الأمم المتحدة لا تزال مساراتها للوصول لتسويات حقيقة غائبة ومستبعدة لافتقاد أغلب الصراعات الراهنة في الشرق الأوسط لإرادة سياسية حقيقية
تمر الأمم المتحدة بمرحلة حرجة في تاريخها السياسي نتيجة شعور دولها ووحداتها السياسية بأنها لم تقم بالدور المنوط بها في تحقيق السلام والاستقرار، وتوفير الأمن الجماعي لدولها بعد سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهو ما يشير بالفعل لوجود أزمة حقيقية تواجه التنظيم الدولي ممثلا في الأمم المتحدة، ومنظماتها الإقليمية المتخصصة بصرف النظر عن الدور الراهن لمنظمة الصحة العالمية التي أدت بصورة شكلية أكثر منها جوهرية.
وفي ظل افتقادها للمخصصات المالية المطلوبة نتيجة عدم دفع كثير من الدول اشتراكاتها السنوية، وهو ما سبب عجزا هيكليا واضحا، ولافتا بصرف النظر عن تذكير الإدارة الأمريكية العالم بأنها أكبر ممول في المنظمة، وأنها تتجاوز في هذا دور الصين والدول الأخرى.
بقراءة مستفيضة لتقييم ما جرى من قبل منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة بصرف النظر عن عقد قمة في مجلس الأمن مؤخرا، وبعد أسابيع من اندلاع أزمة الفيروس كورونا، فإن التوقع بقرب تشكل مرحلة جديدة من عمر التنظيم الدولي في الفترة المقبلة سيكون واردا جدا في المرحلة المقبلة.
وسيرتبط فعليا بالتعامل مع الأزمات الراهنة في الشرق الأوسط، وهو المهم لنا، حيث أطلق مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في الشرق الأوسط الدعوة للتعامل بجدية مع مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة التي أطلقها في مارس الماضي، ودعا فيها إلى وقف إطلاق النار في جميع أنحاء العالم، وحث كل الأطراف المتحاربة على ترك الأعمال العدائية، ووضع مشاعر عدم الثقة والعداوة جانبا وإسكات البنادق.
الواضح أن الأمم المتحدة لا تزال مساراتها للوصول لتسويات حقيقة غائبة ومستبعدة في الوقت الراهن، وفي المدى المنظور لافتقاد أغلب الصراعات الراهنة في الشرق الأوسط لإرادة سياسية حقيقية
وقد لوحظ في الدعوة التي شملت جير بيدرسون المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، وبان كوبيش في لبنان، وجنين هينيس بلاسخارات المبعوثة الدولية في العراق، ومارتن جريفيث المبعوث إلى اليمن، ونيكولاي ميلادينوف المبعوث الخاص للأمم المتحدة في الشرق الأوسط، أنها ركزت على ضرورة حل هذه الصراعات استثمارا لما يجري من تعاون في مجال مواجهة أزمة كورونا.
وقد لوحظ غياب ممثل الأمم المتحدة إلى ليبيا، حيث لم يتفق بعد على الاسم، كما لاحظنا غياب أي مرجعية للجامعة العربية أو حكومات الشرق الأوسط، وبالتأكيد كل هؤلاء مبعوثون من خارج المنطقة، ولا يوجد مبعوث عربي واحد بعد استقالة غسان سلامة المبعوث العربي في ليبيا سابقا.
ويمكننا هنا إبداء بعض الملاحظات على سياق ما طرح الأولى: الإشارة إلى أزمة فيروس كورونا وآثاره المحتملة على المدى الطويل في المجال السياسي والاقتصادي، وهو ما يتطلب التوصل إلى وقف إطلاق النار والتوصل لحلول طويلة الأجل للصراعات المستمرة.
أما الثانية: الدعوة إلى الامتناع عن أي أنشطة يمكن أن تؤدي إلى المزيد من التدهور في أي بلد في المنطقة، وحث الأطراف على التعاون والنزاع محليا وإقليميا لوقف الانتشار السريع للفيروس وتقاسم الموارد.
والثالثة: تسهيل كل الأطراف للوصول إلى المساعدات الإنسانية والمجتمعات المحاصرة وجميع الذين دمرتهم الحرب وتسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين والمشردين داخليا إلى منازلهم من خلال إجراءات وتدابير عاجلة وفعالة وذات مغزى.
أما الرابعة: العمل مع الأمم المتحدة على خطط الاستجابة الدولية العاجلة وإجراءات التعافي والتركيز على الدبلوماسية الوقائية ودعم التعاون الشامل لمصلحة السلام ورفاهية الجميع، والحقيقة أن كل هذه المعاني الطيبة والدعوات الأخلاقية لا وجود لها في العالم في الوقت الراهن، إذ لم يقل مبعوث السلام كيف ستحقق كل هذه المعاني الطيبة، وكيف سيتم التعامل معها في ظل استمرار الحروب والمواجهات، وعدم انتهاء المواجهات، وإنما هي في لحظة استراحة محارب.
وبالتالي افتقدت الدعوة آليات وأدوات التحقق في ظل استمرار انغماس الدول الكبرى في تنمية وتفعيل دور الصدامات في العالم بما في ذلك التنظيمات الإرهابية، والمعني هنا أن هناك مساحة كبيرة بين ما هو قائم وما هو مستهدف، خصوصا في ظل حالة التعثر في التسويات الراهنة، وعدم وجود أفق سياسي بالمعنى المتعارف عليه.
وبالتالي لا وجود حقيقيا لتصورات فعالة لتسويات بالمعنى المعروف، وإنما نحن أمام مشروعات لتسويات ناقصة، وليست كاملة وفقا لسياسات الأمر الواقع، وبدون توافقات جماعية تشمل كل فعاليات الصراع، وهو ما ينطبق على سوريا وليبيا واليمن وغيرها.
هذا الأمر يشير بعمق إلى أننا أمام دعوة مثالية تفتقر للواقعية السياسية، وأن الأمم المتحدة تسجل موقفا ليس أكثر في ظل الانتقادات الموجهة لها، والدعوة لتنظيم دولي جديد يتجاوز ما هو قائم، وفي ظل صراع دولي محمود لن ينتهي لا قبل ولا بعد أزمة كورونا التي كشفت بالفعل سلبيات دولية كبيرة باتت تهدد مستقبل النظام الدولي بأكمله، في ظل مخاوف حقيقية من عودة فكرة الدولة القومية والانعزالية وتعلية الخيارات الانفرادية على روح الجماعة، وكذلك إعادة ترتيب الحسابات والأولويات الدولية مع التركيز على الأمن الدولي الإنساني عن الأمن العسكري والاستراتيجي.
الواضح أن الأمم المتحدة لا تزال مساراتها للوصول إلى تسويات حقيقية غائبة ومستبعدة في الوقت الراهن، وفي المدى المنظور لافتقاد أغلب الصراعات الراهنة في الشرق الأوسط لإرادة سياسية حقيقية، يمكن أن تفكك عناصر الصراع وتقرب من وجهات النظر، وأن كل ما جرى أن أزمة كورونا العالمية كشفت أزمة النظام الدولي، وستعجل بتغيير منطلقاته وأولوياته في الفترة المقبلة، ومن المؤكد ستطول الأمم المتحدة ومنظماتها ووكالاتها الإقليمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة