كيف تتأثر الفراشات الملونة بالتغيرات المناخية؟
داخل مجتمع الفراشات، عملت مجموعة بحثية من بنما على فهم ما يحدث داخل هذا المجتمع الرقيق، ومدى تأثرهم بالتغيرات المناخية.
وفقًا لموقع «متحف فلوريدا» (Florida Museum)؛ فقد نشأت الفراشات على الأرض منذ 100 مليون سنة مضت، وعلى الرغم من مرور الأرض بعدة عصور جيولوجية وتغيرات المناخ الحاصلة تزامنًا مع تلك العصور، إلا أنها استطاعت البقاء، وتطورت منها أنواع كثيرة جدًا، بأشكال وألوان مختلفة؛ حتى صارت الفراشة رمزًا للجمال والخفة، ومصدر للفضول العلمي الذي دفع مجموعة من العلماء بقيادة الدكتور «جيبسون» إلى البحث عن حال هذه الكائنات الرقيقة مع الاحترار العالمي الحاصل للأرض في هذه الحقبة. وخلصوا إلى أنّ قدرات الفراشات الاستوائية على مواجهة التغيرات المناخية تتفاوت من نوع إلى آخر؛ تبعًا للون الفراشة وطول جناحها.
عالم الفراشات
وجد العلماء أنّ الفراشات الملونة ذات الأجنحة الصغيرة، أكثر عرضة للتهديد، بينما تستطيع الفراشات الداكنة ذات الأجنحة الكبيرة مواجهة الاحترار، لكنها لا تستطيع مواجهة تقلبات المناخ بعد إزالة الغابات، وهذا يعني أنّ قدرات تلك الفراشات الداكنة لها محددة. ونُشرت النتائج في «جورنال أوف آنيمال إيكولوجي» (Journal of Animal Ecology) في 12 يوليو/تموز 2023.
هروبًا من الحرارة
جمع العلماء عينات من موائل الفراشات في بنما، إحدى دول أمريكا الوسطى، خلال فترة عامين، تحديدًا من فبراير/شباط 2020 إلى مارس/آذار 2022. وخلصوا إلى أنّ الفراشات تتبع عدة استراتيجيات لمواجهة التغيرات المناخية:
- إنتاج بروتينات الصدمة الحرارية، وهي بروتينات تساعد الفراشات على تحمل الضغوطات البيئية المحيطة.
- التنظيم الحراري، وهو نوع من الاستجابة الفسيولوجية للتغيرات البيئية الحاصلة خارج الجسم، ما يُساعد الجسم في تحمل هذه التغيرات إلى حد ما.
- السلوك؛ إذ تطير بعض الفراشات نحو الظل هروبًا من الحرارة المرتفعة.
فرضية
افترض الباحثون أنّ الفراشات ذات الأجنحة الطويلة واللون الداكن، هي الأكثر قدرة على التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة، وهي الأكفأ في التحمل الحراري والتخزين الحراري المؤقت، وذلك باعتبار أنّ ألوانها داكنة، قادرة على امتصاص الإشعاع الشمسي. وراحوا يجرون تجاربهم على الفرشات ذات الأجنحة الكبيرة الداكنة والأخرى ذات الأجنحة القصيرة الملونة، وجمعوا كل العينات من بنما، خلال فترات زمنية مختلفة، لتثبيت عامل البيئة المحيطة لكلا النوعين من الفراشات. وقاموا بقياس كل خاصية على حدا، كالتالي:
التخزين المؤقت الحراري: أحضر العلماء مجموعة من الفراشات، وعملوا على قياس درجات حرارتها الداخلية، ودرجات الحرارة في الوسط المحيط، سواء كان الهواء الجوي أو الغطاء النباتي، كما قاموا أيضاً بقياس الفرق بين درجتي الحرارة، ويمثل هذا الفرق التخزين المؤقت الحراري، وهو قدرة أجسام الفراشات على الحفاظ على درجات حرارة الجسم ثابتة، مقارنة بدرجات حرارة الهواء المتقلب.
التحمل الحراري: وهو يعني الحد الأقصى لدرجات الحرارة الذي تستطيع الفراشات تحمله، ولفعل ذلك، أحضر الباحثون حمام مائي، وغيروا درجات حرارته بصورة تدريجية، ولاحظوا الحد الأقصى الذي تستطيع الفراشات تحمله.
ماذا وجدوا؟
خلص الباحثون إلى أنّ الفراشات الداكنة ذات الجناحات الكبيرة لديها قدرة أكبر على التخزين المؤقت الحراري، وكذلك التحمل الحراري، مقارنة بالفراشات الملونة ذات الأجنحة الأصغر. من جانب آخر، لاحظ العلماء أنّ الفراشات التي لديها قدرة أكبر على التخزين المؤقت الحراري، تقل قدرتها على التحمل الحراري في المقابل. ويرى مؤلفو الدراسة أنّ هذه الفراشات الاستوائية قد تطورت لمواجهة الحرارة، باستخدام إحدى الاستراتيجيتين؛ بسبب الضغوطات الانتقائية على حساب الأخرى.
الفراشات الداكنة تعاني أيضًا
ربما تبدو الفراشات الملونة هي الأقل حظًا، لكن الحقيقة أنّ الخطر يحوم حول الفراشات الداكنة أيضًا؛ حسنًا، هذا يأخذنا للنظر في تاريخها التطوري، الفراشات الداكنة التي لديها أجنحة كبيرة، تساعدها في الطيران بسرعة في الظل بعيدًا عن الشمس مع ارتفاع الحرارة، وبالتالي فهي لم تكن من الأنواع التي تعاني من الحرارة المرتفعة؛ لتكيفها -سلوكيًا- عبر الهروب؛ فلم تتطور للتعامل مع هذه الحرارة.
ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، مع قطع الغابات، لا تجد الفراشات التي كانت تختبئ في الظل مأوى للهروب إليه. وهذا يعني أنّ الفراشات الداكنة ذات الأجنحة الكبيرة، الجيدة في استراتيجية التخزين المؤقت الحراري، يمكنها التعامل مع الحرارة المرتفعة عبر الهروب إلى المناطق المُظللة، أما في حالة موجات الحرارة المفاجئة أو إزالة الغابات، لن تتمكن من التعامل، وتُصبح عرضة للخطر.
تُساعد الدراسة في فهم الاستجابة البيولوجية للفراشات، ويمكن قياس عليها استجابة الأنواع الأخرى؛ لفهم كيفية تعامل الأنواع البيولوجية مع التغيرات المستمرة في المناخ، وهذا جزء مهم من حل المشكلة؛ فنصف الحل يأتي من إجابة سؤال (أين المشكلة؟)، بعد ذلك، يستطيع الباحثون البحث عن حلول مناسبة وفعّالة لمواجهة ذلك، وتعزيز التنوع البيولوجي.
aXA6IDMuMTM4LjEyMi45MCA= جزيرة ام اند امز