أقل ما نريده هو حظر دخول الحالات المصابة أو المشتبه بها وتكثيف التوعية لكورونا ورفع جاهزية مستشفياتنا وطواقمنا
حتى هذه اللحظة يتداول الناس في المجتمعات الأخبار والمستجدات حول "كورونا".. وتتجدد التحذيرات الدولية حول هذا المرض الذي فتك بأجهزة دول عظمى وأولها الصين المصدرة للوباء، والذي جعلها تخسر الأرواح ومليارات الدولارات مع تصدر أخبارها عناوين الصحف العالمية في موجة أثارت الرعب بين ملايين البشر.. فلا أغلى من الصحة طبعاً!
يفتح هذا المرض ملفاً مهماً يجب أن يتعزز حضوره وتباحثه بجدية على طاولات النقاش العالمية، ألا وهو "كيف نعزز استجابة المجتمعات المعرضة لخطر الكوارث الصحية تحديدًا؟".
أقل ما نريده هو حظر دخول الحالات المصابة أو المشتبه بها وتكثيف التوعية لكورونا ورفع جاهزية مستشفياتنا وطواقمنا، إلى جانب إطلاع المجتمع بالمستجدات اليومية لهذا المرض عبر شتى وسائل التواصل الجماهيري.
فمع تسجيل كل حالة إصابة جديدة داخل البلد، يعبر الناس عن تخوفهم وتتزايد تساؤلاتهم حول الإجراءات المتبعة وكيفية دخول حالات مصابة عبر المنافذ المعروفة ومدى جاهزيتنا الطبية وتمرس طواقمنا للتعامل مع الأمراض الفتاكة التي ترفع درجة التحدير إلى حالة التأهب القصوى والطوارئ.
وهنا تأتي في مقدمة الاحتياجات بالتوازي مع السياسات الوطنية لإدارة المخاطر الحاجة إلى طمأنة الناس وتهدئتهم، فلا يكفي أن نقول "لا تتداولوا الشائعات، فنحن بخير".
بل كيف نتعامل مع ما يطرأ علينا بفهم عالٍ وسط توعية تشمل كل فئات المجتمع، وهنا أذكر موقفاً حدث لي مع ابني الذي جاءني مرعوباً وهو يقول إنه لن يذهب إلى المدرسة لأنه سمع حديثاً بين زملائه عن مرض منتشر ويتسبب في الموت وهو لا يتجاوز العاشرة من عمره.
مدارسنا، جهات عملنا، بيوتنا، مجالسنا، عجائزنا وأطفالنا وحتى شبابنا تشير أحاديثهم المتخوفة إلى قلة الوعي الصحي حول أوبئة كهذه.. فأين يكمن الخلل؟
هل في ضعف التثقيف الصحي بشأن كورونا وما شابهه؟، أم في طرق التوعية التي قد لا تتعدى عتبة أبواب الهيئات الصحية وصفحاتها الإلكترونية أم في عقول الناس التي تفيق عند اقتراب الخطر واختراقه لجغرافيتهم؟
هذه التساؤلات مشروعة حتى وإن قامت وزارة الصحة ووقاية المجتمع والهيئات الصحية والكوارث الطبيعية والأزمات بعقد اجتماعات طارئة وإصدار بيانات تطمينية عند بدء الأزمة لتهدئة الناس ودرء الشائعات، فتطور المرض كما يبدو سريعاً والتهامه للأرواح مخيفاً ولا أغلى على الإنسان من صحته وحياته.
إذاً.. ما هو المطلوب وكيف نصل لشريحة واسعة من الجمهور لوضعهم في قلب التطورات والأهم من ذلك كله.. ما هي الوسيلة لذلك؟
لا شك أن إشراك الإعلام وتحفيزه على إنتاج مواد تثقيفية وتوعوية أمر مهم للغاية، ومثله في المدارس والجامعات بعقد محاضرات وندوات تناسب أعمار وفهم الطلبة، إلا أن ذلك ليس كافياً.
فالصين مثلاً حتى الطائرات بدون طيار والمعروفة بالـ"درونز" وظفتها بشكل ذكي للتحليق فوق التجمعات البشرية وحث الناس على ارتداء الكمامات لحماية أنفسهم، فهل نملك استراتيجيات وسياسات تذهب لنفس الاتجاه بحيث تصنع منظومة صحية قوية وإنسانية في آن.
منظمة الصحة العالمية تشير في إحدى منشوراتها إلى أن زيادة إدراك التعرض للكوارث أثارت اهتماماً واسعاً بآليات الوقاية والاستعداد والاستجابة، وتشمل مبادرات تلطيف الكوارث المكوناتِ الفعالة والسابقة للحدث استباقياً التي تؤدي فيها الأنظمة الصحية الدور الرئيس ولعل من بينها وجود تيار بحثي واسع.. وهو ليس بالأمر الصعب على دول تملك موارد مالية قادرة على المساهمة في إجراء أبحاث حول الأوبئة والمساهمة في دعمها وتمويلها عبر فرق بشرية مؤهلة يتم إعدادها وتبنيها لتسهم في خلق منظومة صحية قوية على المدى البعيد.. فكلما تقدم العلم وتطورت الدول واتجهت نحو التصنيع ازدادت معها المضاعفات البيئية والصحية الناتجة، فهل سنترك مستقبل دولنا ليصعد البنيان ويموت الإنسان؟
وحتى ذلك الحين أقل ما نريده هو حظر دخول الحالات المصابة أو المشتبه بها وتكثيف التوعية لكورونا ورفع جاهزية مستشفياتنا وطواقمنا، إلى جانب إطلاع المجتمع بالمستجدات اليومية لهذا المرض عبر شتى وسائل التواصل الجماهيري.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة