المريخ.
ولم يكتف الفريق البحثي بذلك، بل أخذ خطوة أبعد من ذلك، بوضع تصور لشكل المبنى على كوكب المريخ، ويقول عابدين "وجدنا أن الشكل الأنسب للمبنى هو الذي يتخذ شكلا دائريا يشبه حلوى (الدونتس)، ويسمح هذا الشكل بإمكانية عزل قطاع من المبنى إذا حدثت به مشكلة، والبقاء في باقي المبنى، كما وضعنا تصورا لكيفية عزل هذا المبنى من الداخل والخارج عن الظروف المناخية بالكوكب الأحمر".
ويؤكد أبوزيد أن خلطة الخرسانة قابلة للتعديل إذا جمعت المهام الفضائية الجديدة المرسلة إلى الكوكب الأحمر مثل مسبار الأمل الإماراتي، بيانات جديدة يمكن استخدامها في التطوير، مشيرا إلى أن هذا التوجه لا يزال مثيرا لمزيد من الأبحاث التي سيعمل عليها مع طلابه في أعوام تالية.
ويضيف أن طلابه اجتهدوا في وضع تصورات ربما تكون خارج تخصصهم الدقيق لإمكانية الحياة على الكوكب الأحمر بعد إنشاء المسكن، فلا تزال هناك حاجة إلى الطعام والمياه، ويقترح في هذا الإطار تشكيل فريق عمل عربي يضع تصورات لهذه الأمور، لاسيما أن هناك مشروعات في أكثر من جهة لإنشاء مستعمرات على كوكب المريخ، ومنها دولة الإمارات العربية التي أعلنت عن مشروع (المريخ 2117)، والذي يهدف إلى تحقيق هذا الحلم.
ولا يرى أبوزيد أن التفكير في مثل هذه الأمور ترفا في مجتمع مثل مصر، لا يزال يسعى لحل بعض مشاكله الحياتية الآنية، وقال: "من المؤكد أن مثل هذه التعليقات قيلت لنا، ونحن نعمل على هذا المشروع، لكنها لم تثنينا عن طريقنا، لأننا مقتنعون أن ما نفعله يفيد الحاضر والمستقبل".
وتابع: "المستقبل أقرب مما نتصور، وقد تكون هناك حاجة للبشر في استعمار المريخ، لأسباب مختلفة، فهل سنبدأ نفكر حينها، أم نكون جاهزين بأفكار، ثم إن من يفكر في أمور صعبة كهذا الأمر من أجل المستقبل، يستطيع بسهولة التعامل مع تحديات أسهل بكثير مثل البناء في القطب الشمالي والجنوبي".
ووجه كلمة للباحثين قائلا: "لا تسمح لأي تعليقات سلبية من نوعية (هل الفكرة من صميم عملنا) أو (التنفيذ مكلف للغاية) أو (ما فائدتها الآن) بأن تقوض سعيك وتزرع الخوف من أي شيء جديد داخلك، فكما يقولون في عالم البيزنس (من يخاف لا يتاجر)".
وبما أن من فكر في الصعب بالفضاء تصبح بعض الأمور الأخرى على الأرض أيسر بكثير، كما قال الدكتور أبو زيد، فإن الخرسانة التي تم إعدادها للمريخ، يرى عابدين أنها يمكن ان تكون مفيدة على الأرض.
ويقول "الخرسانة الكبريتية يتم استخدامها في إنتاج مواسير تسير تحت الأرض في المناطق التي ترتفع بها نسبة الملوحة، والتي قد تؤثر على المواسير العادية، وبنفس المنطق يمكن استخدامها في المباني بالمناطق المتأثرة بتداعيات التغيرات المناخية، لإنتاج خرسانة مقاومة للملوحة والمياه الجوفية".
aXA6IDE4LjIxNi41My43IA== جزيرة ام اند امز