تحالف غلاسكو المالي بين حماسة "كوب 26" وبريق الأرباح.. أيهما يفوز؟
مع الحماسة التي أطلقتها قمة المناخ "كوب 26" تسارع إعلان الدول والمؤسسات عن عزمها خفض بصمتها الكربونية.
المؤسسات المالية كانت من بين القطاعات التي أعلنت أنها ستتخلص من الكربون في أعمالها بحلول منتصف القرن الحالي. ورغم حسن البادرة التي أطلقتها تلك المؤسسات لكن يظل سؤال يطرح نفسه، وهو ما إذا كانت لدى تلك البنوك التي اعتادت تحقيق أرباح بالمليارات من صفقات الوقود الأحفوري، إرادة قوية للتوقف عن ذلك؟
وفي هذا الإطار قالت كاثرين هوارث المديرة التنفيذية لـ"شير أكشن"، وهي منظمة متخصصة في حملات وضع معايير الاستثمار، إن "الاختبار الحقيقي للمؤسسات المالية في هذا الشأن هو: هل هي على استعداد للتراجع؟ فهذا يمثل ركيزة أساسية مهمة للمجتمع المالي".
130 تريليون دولار
والتزمت البنوك وشركات الاستثمار والتأمين التي يبلغ إجمالي أصولها 130 تريليون دولار، بالتخلص من الكربون في أعمالها بحلول منتصف القرن.
وكان الحصول على هذا العدد الكبير من الموقعين بمثابة تتويج للحملة التي قادها محافظ "بنك إنجلترا" السابق، مارك كارني، الذي أمضى الجزء الأكبر من العام في جذب المصرفيين عبر القارات، على أمل الكشف عن رقم ضخم في قمة "كوب 26"، وذلك بصفته الرئيس المشارك لـ"تحالف غلاسكو المالي من أجل صافي انبعاثات صفري".
وعن هذا يقول مايكل آر بلومبرج، مالك ومؤسس "بلومبرج نيوز"، والرئيس المشارك لـ"تحالف غلاسكو المالي من أجل صافي انبعاثات صفري"، إنه وفقا لشروط التحالف، يجب على الموقعين الالتزام بإزالة الكربون من عملياتهم بحلول عام 2050.
وتضم قائمة أعضاء التحالف، أكبر الأسماء في وول ستريت، ولندن مثل "جيه بي مورجان"، و"سيتي جروب"، و"مورجان ستانلي"، و"بلاك روك"، و"إتش إس بي سي هولدنج"، إذ يمثل إجمالي أصول الأعضاء معا 40% من الأصول المالية العالمية. لكن القائمة خلت من أكبر 3 بنوك في العالم، وكلها صينية، ومن كبار ممولي قطاع الفحم.
من جانبها، ترى سينثيا كوميس، مديرة التخفيف من آثار المناخ بالقطاع الخاص في "معهد الموارد العالمية"، أن الالتزامات التي وافق عليها أعضاء "تحالف غلاسكو المالي من أجل صافي انبعاثات صفري" سيكون من الصعب ضبطها، فضلا عن أن الإعداد بكامله تطوعي.
وتشير كوميس إلى أنه بالنسبة للمستثمرين وغيرهم ممن يحرصون على تتبع مدى نجاح البنوك في الوفاء بتعهداتها تجاه الالتزام بالانبعاثات الصفرية الصافية؛ فإن هناك بعض المؤشرات الرئيسية التي يجب تتبعها.
وأوضحت أن أحد المؤشرات المهمة التي يجب النظر إليها هو معدل التمويل المستثمر في الوقود الأحفوري، مقابل التدفقات الرأسمالية الموجهة إلى تمويل المناخ، مشيرة إلى أنه إذا نظرت الآن ستجد معدل التمويل الذي يذهب إلى الوقود الأحفوري، أكبر من ضعف رأس المال الذي يذهب إلى تمويل المناخ.
بريق الأرباح
ويدعم كلام كوميس البيانات التي جمعتها بلومبرج والتي ذكرت أن البنوك قدمت تسهيلات لتمويل الوقود الأحفوري منذ اتفاقية باريس عام 2015 بما يقارب 4 تريليونات دولار، وحصلت على إيرادات ورسوم من تلك العمليات تعادل 17 مليار دولار، وفقا للبيانات التي جمعتها بلومبرج. وفي المقابل، قدمت تمويلات بنحو 1.5 تريليون دولار للاستثمارات الخضراء خلال الفترة ذاتها.
كما رتبت البنوك خلال العام الحالي ما يقرب من 460 مليار دولار فقط من السندات والقروض لقطاعات النفط، والغاز، والفحم، من بينها بنوك ضمن "تحالف غلاسكو المالي من أجل صافي انبعاثات صفري"، والتي أكدت أنها لن تخرج بشكل مفاجئ من ذلك المجال.
وبلغت إيرادات "جيه بي مورجان" الذي انضم إلى التحالف الشهر الماضي فقط نحو 985 مليون دولار من الإيرادات منذ نهاية عام 2015 كعوائد لترتيبه إصدار سندات وقروض لقطاعات النفط والغاز والفحم. وفي المقابل، بلغت إيرادات البنك نحو 310 ملايين دولار من التمويل الأخضر.
كذلك أوضح "جولدمان ساكس" الذي انضم مؤخرا للتحالف، عدم توقفه عن العمل مع قطاعات الوقود الأحفوري، محذرا من أثر ذلك التوقف في تسارع وتيرة التضخم. وهو موقف جاء متشابها مع بنوك عديدة أخرى.
200 تريليون في الانتظار
حتى لو بدأ جميع أعضاء "تحالف غلاسكو المالي من أجل صافي انبعاثات صفري" الابتعاد عن تمويل المشاريع المرتبطة بالوقود الأحفوري، سيكون هناك الكثير من رأس المال الذي ينتظر لملء الفراغ.
ففي حين انضم إلى التحالف 450 مؤسسة، هناك ما يفوق هذا العدد من المؤسسات التي لم تنضم إلى التحالف، إذ يوجد نحو 200 تريليون دولار من الأصول المالية خارج التحالف. وبالإضافة إلى الصين، نجد بنوك روسيا والهند خارج القائمة.
كذلك، لم تنضم إلى التحالف آلاف شركات التمويل الأصغر حجما، والتي لا تلتزم بالاستجابة للمستثمرين ذوي العقلية الخضراء، أو الجهات التنظيمية للأسواق المالية.
ويفسر لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك" قائلا: "نشهد الآن أكبر عملية تبادل أصول في أسواق رأس المال في حياتنا، إذ يتم نقل ملكية الأصول الهيدروكربونية العامة لتصبح خاصة".
وأضاف فينك: "هناك تحرك أكبر للابتعاد عن الأصول الهيدروكربونية لتصبح مملوكة للقطاع الخاص، أكثر من أي وقت مضى. وهذا لا يغير هدف صافي الانبعاثات الصفرية، بل يقتصر على تحسين الشكل، مما يعتبر غسيلا أخضر".
زخم متزايد
برغم الانتقادات واتفاق المتشككين على أن مبلغ 130 تريليون دولار رقم كبير جدا لا يمكن تجاهله، إلا أن هناك تزايدا في الزخم، فقد أظهرت بيانات بلومبرج، أن التمويل الإجمالي للمشاريع الخضراء هذا العام تجاوز تمويل الوقود الأحفوري للمرة الأولى.
يقول هيستر وايت رئيس إدارة علاقات العملاء، ورئيس لجنة التنوع والشمول في "بيل هانت" (Peel Hunt)، إن هناك تزايدا في الطلب على الاستثمارات المستدامة من عملاء التجزئة والمؤسسات على حد سواء. كما يتزايد تجنب الكثير من المستثمرين الشركات المدرجة ذات الأنشطة المناخية السلبية.
قال هوو فان ستينيس، المحلل المصرفي المخضرم، والمستشار السابق لـ"بنك إنجلترا"، والذي يقود توجه "يو بي إس جروب" (UBS Group) نحو التمويل المستدام: "لقد وصلنا إلى نقطة تحول في التمويل هذا الأسبوع. بعد مغادرة الأطراف للمؤتمر، سينصب التركيز على الحصول على البيانات، وتحديد المعايير الصحيحة، والمشاركة مع الشركات في تمويل الانتقال إلى الطاقة النظيفة".
ورغم تلك البوادر المبشرة إلا أنه يبدو أن هناك طريق شائك أمام تلك المؤسسات لبلوغ أهدافها المقرر بلوغها في 2050.
وتعهدت بنوك وصناديق، تمثل 40% من الأصول المالية بالعالم، بتحقيق الأهداف المنصوص عليها في اتفاقية باريس للمناخ، بعدما ارتفع عدد أعضاء التحالف الذي أيده محافظ البنك المركزي الإنجليزي السابق مارك كارني تحت أنظار العالم الذي يزداد قلقه بشأن الاحتباس الحراري.
وتنتمي حاليا أكثر من 450 شركة، تدير 130 تريليون دولار من الأصول، إلى "تحالف جلاسكو المالي لصفر الانبعاثات"، أي حوالي ضعف ما يقرب من 70 تريليون دولار، عندما تم إطلاق التحالف في شهر أبريل/نيسان الماضي.
aXA6IDE4LjE4OS4xODQuOTkg جزيرة ام اند امز