يقول أحد الفلاسفة القدماء: إذا عرف الإنسان جَوْر الطبيعة فإنه يتحدى الموت.
فالصعوبات التي تفرضها ظواهر الطبيعة تشكل نوعاً من أنواع التحدي الوجودي للإنسان بصفته جوهراً عاقلاً مفكرا، وتدفعه لتقصي أي ظاهرة لفهمها بعد تحليلها وسبر أغوارها من أجل الوصول إلى تطويعها وتحويلها إلى ابتكار يصب في خدمة الإنسان وليس العكس.
ربما تصلح المقولة مدخلا لمناقشة واقع الحال المناخي على الكوكب ومسبباته الطبيعية، بحكم تطور البشر والبشرية في مختلف مناحي الحياة والوجود، ومسبباته الأخرى التي هي من صنع الإنسان الطموح الساعي إلى حيازة علوم جديدة ومتجددة، وابتكار أدوات وأساليب تطويرية لقطاعات الحياة بما يتناسب مع اهتمامات الإنسان ورغباته، وتوقه لبلوغ ذروة العلوم والرفاه والرخاء.
العلاقة تبعاً للمقولة الفلسفية جدلية بامتياز بين الإنسان وبين الطبيعة، فلا الطرف الأول، أي الإنسان، قنوع بالتوقف عند مبتكرات واكتشافات محدودة والاقتناع بأنها سقف ما يمكن أن يصل إليه في بحثه الدؤوب لاكتشاف خفايا الطبيعة وفك طلاسمها الكثيرة، ولا الطبيعة بصدد الانتهاء من عملية تجديد ذاتها وظواهرها في جميع مظاهرها الأرضية والفضائية وما بينهما.
اليوم تبدو المسؤولية على عاتق قادة العالم في جلاسكو أكبر مما يعتقده البعض، المطلوب بإلحاح هو عقلنة الفعل الإنساني الذي يتعاطى مع الطبيعة على أنها كنز ثرّ ينهل منه العلم والعلماء لخدمة البشرية، دون التحوط لما تفرزه انتصاراتهم العلمية في جانبها الآخر من كوارث على الكوكب وعلى البشر.
الأمنيات في مواجهة التدهور المناخي العالمي طوتها ملامح الخطر الجدي الناجم عن التباطؤ في الوصول إلى مشتركات عالمية بين الجميع تقوم على أسس ملزمة، أبرزها ترجمة التصورات والمواقف والالتزامات السابقة إلى خطط مدروسة تسابق التدهور، بحيث تكون ناجعة وقادرة على الحد منه، وفاعلة ومنصفة في توزيع الأعباء بحيث لا تكون لصالح طرف على حساب طرف آخر.
تفاوت، بل وتباين القدرات الاقتصادية بين الدول أمر واقع. أيُّ إن الدول تتحمل المسؤولية عن التغير المناخي وتبعاته.. تراشقٌ بات من الأمس.
تركُ الدول النامية والفقيرة نهبا لتحديات لا طاقة لها على مواجهتها أو الحد من مخاطرها، خيار فَقَدَ مبرراته.
وحين أشهرت دولة الإمارات العربية المتحدة مشروعها العلمي والعملي للتصدي لخطر التغيرات المناخية وحددت سقفاً زمنيا للوصول إلى تحقيقه ضمن خطتها الرائدة للوصول إلى الحياد الصفري عام 2050، كانت قد هيأت جميع متطلبات هذا المشروع بأبعاده الاقتصادية والإنسانية والأخلاقية كعضو فاعل في المجتمع الإنساني يقع على كاهله مسؤولية أخلاقية تفرض تجديد أولوياتها وتطويرها استنادا إلى ركائز قوتها في مختلف المجالات، وعلى رأسها الاستثمار في الإنسان أولا، وفي الطبيعة من أجل الإنسان تاليا، والتفاعل مع كنوز الطبيعة في الفضاء وعلى اليابسة بما يعزز ريادتها وخصوصيتها.
معادلة بسيطة سهلة التحقيق قابلة للاعتماد والتطبيق كونها مروحة واسعة تغطي احتياجات الطبيعة والإنسان على حد سواء.
آلاف السنين مرت على استثمار الإنسان في الطبيعة بهدف تطويعها.. حان الوقت اليوم لكي يتجنّد الإنسان ذاته للملمة تمرد أحد تجليات الطبيعة، التي أسهم بحسن نيةٍ في بزوغها وتهديدها لوجوده.
عشر سنوات من العمل المخلص من قبل الجميع، وفقا لتقارير علمية، كافية للحد من الانبعاثات، وهو ما يكفي لتثبيت حرارة كوكبنا عند 1.5 درجة وتجنيبه الانحدار أكثر.
الجفاف والاحتباس الحراري والحرائق غير المسبوقة وثورة البراكين وارتفاع درجات الحرارة كلها مظاهر للتغير المناخي، وكلها عوامل تضغط على الإنسان وتدفع نحو حالات من عدم الاستقرار الاجتماعي ونحو الاضطرابات، وربما الفوضى الناجمة عن ضيق ذات يد الإنسان البسيط.
حان الوقت لإعادة برمجة العلاقة بين الإنسان والطبيعة، إنها مسؤولية إنسانية وأخلاقية ووجودية يجب أن يتصدى لها صناع القرار في قمة جلاسكو.
لا مبالغة في القول إن مصير البشرية على المحك.. لا بد أن تكون نتائج قمة جلاسكو صفحة جديدة في مواجهة مخاطر الطبيعة، التي أسهم في جزء كبير منها بنو البشر.. فالطبيعة لن تتخلى عن كينونتها الذاتية.. الإنسان وحده قادر على ترويضها وتهذيبها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة