لم يكن خطأ الدوحة عملية سهلة ولم يكن من الأخطاء التي يمكن أن تزيلها نظرية حب الخشوم كما يقال في الخليج
التصالح مختلف تماما عن الصلح كما أفهمه، فالتصالح سياسيا عملية كاملة تمسح كل شيء حدث في الماضي وتفترض طريقا جديدا ومنهجا مختلفا بمسيرة سياسية جديدة، بينما الصلح هو شكل مجزأ من الاتفاقات السياسية وفق مرحلة معينة يفترض منها أن تؤدي في النهاية إلى التصالح، ولكي نفهم القضية الخليجية بشكل دقيق يجب أن ندرك أن مخاطرة سياسية انطلقت من الدوحة في سنوات ماضية كانت تتبنى نظرية تدعو بوضوح وبشكل خطير إلى هدم الخليج بدوله وشعوبه، هذا بكل صراحة يجب أن يفهم بوعي تاريخي ليكون مبررنا عند الحديث عن قطر السياسة وليس الشعب.
النظرية الثابتة في هذا المسار ومن خلال المعطيات القائمة تؤكد أن فتح الأبواب الصغيرة يجب في النهاية أن يؤدي إلى فتح الأبواب الكبرى لأن القضية الفعلية موجودة خلف باب كبير يجب فتحه بالطريقة التي لا بد أن تؤدي في النهاية إلى التصالح المرضي للجميع
الخليج وفق الإطار السياسي سوف يبقى مهما كانت الظروف المحيطة، لأن بنية الكيان الخليجي وأمنه القومي يصعب تفكيكه مهما كانت الأسباب وارتباط الأزمة سواء بدول أو أشخاص، خصوصا تلك الدولة التي تناست كثيرا المعطيات التاريخية والجغرافية والسياسية لها كدولة وللكيان الخليجي برمته. قال لي يوما أحد كبار المسؤولين الخليجيين ردا على سؤالي له حول الأمن القومي الخليجي: "إن الخليج العربي وديعة دولية يستحيل التخلي عنها"، ولقد فهمت مغزى ذلك السؤال من حيث الأهمية الجيوسياسية للمنطقة بأكملها ودورها الدولي في تحقيق التوازن في النظام العالمي.
لم يكن خطأ الدوحة عملية سهلة ولم يكن من الأخطاء التي يمكن أن تزيلها نظرية حب الخشوم كما يقال في الخليج، والحقيقة المهمة أن الاختلاف لم يصل إلى درجة التنافر بين الشعوب، فكل الشعوب الخليجية تعودت على أن يكون مصيرها واحدا. ولعل أحد الدوافع الخفية في عجلة مجلس التعاون للبقاء والمقاومة تنطلق من هذه النظرية الخاصة بوحدة الشعب الخليجي وتحديدا وفق المستوى الثقافي والاجتماعي والتراثي.
في العقلانية السياسية وبعيدا عن تبسيط القضية الخليجية أو استسهال الصلح فيها لمجرد تبادل الأخبار وبعيدا أيضا عن مجادلة القضية وفق مسطحات لا تليق بفلسفة الاختلاف، فإن الحقيقة يجب أن نستوقفها في إطار تلك المخاطر التي وقفت خلف النزاع الخليجي، فليس من المعقول أن تتبنى 4 دول بينها أكبر دولتين في العالم العربي وأكثرهما تأثيرا على جميع المستويات موقفا موحدا من قطر إلا لسبب وجيه ولا يمكن تجاوزه إلا بالتصالح الفعلي وتغيير المشهد برمته وبناء مسارات جديدة لكي يعاد استزراع المختلف في ذات الحديقة الخليجية.
على الشعوب الخليجية أن تهتم بالقضية الخليجية بعيدا عن العاطفة المجتمعية، فإذا كانت النظرية السياسية الخليجية تقوم على مبدأ الوحدة الخليجية والمصير المشترك فإن ذلك يتطلب حلولا جذرية لا تتوفر إلا من خلال التصالح الكامل الذي يعيد صياغة المتغيرات السياسية التي خلقت الأزمة وأنتجتها إلى الواقع.
الشعب القطري هو جزء من الشعوب الخليجية، وإذا كان هناك من مؤشرات سياسية حول الأزمة الخليجية، فما هو محتمل يقوم على معادلة صلح تقود إلى التصالح وقد تحدث تدريجيا وقد لا تحدث..! ولكن النظرية الثابتة في هذا المسار ومن خلال المعطيات القائمة تؤكد أن فتح الأبواب الصغيرة يجب في النهاية أن يؤدي إلى فتح الأبواب الكبرى لأن القضية الفعلية موجودة خلف باب كبير يجب فتحه بالطريقة التي لا بد أن تؤدي بالنهاية إلى التصالح المرضي للجميع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة