نرى أن القرار الأكثر ترجيحا ربما يكون زيادة الإنتاج بما يتراوح بين 500 ألف و600 ألف برميل يوميا بداية من شهر يوليو المقبل.
عند التئام شمل منظمة الأوبك وحلفائها اليوم في فيينا، سيجد المجتمعون أمامهم عددا من الاعتبارات التي ينبغي عليهم دراستها والموازنة بينها من أجل الوصول إلى قرار بشأن زيادة الإنتاج، وتحديد مستوى هذه الزيادة.
بينما يركز البعض على تصريحات الرئيس الأمريكي، ربما الأكثر صراحة في الهجوم على الأوبك، إلا أن قائمة الشكوى ضمت مؤخرا الصين ثاني أكبر مستهلك والمستورد الأول للنفط عالميا، والهند ثالث أكبر مستهلك وثاني أكبر مستورد في العالم
وتنقسم هذه الاعتبارات إلى شقين؛ يتعلق الشق الأول بالاعتبارات التي لا تعمل في صالح زيادة الإنتاج، أو على الأقل تحجم من مستوى هذه الزيادة. ومن أهم هذه الاعتبارات:
1. معارضة بعض بلدان الأوبك لزيادة الإنتاج بدعوى أن السوق لم يستقر تماما بعد، وأن هناك مخاوف من انخفاض كبير في الأسعار إذا ما تمت زيادة الإنتاج بمستويات مرتفعة. وتضم هذه البلدان إيران والعراق وفنزويلا والجزائر. وموقف بعض هذه البلدان مثل إيران تمليه في الحقيقة أبعاد سياسية تتجاوز ما تقتضيه مصلحة دول المنظمة ككل من استقرار لسوق النفط العالمي. فقد دأبت إيران حينما كانت تسعى لأجل دفع أوروبا نحو اتخاذ موقف قوي يثني الولايات المتحدة عن الانسحاب من الاتفاق النووي (5+1) إلى القول إن أسعار للنفط تبلغ 70 دولارا هي أسعار مرتفعة، وأنها تقبل بمستوى لا يزيد على 60 دولارا للبرميل. ومن هنا كانت دعوتها في أبريل الماضي إلى إنهاء اتفاق الأوبك وحلفائها عند الاجتماع في يونيو بدعوى أن الاتفاق قد حقق أهدافه. وعادت إيران مؤخرا وبعد انسحاب أمريكا فعلا من الاتفاق النووي إلى القول إن ارتفاع سعر النفط سببه العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على كل من إيران وفنزويلا، ما يهدد بانخفاض مستوى العرض العالمي. وانقلب الموقف الإيراني إلى النقيض لتصبح من أشد المطالبين بالتمسك بالاتفاق حتى الأجل المتفق عليه أي حتى نهاية العام الحالي. ولا جدال أيضا أن من بواعث مواقف بعض هذه البلدان هو عدم استفادتها من أي زيادة في الإنتاج، إذ إنها لأسباب متعددة لا تستطيع زيادة مستوى إنتاجها، بل إنها تخشى في الحقيقة من انخفاض أكبر في مستوى إنتاجها وصادراتها.
2. تأكيد الرئيس الأمريكي على أنه لم يكن يناور بالتهديد بشن حرب تجارية، بعد تنفيذ تهديداته بالفعل سواء ضد شركائه من الدول الغربية المتقدمة، أو ضد الصين بما يؤكد اعتقاده فعليا أن حرب التجارة هي حرب ممكنة وأن انتصار الولايات المتحدة فيها أمر سهل كما ذكر منذ أشهر قليلة. ومع رد الشركاء التجاريين للولايات المتحدة بإجراءات ثأرية يرى أغلب المفكرين الاقتصاديين، وهو الأمر الذي تؤكده أيضا التجارب التاريخية السابقة، أنه في حرب التجارة "الجميع خاسرون". فهذه الحرب ستؤدي حتما إلى انخفاض في مستوى التجارة الدولية يعقبه دون شك انخفاض في مستويات النمو الاقتصادي بما يدفع نحو خفض مستوى الطلب على النفط، وبالتالي الدفع نحو انخفاض أسعاره.
3. صار من المؤكد اتجاه السياسة النقدية الأمريكية نحو المزيد من التقييد بحيث يميل نظام الاحتياط الفيدرالي الأمريكي الآن إلى رفع أسعار الفائدة -كما ذكر عقب اجتماعه السابق- مرتين أخريين هذا العام، وليس مرة واحدة. ويترتب على هذا التقييد ازدياد الإقبال على العملة الأمريكية، وبالتالي ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل بقية العملات. ومع تسعير النفط في السوق العالمي بالدولار، فأي ارتفاع في سعر صرفه سيؤدي إلى ارتفاع سعر البرميل مقوما بالعملات الأخرى، وهو ما قد يدفع أيضا نحو انخفاض الطلب على النفط ربما بحلول الربع الأخير من هذا العام وهو ما يهدد أيضا بانخفاض سعره.
4. استمرار ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأمريكي خلال الفترة القادمة، ما سيؤدي إلى زيادة العرض، والضغط من ثم على الأسعار نحو الانخفاض.
أما الشق الثاني المتعلق بالاعتبارات التي ستطرح أيضا أمام الأوبك وحلفائها وتدعم من موقف زيادة مستوى إنتاجهم، فيأتي على رأسها:
1. تحقق هدف اتفاق الأوبك وحلفائها من انخفاض مستوى المخزون من النفط الخام لدى الدول المستهلكة الرئيسية إلى مستوى يقل عن متوسط هذا المخزون خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. وتوضح أحدث البيانات المتوفرة عن الولايات المتحدة بلوغ مستوى المخزون التجاري من الخام خلال الأسبوع الماضي نحو 426.5 مليون برميل، وهو ما يقل بنحو 2% عن متوسط المخزون خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. وحيث إن هذا المعيار كان هو ما تستند إليه الأوبك وحلفاؤها يصبح الموقف الحالي داعيا إلى التراجع عن خطة خفض الإنتاج والعودة كما يدعو البعض إلى مستويات الإنتاج السابقة على الاتفاق، أو إلى مستويات قريبة منها، وهو ما تدعو له روسيا مثلا بزيادة الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا. ويعزز من هذا الاعتبار الارتفاع الكبير في سعر برميل النفط من نوع برنت حتى بلغ أكثر من 80 دولارا أحيانا خلال الشهر الماضي. ويقدر ارتفاع السعر بنسبة 60% تقريبا خلال الشهر الماضي والشهر الحالي مقارنة بسعره خلال نفس الفترة في العام الماضي.
2. اتجاه عدد من الدول المستهلكة الكبيرة إلى الشكوى مؤخرا من ارتفاع أسعار النفط، ومن خشيتها تأثير ذلك على معدلات النمو الاقتصادي فيها. وبينما يركز البعض على تصريحات الرئيس الأمريكي، ربما الأكثر صراحة في الهجوم على الأوبك، إلا أن قائمة الشكوى ضمت مؤخرا الصين ثاني أكبر مستهلك والمستورد الأول للنفط عالميا، والهند ثالث أكبر مستهلك وثاني أكبر مستورد في العالم.
ورغم تباين المواقف فإنه من المنتظر أن يتداول المجتمعون في فيينا هذه الاعتبارات وغيرها، حتى يمكنهم اتخاذ القرار المناسب. ويشير البعض إلى أنه أيا كان المستوى المعلن من زيادة في الإنتاج فسوف يكون التنفيذ الفعلي أقل لعدم قدرة بعض البلدان مثل فنزويلا وأنجولا ونيجيريا على زيادة إنتاجها. أضف إلى ذلك تفاقم بعض المشكلات مؤخرا في بلد مثل ليبيا ما أدى إلى خفض مستوى إنتاجه بنحو 400 ألف برميل يوميا، وهو ما ينتظر استمراره لبعض الوقت.
وفي السياق، يشير البعض أيضا إلى قول بعض المسؤولين الإيرانيين مؤخرا إنه يكفي عودة التزام أوبك وحلفائها بنسبة 100% من اتفاق خفض الإنتاج، وليس نسبة 150% كما هو حادث فعليا، بما يعني الموافقة ضمنيا على زيادة إنتاج بعض البلدان، وإن كان ليس بالقدر الذي تدعو له بلد مثل روسيا.
أيا كان الأمر وفي ضوء الاعتبارات السابقة نرى أن القرار الأكثر ترجيحا ربما يكون زيادة الإنتاج بما يتراوح بين 500 ألف و600 ألف برميل يوميا بداية من شهر يوليو المقبل. وقد يجري الاتفاق على إعادة النظر في القرار على ضوء ما سيحدث في الأسواق بعد هذه الزيادة، وما سيطرأ أيضا من تغير على مستويات العرض والطلب، خاصة بعد الفرض التام للعقوبات الأمريكية على صادرات إيران يوم 4 نوفمبر المقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة