الوقود الأحفوري وسر المادة 28.. هكذا حقق COP28 المعادلة الصعبة (تحليل)
نجح COP28 في تطوير منظومة مؤتمرات الأطراف وإدراج بنود شاملة تتعلق بالوقود التقليدي (الأحفوري) لأول مرة في نص الاتفاق النهائي.
فبعد أسبوعين من المفاوضات خاصة في مراحلها النهائية التي شهدت جهودا غير خافية لدولة الإمارات ولرئاسة COP28 خاصة بشأن الحفاظ على معادلة "الطموح المناخي" و"التوافق وعدم الخلاف"، تحديدا في ملف من أصعب ملفات المؤتمر وهو التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري دون التنازل عن أهداف الأجندة المناخية العالمية.
وعلى ذلك في مؤتمر الأطراف COP28، جاء اتفاق الإمارات ليُبقي الهدف المنشود بالحفاظ على إمكانية تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية أمرا ممكنا.
- رحلة الهدف 1.5 درجة مئوية.. COP28 ينتصر لكوكب الأرض (تحليل)
- الأضخم والأعلى طموحا.. قراءة في أهم قرارات COP28
وفي نفس الوقت اتسمت إدارة COP28 في هذا الملف بالعقلانية الشديدة والواقعية التي تأخذ كل وجهات النظر في الاعتبار، ولا تستثني أحدا من أصحاب المصلحة والمعنيين وتحقيق التوازن وليس "الحلول الوسط"، بين الطموح المناخي وإمكانية تحقيق الهدف".
وجاء البند الـ28 من اتفاق الإمارات معبرا عن قناعة رئاسة COP28 أنه لا حلول وسط في أهداف المناخ، ولكن العبرة بكيفية التطبيق ووجود الإرادة السياسية لتحقيق الأهداف بشكل متوازن.
وقال تقرير نشرته مجلة الايكونوميست إنه عندما اجتمع ممثلو الدول والناشطون في وقت سابق في دبي لحضور قمة المناخ التي عقدتها الأمم المتحدة قبل أسبوعين، بدت فرص التوصل إلى اتفاق هام ضئيلة.
فقد كانت الحرب قد استعرت في الشرق الأوسط وبدا تمزق النظام الجيوسياسي، كما أن اختيار دولة الامارات وهي أحد منتجي النفط واختيار الدكتور سلطان بن أحمد الجابر لرئاسة مؤتمر الأطراف وهو الذي يرأس بالفعل شركة أدنوك أحد عمالقة إنتاج النفط في العالم قد أثار مزيدا من الشكوك بشأن تحوليهما الحدث الدولي الهام إلى فرصة لتحسين الصورة العالمية بشأن البيئة.
لكن مؤتمر COP28 تحدى هؤلاء المتشائمين حيث إنه للمرة الأولى يوافق العالم على الابتعاد عن الفحم والنفط والغاز الطبيعي التي تشكل الأسباب الرئيسية لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.
واتفقت الدول الـ 198 الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على نص يدعو إلى التحول عن الوقود الأحفوري "في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة".
فيما يشعر البعض بخيبة أمل انتابت اللذين هاجموا الجابر قبل انطلاق COP28، لتتغير لغتهم وتتبدل الألسنة بعد النجاح الباهر فور إعلان اتفاق الإمارات التاريخي.
"المادة 28" وإعادة كتابة تاريخ المناخ
جاءت المادة 28 من نص "اتفاق الإمارات" التاريخي ليضيف هذا البند تحديدا نجاحا كبيرا وثمرة لجهود الإمارات بشكل خاص ورئاسة المؤتمر في مسألة الوقود الأحفوري والتحول للطاقة النظيفة".
ولأول مرة في تاريخ مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ يتم النص صراحة على الوقود الأحفوري بكافة أنواعه.
وجاء في نص المادة 28 من الاتفاق "التحول عن استخدام الوقود الأحفوري في نظم الطاقة ابتداء من العقد الحالي بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة لتحقيق صافي انبعاثات صفر بحلول عام 2050 بما يتماشى مع العلم".
كما جاء فيها: "رفع قدرة الطاقة المتجددة عالميا إلى ثلاثة أمثالها ومضاعفة المعدل السنوي العالمي لتحسين كفاءة استخدام الطاقة بحلول 2030".
وحققت المادة توازنا وعقلانيا دون تنازل، بل بالتوافق مما يفيد كلاً من البلدان الصغيرة النامية والدول ذات الاقتصادات الكبيرة، ويسهم في تحقيق تقدم جوهري نحو تنفيذ الأهداف المناخية العالمية وتوفير الاستثمارات اللازمة لتحقيقها.
وتعليقا على هذه المادة بشكل خاص يقول الدكتور سمير طنطاوي، استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة، في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية": "إن التخارج من الوقود الأحفوري بجميع أنواعه أهم مخرجات الاتفاق النهائي لـCOP28، وهذا إنجاز غير مسبوق، ولأول مرة يتم النص عليه صراحة".
وأضاف طنطاوي: "ما ورد في المادة 28 من اتفاق الإمارات يعتبر إنجازا غير مسبوق، حيث تشير إلى الانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري، ولأول مرة يتم ذكر الوقود الحفري، وتشمل النفط والغاز والفحم".
وكان COP26 غلاسكو ذكر الفحم، وبعده عاد COP27 ليؤكد ما أشار إليه COP26 بشأن الفحم، لكن لأول مرة يذكر بشكل صريح الوقود الأحفوري صراحة.
جودة الاتفاق
أسهم الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة رئيس مؤتمر الأطراف COP28، وبالتعاون مع فريقه في تحرك سريع ومؤثر في اللحظات الحاسمة والساعات الأخير من المؤتمر للوصول لهذا الاتفاق التاريخي وتقريب وجهات النظر ودفع الأطراف باتجاه تحقيق هذا الاختراق المهم وغير المسبوق في ملف الوقود الأحفوري بشكل خاص لتحقيق أهداق "قمة الطموح المناخي".
وعن ذلك يؤكد الجابر أن "جودة الاتفاق من جودة تنفيذه، وهذا الاتفاق التاريخي ليس سوى بداية الطريق".
ويوفر الاتفاق حسب مصدر تحدث لوكالة رويترز "قائمة خيارات لكل دولة لتتبع مسارها الخاص نحو تحول الطاقة"، لكن يحافظ في الوقت نفسه على الهدف الأهم، وهو التحول والتدريج في التحول وفق خصوصية المعطيات لكل حالة، لكنه في الوقت نفسه استطاع أن يحقق هذه الخرق في الملف الصعب بالنص صراحة على "الوقود الأحفوري".
ويرى هشام عيسى، استشاري التغيرات المناخية، عضو فريق التفاوض المصري السابق في اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ، أن النص في "اتفاق الإمارات" على بدء التخلي عن الوقود الأحفوري يجعل مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في دبي إحدى أهم المحطات التاريخية للعمل المناخي العالمي.
وأشار في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية" إلى أن نتائج هذه القرارات تتوقف على إرادة الدول في التنفيذ، وكذلك على المستوى الدولي والمؤسسات والمنظمات ذات الاختصاص في تهيئة الظروف والمتابعة وتوفير الإمكانيات لمزيد من التعاون الدولية، وإدماج أبعاد المناخ في أي خطوة قادمة.
وأضاف عيسى أنه يأمل أن تكون هذه القرارات هي البداية الصحيحة وتوافر الإرادة للمجتمع الدولي للحفاظ على درجة الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية.
تمت المهمة.. وتبقى الإرادة السياسية للعالم
بعد إتمام مهمة COP28 التي خاضتها دولة الإمارات بشجاعة ومهارة واقتدار حسب شهادات جاءت من الشرق والغرب للإشادة بنتائج المؤتمر، وما توصل إليه من نتائج وإنجازات، قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات "مع اختتام مؤتمر الأطراف COP28 في دولة الإمارات العربية المتحدة، أودُّ أن أتوجّه بالشكر إلى جميع الوفود المشاركة التي عملت معًا للتوصّل إلى اتفاق الإمارات التاريخي الذي يرمي إلى تسريع العمل المناخي".
وأشاد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بجهود الفرق المحلية والدولية التي أسهمت في التنظيم الناجح لهذا المؤتمر.
وبعد أن نجحت دولة الإمارات في إنجاز مهمتها في الحدث المناخي الأهم عالميا، وحققت هذا الخرق في واحد من أعقد الملفات التفاوضية في مؤتمرات المناخ، يبقى ترجمة قرارات خفض انبعاثات الميثان، أو بدء التخلي عن الوقود الأحفوري مرهونة بالإرادة السياسية لدول العالم للبناء على ما توصل إليه COP28.
ترجمة قرارات المؤتمر تنتظر الفعالة والتحرك العملي على كافة مستويات العمل الوطنية والدولية المشتركة وكذلك تحرك وعمل والمؤسسات والمنظمات ذات الاختصاص في تهيئة الظروف والمتابعة وتوفير الإمكانيات لمزيد من التعاون الدولية، وإدماج أبعاد المناخ في مشاريع واستثمارات وخطوات ملموسة تسهم في إنقاذ كوكب الأرض ووقف "الفوضى المناخية".
وكما قال الأمين العام التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ: "هذه النسخة من COP يجب أن تصبح نقطة انطلاق للسنوات الحاسمة المقبلة".
وبهذا الاختراق في هذا الملف الصعب والنقطة الفاصلة في العمل المناخي الدولي يسجل COP28 نقطة مضيئة في تاريخ العمل المناخي العالمي، تذكر له وتؤكد ما ذهبت إليه رئاسة المؤتمر بأنه "يمكن أن نتفق جميعا على أن مؤتمر الأطراف COP28 مختلف، وشهدنا فيه كيف يصنع التاريخ".
دعم سعودي
ووسط شكوك حول قدرة إدارة COP28، على التوصل لاتفاق مع المفاوضين، قدم عدنان أمين، الرئيس التنفيذي لمؤتمر الأطراف للمناخ أول بادرة أمل ليلة الاتفاق ذاتها، وقال بعد خروجه من مكاتب هيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة للحظة وجيزة، إن المندوبين يوشكون على التوصل إلى اتفاق، وسرعان ما أضاف عبارة "إن شاء الله" باللغة العربية لحديثه.
كذلك ظهر الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي كداعم للمحادثات، حيث شارك فيها بعد منتصف الليل بقليل، وبعد مداخلته في وقت سابق في مؤتمر COP28، ظن العديد من الحاضرين أن الأمير هو الأكثر رفضا لمكافحة تغير المناخk لكنه على النقيض من ذلك، حاول التوصل إلى صفقة مناخية تفوق التوقعاتk وأقنع مجموعة من الدول النامية بما فيها الهند والصين بأن هذا الاتفاق يمكن أن يقبله المتشككون.
على خلفية ذلك خرجت النتيجة التاريخية وعلى الرغم من أنها لم ترض جميع الأطراف، لكنها كانت مقبولة لدى الجميع.
قرار عالمي ولقاءات تاريخية
لم يوحد قرار COP28 الخاص بالوقود الأحفوري العالم فقط حول وجهة نظر واحدة، بل وحد القطبين المتنافرين "الصين وأمريكا"، فجون كيري، مبعوث المناخ الأمريكي، ونظيره الصيني شي تشن هوا، شخصيتين محوريتين في جمع محافل المناخ وكانت العلاقة الخاصة بين الدبلوماسيين المخضرمين التي تطورت بعد سنوات من الجلوس مقابل بعضهما البعض على طاولة المفاوضات عاملا رئيسيا في التقدم المناخي العالمي على مر السنين، وخاصة في COP28,
وربما تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يشكل فيها الاثنان مركز القوة في محادثات مؤتمر الأطراف، حيث من المتوقع تقاعد شي، وليس من الواضح ما إذا كان كيري، الذي بلغ الثمانين من عمره في وقت سابق من الأسبوع الماضي، سيبقى في منصبه. وتضمنت اجتماعاتهما العديدة في دبي احتفالات بعيد ميلاد كيري، حيث قدم شي له سلسلة من الصور المؤثرة لهما معا، وأعطى حفيده للمبعوث الأمريكي بطاقة.
وتذكر كيري وقتها كيف كانت المشاعر متأججة يوم الثلاثاء. وقال إن وزيرا من دولة منتجة للوقود الأحفوري قال له: "لا يمكنك أن تطلب منا الانتحار اقتصاديا"، فيما عقد المفاوضون الأوروبيون اجتماعين شاقين على الأقل مع الوفد السعودي.
عمل المفاوضون حتى ليل الثلاثاء، وعدلا لغة القرار في محاولة لإرضاء جميع الأطراف. وشمل ذلك الهند التي تعتمد على الفحم، وكبار منتجي النفط والغاز مثل العراق.
كانت الدول النامية، وخصوصا في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، ترغب في الحصول على التزامات ممهورة بالدعم المالي مع التأكد من وضع ظروفها الاقتصادية في عين الاعتبار.
وكانت الاجتماعات الدولية السابقة بمثابة اللبنات الأساسية للاتفاق، واستلهمت التعديلات ثلاث كلمات رئيسية من البيان الصادر مؤخرا عن منتدى جزر المحيط الهادئ، وهي: "التحول بعيدا عن" الوقود الأحفوري بدلا من "التخلص التدريجي" أو "الخفض التدريجي"، فيما تم استشفاف اللغة التي تجبر الدول على وضع تعهدات مناخية.
بعد تلك الكواليس وهذا الاتفاق التاريخي رحب العالم بالقرار، وأشاد رئيس وزراء سلوفينيا روبرت جولوب بمخرجات مؤتمر الأطراف COP28 في ملفات الطاقة والتحول بعيداً عن الوقود الأحفوري.
وأضاف روبرت جولوب، في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، أن مؤتمر COP28 جعل دول العالم تتحد خلف هدف شديد الأهمية، وكان الاتفاق التاريخي حول الوقود الأحفوري بمثابة البداية الصحيحة نحو مواجهة تداعيات التغيرات المناخية وارتفاع وتيرة الاحترار العالمي.
وقال جولوب: "كنا سعداء جداً لأننا استطعنا أن نصل لاتفاق شامل، وأعتقد أن الأمر سيكون كئيباً جدًا لو غادرنا قبل القرار النهائي، ولكن في نهاية اليوم الختامي بالمؤتمر، كنا راضين عما تقرر".
وأضاف: "إنها الخطوة الأولى للخروج من عصر الوقود الأحفوري، ودعونا نأمل أن يظل الأمر كذلك".
وعبر جولوب عن تفاؤله بمخرجات المؤتمر، قائلاً: "نعم نحن متفائلون، ولكن من الصحيح أيضًا أننا أفضل كثيرًا في مجال الطاقة النووية مقارنة ببعض الدول الأخرى التي لا تفعل ذلك، ونعتقد أن الطاقة النووية جزء من الحل وليست جزءًا من المشكلة، وإذا استمر ذلك أعتقد أننا سوف نكون مستعدين للتخلص من الوقود الأحفوري بشكل عام من خلال بدائل أخرى نظيفة ومتجددة".
aXA6IDMuMTQyLjE5OC41MSA= جزيرة ام اند امز