في الواقع يمكن الحديث عن جانبين اثنين يشكلان قاسماً مشتركاً بين بابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس الأول ومنهجية وفكر قادة دولة الإمارات
لا مجال لسرد تاريخ حاضرة الفاتيكان ولكن من الضروري التوقف عند الأهداف التي من أجلها نشأت هذه الدولة الأصغر في العالم، على مستوى المساحة والسكان كذلك.
إن السلام والأخلاق والتعايش الآمن هم من أبرز محددات هذه الدولة، على الرغم من أنها أصغر مجمع بشري، إلا أنها تكتسب أهمية كبيرة باعتبارها مركز القيادة الروحية للكنيسة الكاثوليكية في العالم، والتي يتجاوز عدد أتباعها المليار نسمة.
نستطيع القول إن زيارة البابا فرنسيس إلى الإمارات ستبحث فيما يسببه الفكر المتشدد والانغلاق على الذات ورفض الآخر من تدمير للشعوب والدول وهدر قدراتها وإعادتها إلى عصور الظلمات والخوف والدمار، كما يحدث اليوم في العالم عموماً وفي العالم العربي على وجه الخصوص
يمكن تصنيف الدول أو حتى إبداء الرأي فيها من خلال سياسة الدول الخارجية وتعاملها مع شعوبها والآخرين لمن يريد، أفرادا كانوا أو مؤسسات، فيما إذا كانت هذه الدول تندرج تحت مصاف الدول المحبة للسلام، وعلى هذا الأساس يمكن الاستنتاج إلى أن هناك قواسم مشتركة بين الفاتيكان ودولة الإمارات العربية المتحدة التي أسس نهضتها ووحد إماراتها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قبل نحو 48 عاماً.
في الواقع يمكن الحديث عن جانبين اثنين يشكلان قاسماً مشتركاً بين بابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس الأول ومنهجية وفكر قادة دولة الإمارات العربية المتحدة.
أولاً: فيما يتعلق بموضوع السلام وحلّ النزاعات المجسد "بالفعل" وليس "بالقول"، فإن الإمارات ترعى هذا المفهوم وتعمل جاهدة لتحقيقه على المستوى العربي القريب والخارجي البعيد، وهذا ما تم بالفعل من خلال رعايتها اتفاق المصالحة بين إريتريا وإثيوبيا، والذي عقد في أبوظبي في 24 من شهر يوليو 2018، والذي يمهد لعلاقات إيجابية بين الطرفين، ويسهم في تعزيز أمن واستقرار لا يقتصر على الدولتين فحسب بل حتى القرن الأفريقي والمنطقة بشكل عام، وهو ليس الأول ولن يكون الأخير في هذا الشأن.
كذلك كان دور الفاتيكان في حلّ النزاعات والمساهمة في إرساء الأمن العالمي، سواء في الحرب العالمية الأولى أو الثانية، إضافة إلى مشاركته التحكيم في حلّ النزاع بين ألمانيا وإسبانيا حول جزر كارولين، والدعوة المستمرة من بابا الفاتيكان لإحلال السلام في سوريا والعراق واليمن ولبنان وغيرها من دولنا التي تشهد نزاعات دامية.
ثانياً: مبدأ الوسطية والاعتدال. فقد قام منهج دولة الإمارات العربية المتحدة على هذا المفهوم، وعزز ذلك الدور الريادي لقادة الإمارات في دعم وتبني كل الأفكار التي من شأنها تنبذ التطرف الكراهية وقبول الآخر، لذلك تجد أن الإمارات هي ملتقى كبير بين جنسيات وديانات وأعراق تتعدى مئتي جنسية وجميعهم يعيشون بطمأنينة واستقرار؛ لأن الإنسان وتنميته هو الهدف الذي يعمل عليه الإماراتيون شعباً وقيادة، وعليه لا يمكن أن تصدر عن رجال الدين الإماراتيين أو حتى سياسييهم وأفراد مجتمعهم دعوات تشي بالعنصرية أو الكراهية أو الترويج للتطرف.
وهذه النقطة يتشارك فيها الفاتيكان الإمارات، للدور الكبير للبابا فرنسيس الأول على وجه الخصوص في نبذ التشدد والتطرف على عكس بعض رجال الدين المسيح، والذين ربط بعضهم العنف بالإسلام، وهذا ما كان بعيداً عن البابا وبشهادة الأزهر الشريف، الذي أكد أنه يجسد نموذج رجل الدين المتسامح والمعتدل والمهموم بقضايا ومعاناة الفقراء والمستضعفين والمشردين.
نستطيع القول إن زيارة البابا فرنسيس إلى الإمارات ستبحث فيما يسببه الفكر المتشدد والانغلاق على الذات ورفض الآخر من تدمير للشعوب والدول وهدر قدراتها وإعادتها إلى عصور الظلمات والخوف والدمار، كما يحدث اليوم في العالم عموماً وفي العالم العربي على وجه الخصوص، ومحاولة إيجاد الحلول بالحوار لا بالصراع، وبالسلام وليس بالحرب، وبالتسامح لا بالتناحر، لا سيما أن الصراع في مجمله قائم على خلافات أيديولوجية وعقدية مبنية على التعصب ورفض الآخر، صراع يسهل إشعاله ولا يسهل إخماده حتى يفني الدول والشعوب، فتركز هذه الزيارة -التي تتم في إطار مؤتمر "اللقاء بين الأديان"- على إرساء الانفتاح لقبول الآخر والحوار معه، والتعايش بسلام، وهذا ما تعمل عليه الإمارات وتسعى من أجل تحقيقه على المستويين العربي والعالمي على حد سواء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة