كوابيس كورونا المرعبة تلاحق "عائدا من الموت"
ما زالت الذكريات المرة تكمن بتفاصيلها المؤلمة في ذاكرة الأردني عبدالله بشيتي وتعيد إليه بين الحين والآخر صوراً مرعبة من الفترة التي قضاها في غرفة الرعاية المركزة بعد إصابته بفيروس كورونا.
من بين اللحظات التي تستعصي على النسيان تلك اللحظة التي أفاق من غيبوبة تعرّض لها إثر انقطاع مفاجئ للأكسجين، عندما رأى الأطباء يرفعون أيديهم بالدعاء.
تلمع في ذاكرة الرجل البالغ من العمر 38 عاماً نوبات الهلوسة والهذيان التي كانت تصيبه ابتداء من تصور مشاهد يوم القيامة إلى كابوس الوجود في منطقة حرب، والتي ظل يعاني منها وهو يحارب للبقاء على مدى 37 يوماً في جناح للعناية المركزة في مستشفى خاص بعمان.
بعد أن استعاد وعيه في أحد الأيام، رأى خمسة أطباء واقفين بجانب سريره يقولون "عبدالله قول آمين.. عبدالله قول يا رب".
وقال بشيتي: "شعرت بأن هناك من ينتزع روحي.. كان فعلاً شعور كثير يخوّف".
في لحظة يأس ظن فيها أنه مفارق الحياة في يناير/كانون الثاني، بعث رسالة إلى أقرب أصدقائه، يطلب منه فيها البر بأسرته وضمان مراسم غسل ودفن على الطريقة الإسلامية.
نُقل بشيتي إلى المستشفى في الموجة الثانية من الإصابات التي انحسرت الآن لكنها تسببت في مئات الوفيات أسبوعياً، مما أحدث صدمة في المجتمعات شديد التماسك.
هرعت السلطات لتدبير أسرة إضافية في المستشفيات خوفاً من انهيار القطاع الصحي، بعدما أصبحت أجنحة العناية المركزة مكتظة عن آخرها واقترب معدل الإشغال في مستشفيات كثيرة من الطاقة الاستيعابية القصوى.
ومثل الكثيرين من مرضى كوفيد-19 في الأردن، ينشغل بشيتي وهو رجل أعمال بالعودة للعمل أكثر من الاهتمام بصحته النفسية.
ضغط عصبي
يقول أطباء نفسيون في الأردن إن الناجين من محنة كوفيد يعانون القلق ونوبات الهلع والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، معربين عن مخاوفهم من أن ترافقهم هذه الأعراض مدى الحياة.
وقال نائل العدوان، مدير المركز الوطني للصحة النفسية، إن الوزارة خصصت خطاً ساخناً على مدار 24 ساعة لتقديم الدعم في مجال الصحة النفسية.
بدوره، قال وليد سرحان، وهو طبيب نفسي بارز، إن الأطباء النفسيين يلاحظون زيادة في أعداد المرضى الناجين من كوفيد-19 الذين عولجوا في السابق في المستشفيات إضافة إلى من يعالجون من تأثيرات العزل العام على مدى أشهر.
وفي عيادة تكتظ بالمرضى الذين ينتظرون مقابلته في عمان، قال سرحان إن الناس يتعرضون لجرعة غير عادية من الرعب في وحدات العناية المركزة.
وأضاف أن من يعاني من مضاعفات ويحتاج إلى إجراءات قصوى للإنقاذ، يرى الموت بعينيه، ولا يختلف الأمر كثيرا عن انهيار مبنى على إنسان أو إصابة منزله بصاروخ.
وسجل الأردن 9500 وفاة بكوفيد-19، توفي بعضهم بعد قضاء فترة من الوقت في أجنحة العناية المركزة. وبلغ إجمالي الحالات المؤكدة حوالي 738 ألفا في بلد يبلغ عدد سكانه عشرة ملايين نسمة.