لجائحة كورونا على ما يبدو سلسلة من المتحورات التي لا تنتهي.
نسخة أوميكرون، التي ظهرت مؤخرا لا يبدو أنها ستكون الأخيرة، ومع كل طفرة جديدة للفيروس يعيش العالم كله تحت تهديد الإغلاق والعزلة وكل ما يحمله ذلك من تداعيات اجتماعية واقتصادية على الدول والشعوب في الشرق والغرب.
حتى ظهور أوميكرون كان الاعتقاد السائد بأن التطعيم هو الحل، ومن يوفق بأخذ جرعتين من أحد لقاحات كورونا العديدة ينال حريته، ويتجاوز الخوف من الحجر والفحوصات وجميع قيود العيش الطبيعي مثل السفر والتسوق.. حتى الكمامة كانت لتصبح من الماضي بالنسبة للمطعمين قبل ولادة المتحور الجديد.
بين ليلة وضحاها خرج أوميكرون إلى العلن.. اكتُشف في أقصى القارة الأفريقية ولكنه أعاد العالم بأكمله إلى المربع الصفر، فتداعت أحلام المطعمين وخبت تطلعات قطاعات الاقتصاد المختلفة إلى انتعاشة وتجاوز لأزمة الجائحة التي أثقلت كاهلها على مدار نحو عامين، ولم تسلم منها صناعة أو تجارة أو خدمة.
أسعار النفط قد بدأت الصعود قبيل أوميكرون، وكانت الولايات المتحدة ودول أوروبية عدة تضغط على منتجي الذهب الأسود من أجل زيادة الإنتاج وتخفيض الأسعار.
تكفّل المتحور الجديد لكورونا بالأمر، وهبط بكل المؤشرات الاقتصادية لحظة الإعلان عنه.
ما حدث في العالم عند اكتشاف أوميكرون وقع مثله بدرجات مختلفة عند ظهور السلالات المتحورة السابقة لكورونا.. وبات الأمر وكأن دول العالم يجب أن تبقى في حالة تأهب مستمرة استعدادا للتقوقع والانكفاء على الذات عند ظهور متحور جديد.
هل يُعقل أن يعيش الكوكب برمته في دائرة الخوف هذه، وكأن الوباء لن ينتهي أبداً، والعلم لن يخرج بحل يجعل كورونا مثل السل أو الكوليرا أو غيرها من الأمراض التي يتلقى فيها المرء جرعة واحدة من اللقاح طوال حياته، أو يحيل كوفيد-19 إلى نوع من أنواع الزكام الذي يمكن التصدي له بجرعة لقاح سنوي دون الحاجة إلى إثارة القلق وإغلاق حدود الدول، وترهيب الشعوب والاقتصادات معاً؟
ثمة نوع من المبالغة بات يظهر في تعامل الحكومات مع فيروس كورونا وسلالاته مؤخرا.. فتلك المؤتمرات الصحفية والبيانات والقيود والإجراءات السريعة، التي تصاحب كل إعلان عن متحور جديد، تجعلك تتساءل عن جدوى كل ما أنتج من لقاحات، وكل ما اخترع وأعد وصنع لمواجهة الوباء طوال عامين.
المبالغة في رد الفعل الحكومي هو ما يتلمسه الناس في كثير من الدول، فيرفضون اللقاح، أو يعارضون إجراءات الإغلاق وتقييد الحياة والسفر.
هذا الرفض للإغلاق ليس محمولا على نظرية المؤامرة وفرضية تصنيع الفيروس بأيدٍ بشرية، وإنما ينطوي على تساؤل مشروع حول صواب الكيفية المتبعة في التعامل مع الجائحة، إنْ كان القلق من تداعياتها لا ينتهي أبدا.
من مظاهر المبالغة الفجة، التي ترافقت مع ظهور أوميكرون، وقف كل رحلات الطيران فورا من وإلى دولة جنوب أفريقيا، التي ظهر فيها المتحور الجديد.. كان الأمر سريعا جدا ونُفّذ حتى قبل أن تتأكد منظمة الصحة العالمية من أن هذه السلالة من كورونا أكثر خطورة من سابقاتها ولا يجدي معها اللقاح.
حتى كتابة هذه السطور يعيش العالم ترقباً لأي نبأ جديد يؤكد أن حالة الهلع التي أصابت العالم بسبب المتحور الجديد كانت منطقية، أو نبأ يجدد التأكيد أن المبالغة في رد الفعل باتت حقيقة واضحة في سلوك بعض الحكومات.
وفي انتظار أي منهما لا تملك منظمة الصحة العالمية أي يقين، وهي تتمنى إعلان شركة من شركات إنتاج اللقاحات عن فعالية لقاحها في مواجهة أوميكرون.
يقول رأي، إنّ أخْذ الحيطة والحذر هو ما تقوم به الدول في مواجهة أي متحور جديد للوباء خشية الأسوأ.. والمقصود بالأسوأ هنا هو عجز الأنظمة الصحية عن احتواء أعداد كبيرة من الإصابات إن انتشر المتحور.
ولكن المفارقة أن غالبية البلدان التي تخشى على مستشفياتها، هي تلك التي حقق التطعيم فيها نسبا عالية بين السكان، وهي أيضا دول منتجة للقاحات ومنتجة لأدوية فعالة في معالجة أعراض كوفيد-19 وتقليص آثاره إلى حدود تجعله مشابها للزكام وحالات البرد العادية.
السؤال هنا، إنْ كان الفيروس لا يزال حتى الآن يحتاج إلى كل البرامج والإجراءات الوقائية التي تقوم بها الدول الغنية، فماذا تفعل الدول الفقيرة في مواجهة الوباء؟ ولماذا لم نسمع عن انهيار الأنظمة الصحية في آسيا وأفريقيا، حيث لا تمتلك حكومات كثيرة مستشفيات مؤهلة، أو جرعات لقاح تكفي لرُبع السكان؟
صحيح أن أعداد الإصابات بوباء كورونا لا تزال في ازدياد مستمر حول العالم، ولكن أعداد الوفيات توقفت عن القفز إلى مستويات قياسية منذ زمن.. باتت لا تكاد تذكر مقارنة بأيام تحولت فيها الحدائق والأماكن العامة إلى مدافن.
حتى أعداد من يدخلون المستشفيات بسبب الفيروس قد تراجعت إلى حد كبير جداً، واقتصرت على من يعانون أصلاً أمراضا تفاقم تأثير كوفيد-19 وجميع سلالاته اللاحقة.
تسمية أوميكرون تعود للحرف الخامس عشر في اللغة اللاتينية، وهذا يعني أن أربعة عشر متحورا سبق السلالة الجديدة، وهناك ثمانية أحرف قد تعبر عن أنماط قادمة من فيروس كورونا المستجد.
الرئيس التنفيذي لإحدى شركات اللقاح يقول إن جرعة رابعة من اللقاح قد تكون مطلوبة في نهاية المطاف للتعامل مع المتحور أوميكرون، وبالتالي قد نحتاج إلى خمس أو ست أو ربما عشر جرعات لمواجهة السلالات المقبلة من الفيروس، ومع مسلسل لا مُنتهٍ من المتحورات لن يبقى قطاعٌ واحد قادرا على العمل والاستمرار في العالم سوى صناعة الأدوية والأمصال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة