رسائل تحالف غلاسكو للدول الغنية: عليكم تسديد فاتورة الأذى
يتسبب تغير المناخ في ضرر لا يمكن إصلاحه للبلدان الفقيرة، فيما يوجه مؤتمر COP26 رسائل ضغط للأثرياء لدفع فاتورة تلك الخسائر.
منزل بيفرلي لونجيد في منطقة كورديليرا بالفلبين يعد نموذجا يتجلى فيه الأذى الذي أصاب الدول الفقيرة، حيث تمر فصول غريبة لم يكن يعتادها هذا المنزل فيما لا تنضج المحاصيل في الأوقات المعتادة من حوله بحسب تقرير نشر في صحيفة واشنطن بوست.
في هذا المكان أيضا أصبحت أشعة الشمس أكثر سخونة من أي وقت مضى، فيما جفت الينابيع التي كانت تعتمد لونجد عليها دائما في الحصول على المياه.
وعن هذا تقول لونجيد، وهي عضو في مجتمع إيغوروت (وهو مصطلح يشير إلى مجموعة من عدة مجموعات عرقية في الفلبين)، إن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان قد أخذ الكثير من شعبها، وأرض المزارعين، والطعام من أفواه الأطفال".
وتتساءل لونجيد كيف سيتم تعويضها وتعويض أمثالها من المتضررين من تغير المناخ الذي لم تسهم فيه هي وأمثالها إلا بنحو ضئيل، قائلة: "نحن الدول النامية بالكاد ساهمنا في المشكلة، من يتحمل العبء الأكبر من الآثار".
ووجد تقرير صدر عام 2020 عن الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر ومقره جنيف أن الطقس المتطرف والكوارث المتعلقة بالمناخ قتلت أكثر من 410 آلاف شخص في العقد الماضي، معظمهم في البلدان منخفضة الدخل.
كما قدرت أبحاث أخرى أن الاحتياجات المالية السنوية للخسائر والأضرار في البلدان النامية قد تصل إلى 290 مليار دولار إلى 580 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030.
على الجانب الاخر فإن المستويات الحالية للتمويل الإنساني -الذي يجب تخصيصه للناجين من الزلازل والانفجارات البركانية والصراعات العنيفة، وكذلك الأزمات المناخية- أقل من عُشر ذلك.
ثمن خيارات العالم الثري
ويعتبر الأشخاص الموجودون في المجتمعات ذات الدخل المنخفض والمتضررة بشدة من تغير المناخ إنهم يدفعون الآن ثمن خيارات العالم الثري: من التلوث الذي يتسبب في ارتفاع درجة حرارة الكوكب في الغلاف الجوي، والذي ينبعث أكثر من نصفه من الناس في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وعن هذا يقول هارجيت سينغ، كبير مستشاري السياسات في نيودلهي لشبكة العمل المناخي الدولية: "نعلم جميعا الانبعاثات التراكمية. نعلم جميعا من الذي ربح أكثر من التصنيع".
ويطالب سينغ الدول التي بنيت ثروتها على الصناعات التي تلوث الغلاف الجوي أن تتحمل المسؤولية، قائلا:"كان ينبغي أن تصعد وتقول، نعم نحن نتحمل هذه المسؤولية".
تفاصيل تلك القضية أصبحت نقطة شائكة أكثر من أي وقت مضى في مفاوضات مؤتمر COP26 المنعقد في غلاسكو، اسكتلندا.
التهرب من المسؤولية
ورغم أن الدول الأغنى وعدت منذ فترة طويلة بتخصيص 100 مليار دولار سنويا لمساعدة البلدان الضعيفة على التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من الاحترار المستقبلي إلا أنهم حتى الآن غير راغبين في تبني المزيد من التمويل من أجل مواجهة ضرر لا يمكن إصلاحه بالفعل.
واعتبر سانديب تشاملينج راي، كبير مستشاري التكيف في الصندوق العالمي للحياة البرية، "إن تمويل الخسائر والأضرار مفقود حقا".
وحتى الآن، كانت الآلية الدولية الرئيسية لمعالجة الخسائر والأضرار هي موقع ويب لتبادل الخبرات والموارد حول مخاطر المناخ.
وفي عام 2019، وافقت الدول أيضا على إنشاء برنامج مساعدة فنية، يُعرف باسم شبكة سانتياغو - على الرغم من أن البرنامج ليس لديه موظفين أو تمويل حتى الآن.
وقال ياميدي داجنيت، مدير مفاوضات المناخ في معهد الموارد العالمية: "نحن بحاجة إلى أن نكون صادقين. في وقت اليأس، كما رأينا هذا العام ... موقع الويب ليس كافيا."
وتخشى الدول الغنية تقليديا من أن فتح الباب أمام التعويض عن التأثيرات المناخية التي تسببت فيها إلى حد كبير يمكن أن يؤدي إلى التزامات مالية ضخمة لا تنتهي بحسب تقرير واشنطن بوست.
وبموجب اتفاق باريس للمناخ التاريخي في عام 2015، وافقت البلدان المتقدمة بشكل ملحوظ على اللغة التي تقر "بأهمية تجنب وتقليل ومعالجة الخسائر والأضرار المرتبطة بالآثار الضارة لتغير المناخ".
لكنهم أصروا أيضا على تضمين بند آخر، مشيرين إلى أن اتفاقية باريس "لا تتضمن أو توفر أساسا لأي مسؤولية أو تعويض".
قضية منفصلة
لكن المدافعين عن تمويل الخسائر والأضرار يقولون إن تخفيف الانبعاثات والتكيف قضية منفصلة، وهما الهدفان الحاليان لمعظم تمويل المناخ.
ويشيرون إلى أن التخفيف يهدف إلى تجنب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في المستقبل، وليس معالجة التأثيرات المناخية الجارية بالفعل. وستكون بعض الكوارث حتمية، بغض النظر عن مدى تكيف المجتمعات.
وفي هذا الإطار تقول جو دودز، رئيس مجموعة الدفاع الأسترالية الناجين من حرائق الغابات للعمل المناخي "إنه يدمر مجتمعاتنا. "إنه يقتل شعبنا".
وفي عام 2018، اندلع حريق في إحدى الغابات في بلدة دودز الصغيرة ودمر 69 منزلا حينها. وفي هذه الأيام، يمتد موسم الحرائق في أستراليا لمعظم العام، ويعيد إشعال الصدمات التي تعرض لها الناجون ويخنق السماء بالدخان.
وعن هذا تقول دودز" "لم يعد حادثا واحدا بعد الآن. إنه أسلوب حياة كارثي".
ولكن عندما تقع الكوارث المرتبطة بتغير المنخ في البلدان الغنية، تكون هذه الدول قادرة على تقديم الدعم للمواطنين الذين تضرروا. فبعد حرائق الغابات في عام 2018، أنشأت الحكومة الأسترالية صندوقا بأكثر من مليار دولار لمساعدة المجتمعات التي دمرتها الحرائق.
أيضا ضحايا الفيضانات التي سجلت أرقاما قياسية في ألمانيا هذا الصيف مؤهلون للحصول على ملايين الدولارات كإغاثة، والمزيد من التمويل لإعادة بناء البنية التحتية.
وقال هارجيت سينغ، كبير مستشاري السياسات في نيودلهي لشبكة العمل المناخي الدولية إن مطالبة الدول النامية بالحد من الانبعاثات حتى في الوقت الذي تتعامل فيه مع التأثيرات المناخية المميتة يشبه مطالبة شخص يحترق منزله بالتبرع بمزيد من الأموال لفريق الإطفاء.
وأضاف متسائلا: "إذا وضعت نفسي في مكان وزير المالية، ماذا سأفعل عندما يعاني شعبي؟ هل سأبني مزرعة شمسية؟"، مجيبا بالتأكيد "لا."
وأضاف: "أولا، ساعد الناس على التعافي، وتقديم الإغاثة، وتأكد من استعدادهم للكوارث المستقبلية عندها فقط سننفق أقل على الخسائر والأضرار،، مؤكدا أن العالم لديه بالفعل القدرات المالية والموارد والاهتمام لتحقيق أهداف التخفيف.
ويرى النشطاء بعض بوادر التقدم في قمة الأمم المتحدة في غلاسكو حيث تعهد الوزير الأول الأسكتلندي نيكولا ستورجون الأسبوع الماضي بتقديم مليون جنيه إسترليني (1.4 مليون دولار أمريكي) لصندوق المرونة في العدالة المناخية لمعالجة الخسائر والأضرار.
ورغم ضآلة المبلغ غلا أنه كانت هذه هي المرة الأولى التي تلتزم فيها دولة صناعية بدفع ثمن الأضرار المناخية التي تتكبدها البلدان النامية.
وأصدرت 61 دولة من ما يعرف باسم "تحالف الطموح العالي" - وهي مجموعة تضم الآن الولايات المتحدة - بيانا يعترف بالحاجة إلى المزيد من الموارد لمعالجة هذه المشكلة.
كما التزمت مئات البنوك وشركات التأمين وصناديق المعاشات التقاعدية وشركات الاستثمار بتحويل تريليونات الدولارات من الأنشطة الملوثة وتوجيه بعض هذه الأموال نحو الاقتصادات النامية.
وقالت ماريا لورا روخاس فاليجو، مديرة مجموعة ترانسفورما الكولومبية، "هذه إشارات مهمة تعطي نظرة عن كيفية تغير العالم". "ولكن هذا لا يكفي."
وقالت: "عند ارتفاع درجة الحرارة 1.1 درجة مئوية، فإن الخسائر والأضرار لا تلحق فقط بالدول النامية ولكن أيضا العالم المتقدم. لذلك نحن بحاجة للعمل الآن ".