اختتمت قمة الرئيس الأمريكي جو بايدن الافتراضية، التي نظمها حول الديمقراطية، وسط انتقادات حادة من الصين وروسيا.
جاء ذلك فضلاً عن المواقف غير المرحبة بالقمة من بعض السياسيين في الولايات المتحدة.
ومهما يكن من أمر، فإن قمة الديمقراطية هذه تمثل فرصة في لحظة ملحة ترى إدارة "بايدن" أنه من الصعب تبديدها، وبدلاً من تعيين نفسها كقاضٍ للمعايير الديمقراطية، سمحت إدارة "بايدن" بدرجة من الاختيار الذاتي من قِبل الحكومات المهتمة لتقديم أطروحاتها باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان.
بالعودة إلى الماضي القريب، وفي أغسطس الماضي تحديدا، صرح الرئيس الأمريكي بأن تحدي هذا العصر يتمثل في إثبات قدرة الديمقراطيات على تحقيق النتائج من خلال تحسين حياة شعوبها ومعالجة أكبر المشكلات، التي تواجه العالم الأوسع.
والحق أن "بايدن" أعاد تنشيط الديمقراطية في الداخل الأمريكي في الأشهر الستة الأولى من ولايته، فقام بتمرير خطة الإنقاذ الأمريكية وتطوير تشريعات الحزبين للاستثمار في البنية التحتية والقدرة التنافسية.. وأيضا كان لافتا في التصريح المذكور إعلان "بايدن" أنه سيجمع قادة من مجموعة متنوعة من الديمقراطيات في العالم في قمة افتراضية من أجل الديمقراطية في ديسمبر/كانون الأول، وستضم التزامات ومبادرات تدور حول ثلاثة محاور رئيسية، وهي الدفاع ضد الاستبداد ومكافحة الفساد وتعزيز احترام حقوق الإنسان.
وبعد عام من التشاور والتنسيق والعمل، يدعو الرئيس "بايدن" بعد ذلك قادة العالم للاجتماع مرة أخرى لاستعراض التقدم المحرَز بالمقارنة مع التزاماتهم.
من خلال متابعتي المباشرة للقمة استوقفني أولا كيف أن قائمة الاختيارات الأمريكية تعكس كيف تلجأ إدارة "بايدن" إلى تحقيق التوازن بين مصالح الأمن القومي الأوسع للولايات المتحدة، وعلى رأسها مواجهة الصين الصاعدة وروسيا المتحفزة عسكرياً، وبين القيم والمثل الأعلى المتمثلة في وضوح الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد، لكن يبدو أن الرئيس "بايدن" عمد إلى توسيع شبكة المشاركة الرسمية بالقمة، مع الحرص على عدم استعداء الحلفاء حتى يتحقق الغرض المنشود بأن أمريكا تقود العالم الديمقراطي في مواجهة الذين يحاولون أن يقدموا نموذجاً سيئاً للعالم من "الاستبداد".
فباستثناء بعض الدول الحليفة، بما فيها تركيا العضو في حلف الناتو، اتخذت واشنطن نهجاً مختلفاً قائماً على الالتزامات، وليس على الشروط، فقد طلبت من الحكومات المهتمة أن تخلق مبادرات أو تشرع في تطبيق إصلاحات ذاتية للديمقراطية، ليتم طرحها في القمة وتنفيذها خلال العام التالي كما قلنا سابقا.
هنا في واشنطن أجريت خلال الأيام الثلاثة الماضية لقاءات عدة مع خبراء وساسة أمريكيين رأى كثير منهم أن الولايات المتحدة ذاتها ليست في أفضل وضع لقيادة هذا الجهد العالمي لدعم الديمقراطية والقيم الليبرالية.
على الدوام وحتى قبيل القمة يعلن الساسة الأمريكيون أن نهج الولايات المتحدة هو الوصول إلى مجموعة متنوعة من الديمقراطيات الإقليمية، والتي سيؤدي تقدمها والتزاماتها إلى تعزيز عالم أكثر عدلاً وسلماً، وأن الولايات المتحدة تريد أن تعمل مع الجميع لمعالجة الانتكاسات، التي تواجه الديمقراطيات، داخلياً أو خارجياً على المدى الطويل، وتريد إشراك جميع البلدان، التي تُظهر استعداداً حقيقياً لتقديم التزامات، وأن من أولويات هذه الإدارة دعم وسائل الإعلام الحرة المستقلة، وحماية الإصلاحيين الديمقراطيين، وتعزيز انتخابات حرة ونزيهة حول العالم، ودعم الابتكار والتطورات التكنولوجية، التي تساعد في تأكيد وتقوية الإنسان وحقوقه، وتأكيد الاندماج والمعايير الديمقراطية.
في الخلاصة، فإن هذه القمة التي تزعم أمريكا أنها من أجل الديمقراطية، تعيدنا إلى أجواء الحرب الباردة والتنافس الاقتصادي والعسكري، الذي ثبت بالتجربة مدى ضرره على الإنسانية بدلًا من العمل المشترك على حل القضايا التي تهدد الإنسانية كجائحة كورونا والتغير المناخي وغيرهما من المشكلات.
ومن الواضح أن أحد أهم أهداف هذه القمة هو إعادة الولايات المتحدة لقيادة العالم بعد أن تراجعت هيبتها ومكانتها عالميًا على مدى العشرين عامًا الأخيرة.
مشكلة أمريكا مع الصين أو روسيا ليست حول الديمقراطية، بل اقتصادية وجيوسياسية، فالصين تشكل أكبر منافس اقتصادي وتكنولوجي للولايات المتحدة، وهي مرشحة أن تحتل المكانة رقم واحد عالميًا بعد عقد من الزمان.. كذلك روسيا.. بالرغم من أنها لا تنافس أمريكا اقتصاديًا فإن استردادها عافيتها بعد فترة من انهيار الاتحاد السوفييتي وصعودها العسكري والسياسي أثر على النفوذ الأمريكي في مناطق كالشرق الأوسط على سبيل المثال، حتى لو حاول البعض أن ينأى بنفسه عن القول إن هدف القمة الأول والأخير هو قيادة تحالف كافٍ يعطي الذريعة للولايات المتحدة بالضغط على الدول ومحاربتها اقتصاديًا وسياسيًا بشتى الوسائل وأهمها العقوبات الاقتصادية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة