أخيرًا حط مؤتمر الأطراف، كوب 28، رحله في الجزيرة العربية، إحدى أكثر البيئات ذات العلاقة الوطيدة والاستثنائية بين الإنسان والطبيعة.
هنا يتماهى البشر مع بيئتهم وميراثهم من أرض نقية معطاءة.. وفيما سعت مؤتمرات المناخ خلال السنوات الماضية في الغرب إلى إحداث ثورة وصحوة بأهيمة إنقاذ الكوكب من تغيرات المناخ، حيث سجلت عواصم الغرب والشرق أرقاما مخيبة ومخيفة في إنتاج التلوث وتدمير البيئة، يصل المؤتمر إلى الجزيرة العربية، وتحديدا على سواحل دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث لا تزال الحياة الفطرية نابضة، وحيث لا يزال الإنسان قريبا من الطبيعة وبعيدا عن بؤر التلوث إلى حد كبير.
لقد عاش العربي قديمًا حياة قنوعة، متعقبا المراعي الخصبة ومنابع المياه، ممارسا التجارة، ولم يشارك العرب في الثورة الجائرة، التي لم تكن جزءا من ثقافتهم، الثورة التي قضت وأبادت الكثير من الحياة الفطرية في الغرب، فقضت على ملايين الثيران في أمريكا الشمالية، وعلى الحيتان في بحار الشرق، وعلى مئات الأصناف في البراري ولوثت قيعان البحار.
وأتت صحوة الغرب، بعد تاريخ دموي حرق الأرض والحيوان ولوَّث السماء، ليكفّر عن ذلك التاريخ الأسود والحاضر الذي أنتجه والواقع المرير الذي لا مفر منه.
غير أن الحرب والعمل على مكافحة الظاهرة المدمرة لم يتمكن الغرب من مواجهتها ولا مكافحتها دون أن يُشرك العالم فيها، بما في ذلك الدول التي لم تشارك في الجريمة أصلا، مثل دول الخليج العربي وكثير من دول الشرق الأوسط، التي لا توجد بها أي أرقام مفزعة عن التلوث أو معاداة البيئة.
وتأتي استضافة دولة الإمارات لهذه المناسبة الدولية بعد أن عاشت صحوة مبكرة جدا في قضايا المناخ والبيئة، شملت استراتيجيات واعدة في الصحة البيئية والاقتصاد الأخضر والتنوع الغذائي وإنفاذ التشريعات البيئية وغيرها.
والفرق بين الصحوة الغربية، والعمل الدؤوب الذي تقوم به دولة الإمارات، أننا لا نعيش هاجس وخزي تلويث البيئة، فلا تزال أراضينا نظيفة وسماواتنا صافية وبحارنا نقية، وإنساننا غير جشع ولا يمارس أيا من أنواع الجَور الذي ينتهك الطبيعة، لأنه ببساطة يعتبرها جزءا منه وهو جزء منها.
لقد استثمرت دولة الإمارات شتى مواردها المادية والبشرية للمشاركة في صياغة عالم نظيف وحيوي، عبر مشاريعها العملاقة في إنتاج وتصدير الطاقة النظيفة، وعبر عملها داخليا وإقليميا ودوليا في صناعة الحلول المستدامة، ليس لنفسها فقط، بل لشتى الشركاء وغير القادرين على فعل ذلك.
إن سياسات دولة الإمارات في قضية تغير المناخ تجاوزت خلق الحلول الداخيلة إلى العمل الجماعي والشراكات الاستراتيجية الكبرى، ما جعلها "صيدلية كبرى" لمداواة جراح العالم، وشريكا جديرًا بثقة دول كوكبنا، تلتفت إليها وتبحث عنها كلما داهمتها أزمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة