يؤمن ولي العهد السعودي الشاب بأن "منظومة القيم هي من العناصر الأساسية لتكوين الفرد، وهي المحرك الأساسي لأداء وحركة المجتمع ككل".
إذا أردت أن تحدث إصلاحاً حقيقياً فعليك بثلاثة أمور:
1- افهم بشكل علمي المطلوب إصلاحه.
2- لا تصلح جانباً واحداً بل كن شاملاً.
3- أي عمل يبدأ وينتهي بالإنسان، لذلك أي إصلاح -مهما كان- لا يبدأ من إصلاح الفرد محكوم عليه بالفشل أو القصور.
هذا ما أدركه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي منذ شبابه.
في عام 2003 تخرج الطالب محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في مدارس "الرياض"، وكان من ضمن الطلبة العشرة الأوائل على مستوى المملكة، ثم حصل على بكالوريوس في القانون من جامعة الملك سعود وكان "الثاني على دفعته"، بعدها بدأ في السير في مسارين: التعلم في مدرسة والده أمير الرياض الذي تولى إمارتها منذ عام 1953 وبذلك أصبح أقدم خبير في شؤون الدولة السعودية، والمسار الثاني هو التفكير في إنشاء كيان "تطوعي إصلاحي" خاص بعيد عن الدولة يهدف لتطوير وتنمية أهم ثروة لدى السعودية.
من هنا كافأ الزمن الأمير محمد على مشروعه في "مسك" كي يكون لديه مصنع وخزان بشري لتخريج دفعات من القوة الشابة الناعمة القادرة على تحويل الرؤية الطموحة إلى واقع حقيقي وإنجاز كفء ينقل البلاد والعباد إلى ما يعرف بالسعودية الجديدة
فهم الأمير محمد بن سلمان -جيداً وعن حق- أن ثروة السعودية ليست النفط المدفون في باطن الأرض لكنها الشباب والشابات الذين يعيشون فوق الأرض.
وفهم أيضاً أن جهد الإصلاح يجب ألا يكون مقصوراً على الدولة وحدها، لكنه -بالضرورة- يجب أن يكون إصلاحياً مجتمعياً بمبادرات فردية مستنيرة وخلاقة بعيدة عن أي بيروقراطية حكومية.
رأى الأمير الشاب أن نموذج مؤسسة "بيل جيتس" الخيرية هو نموذج متميز لما يجب أن يكون عليه العمل العصري الجاد لتطوير وتحديث قدرات المجتمع، وبالذات في مجال إطلاق مواهب وإمكانات أي مجتمع.
قرأ الأمير محمد جيداً وبعمق إحصائيات التركيبة الديموغرافية لبلاده وأيقن أن أكثر التركيبة الديموغرافية تؤكد أن من هم في سن الطفولة ومن هم ما بين 15 سنة و34 سنة قرابة أكثر من ثلثي المجتمع.
التركيبة الديموغرافية للسكان في السعودية تقول إن 39٪ من السكان أطفال (بمعنى أقل من 18 عاماً)، وإن 36.7٪ من السكان في المرحلة السنية بين 15 و34 عاماً وهناك مناصفة تقريباً في الجنس (ذكور - إناث) بين جيل الشباب والشابات.
تفاعل الأمير الشاب مع جيله، وقرر أن ينشئ "كياناً تطوعياً يقوم على إطلاق المبادرات المبدعة" لتمكين الشباب والشابات في السعودية بوصفهم أصحاب الحق في الحاضر والمستقبل.
أيقن الرجل وقتها أنه لا يمكن تطوير المستقبل المقبل بتحدياته دون إحداث نقلة نوعية كاملة في مفاهيم الإدارة ومنظومة القيم وطبيعة سوق العمل القديمة.
وقتها، أي حينما أقدم على البدء في الدراسات لهذا المشروع عام 2007، تم اتخاذ الإجراءات التنفيذية لهذا المشروع في عام 2009 لم يكن هناك ما ينبئ بأي تغيير في منصب والده أمير الرياض، ولم يكن هناك أي مؤشر على أنه سيعمل رئيساً للديوان، وزيراً للدفاع، ولياً لولي العهد، ثم ولي عهد البلاد الموكل إليه تنفيذ أضخم مشروع إصلاحي في تاريخ المملكة منذ قيام الدولة السعودية الأولى منذ أكثر من 300 عام.
كيان المشروع هو "بناء وتنمية وتمكين جيل من الشباب والشابات السعوديين والسعوديات الذين لديهم القدرة على تحديث وتطوير البلاد بشكل يؤدي إلى التحديث والعصرنة المطلوبة في الحفاظ على الهوية الوطنية والمعتقدات".
كانت جمعية "مسك" وحدها هي أداة الأمير الشاب في تحقيق مشروعه الإنساني التطوعي.
وقام بتسجيل هذه الجمعية ككيان خيري تطوعي غير هادف للربح بعيد عن التمويل الحكومي في وزارة العمل بهدف القيام بجهده كمواطن يسعى إلى إحداث إصلاح حقيقي يساهم به في الخدمة العامة.
في تلك الفترة تعرّف الأمير محمد على شاب لفت نظره وأثار اهتمامه اسمه بدر عساكر، رجل أعمال نشط وكفء ومخلص.
كان اللقاء الأول بينهما حينما اختار الأمير رجل الأعمال الشاب "بدر عساكر" ليكون عضواً في مجلس أمناء جائزة الأمير سلمان عام 2009 التي كان رئيساً تنفيذياً لها.
نجح بدر عساكر في أن يلفت انتباه الأمير سلمان فأصبح مسؤولاً عن كثير من الجمعيات الخيرية غير الربحية التي يرعاها أمير الرياض.
نجاح بدر عساكر في مهامه التي يؤديها بكفاءة وجهد وصمت دون ضجيج إعلامي لشخصه أهلّه لأن يكون مدير المكتب الخاص للأمير محمد، وأحد أقرب مساعديه، ورئيس مجلس المركز الخاص لمبادرات جمعية "مسك".
وفي مبنى بسيط بدأ الأمير محمد وفريق نواة من الشباب والشابات والخبراء في الإعداد لهذا المشروع الطموح، وكانوا يجلسون ساعات طويلة يصلون الليل بالنهار، أحياناً يتناولون وجباتهم الثلاث في مكاتب المشروع، يعملون بجهد لا ينقطع ورغبة صادقة في النجاح تهدف لإحداث تغيير وتطوير بلا أي هدف شخصي أو أي دعاية شخصية.
أي جمعية كان يديرها الأمير محمد؟
منذ اليوم الأول يؤمن ولي العهد السعودي الشاب بأن "منظومة القيم هي من العناصر الأساسية لتكوين الفرد، وهي المحرك الأساسي لأداء وحركة المجتمع ككل".
وأدرك ولي العهد أن تنمية ورعاية القيم ورعاية المواهب وإطلاق الإبداع وصناعة النماذج الملهمة هي عمل جوهري وأساسي في صناعة التحديث المطلوب وجعل السعودية نموذجاً للنهضة والعالم العربي "أوروبا جديدة".
وآمن الرجل بمبدأ علمي مهم هو "إن كل ما يمكن قياسه يمكن إدارته ويمكن التأثير عليه"، لذلك كان عمله في "مسك" والديوان، وولاية العهد، والإعداد لرؤية 2030 يقوم على استشارة أفضل الخبرات في الداخل والخارج والاستعانة بالإحصائيات الدقيقة والدراسات العلمية البعيدة عن الأهواء.
كان الأمير محمد، وما زال، يؤمن بأن إصلاح أي هياكل، ومؤسسات أو قواعد نظام اقتصادي دون أن يواكبها إصلاح جذري لمنظومة القيم للفرد هو مشروع فاشل أو قاصر.
كان حلم الأمير محمد هو إحداث تغيير جذري في نفوس وعقول الشباب والشابات يجعلهم يتوافقون على قيم العصر وتحديات المستقبل.
وكان حلم الأمير محمد في إيجاد جيل يبادر، يطور، يغير، يثور على الركود واللامبالاة، قادر على التغيير والإنجاز بعلم وكفاءة متعارف عليها لدى ما يعرف بـ"المواطن العالمي" القادر على مواكبة ثورة الاتصالات، وتحديات الذكاء الاصطناعي، وتحويل المملكة من مجتمع يعيش على ريع ثروة النفط، إلى مجتمع عامل لديه موارد أساسية وكافية من مداخيل غير مرتبطة بالنفط.
كنت أسمع وأتابع وأشاهد منجزات "مسك" حتى تلقيت دعوة كريمة من معالي بدر عساكر وأمضيت بها أكثر من 3 ساعات.
ما رأيته في زيارتي هذه، ثم ما اطلعت عليه من وثائق وسجل أعمال أعطاني طاقة أمل هائلة في مستقبل شبابنا العربي، وفي مستقبل السعودية القريب.
حتى كتابة هذه السطور تدخلت "مسك" بشكل إيجابي في حياة أكثر من 40 ألف شاب وشابة ساعدتهم على معرفة أفضل ما بداخلهم وقامت بتنمية قدراتهم، وأطلقت فيهم مواهب القيادة والمبادرة والإبداع الخلاق.
تدخل القدر ليكون الرجل الأول في "مسك" هو الرجل الموكل إليه من قبَل مليك البلاد مشروع الإصلاح الشامل المعروف بـ"رؤية 2030 السعودية".
من هنا كافأ الزمن الأمير محمد على مشروعه في "مسك" كي يكون لديه مصنع وخزان بشري لتخريج دفعات من القوة الشابة الناعمة القادرة على تحويل الرؤية الطموحة إلى واقع حقيقي وإنجاز كفء ينقل البلاد والعباد إلى ما يعرف بالسعودية الجديدة.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة