لفهم سبب انجذاب البعض إلى فكرة تحكم قوى غامضة في الأحداث، نحتاج إلى التفكير في العقلية التي تقف وراء نظريات المؤامرة
عند إعلان الصين عن فيروس كورونا تستغرب كيف حاول البعض منذ اليوم الأول ربط ما يحدث بنظرية المؤامرة، وأن الصين نجحت في خداع العالم بقصة فيروس كورونا، وربط ما يحدث بالتضليل السياسي الاستراتيجي، وأنه سيناريو معد بدقة متناهية يلعب بطولته زعماء دول وتيارات مؤثرة ومؤسسات إعلامية، وعند محاولة البحث عن المعطيات التي بنوا عليها استنتاجاتهم لا تجد شيئا يذكر سوى تحليل سطحي وربط استسلامي لا يستند على أي معطيات سوى الاستسلام لنظرية المؤامرة، وهنا الكارثة العظمى.
لفهم سبب انجذاب البعض إلى فكرة تحكم قوى غامضة في الأحداث، نحتاج إلى التفكير في العقلية التي تقف وراء نظريات المؤامرة, أليس من الممكن أن تكون نظرية المؤامرة بحد ذاتها مؤامرة لضرب وعي المجتمعات في التعامل مع الأحداث؟!
يجادل المؤرخ السياسي النمساوي موراي روثبارد لصالح نموذج يقارن بين نظريات المؤامرة "العميقة" ونظريات المؤامرة "السطحية"، ووفقا لرؤيته التي اتفق معها نسبياً فإن مخترع أو مصدق النظريات السطحية يلاحظ حدثا ويسأل "من المستفيد؟"، ويقفز إلى استنتاج مفاده أن المستفيد المفترض مسؤول عن التأثير في الأحداث بشكل سري، ومن ناحية أخرى، يبدأ مخترع أو مصدق نظريات المؤامرة العميقة بحدس ثم يبحث عن أدلة، ويصف روثبارد هذا النشاط الأخير كمسألة للتأكيد مع حقائق تابعة لأوهام الشك الخاصة بالشخص.
ولكن لا نستطيع ان ننكر بشكل قطعي نظريات المؤامرة التي ممكن أن تعمل بها بعض الدول لأسباب سياسية أو اقتصادية، ولكن خطورتها تكمن في الاستسلام لها، حيث أصبحت نظرية المؤامرة مسألة إيمان بدلاً من دليل لدرجة قيام البعض بربطها في كل ما يحدث في عالمنا من أحداث أو أزمات، بحيث وبمجرد إعلان الحدث تتسارع المجتمعات إلى ربط ما يحدث بأنه مؤامرة خلفها دول تأثير ودائرة مخططات دائما ما تدور حول هدف المؤامرة الاستثمار في عقار طبي أو إغراق اقتصاد دولة أو تمرير أجندة قوى سياسية والعمل بمبدأ التفكير خارج الصندوق الذي أرفضه نسبياً، خصوصا عندما تحتاج لاستنتاج جاد تبني عليه استراتيجية مواجهة وأرى انعكاساته خطيرة جداً على عقلية المجتمعات إذا كان دون معطيات ومؤشرات حقيقية, الأمر الذي يتسبب في تسطيح وعي المجتمعات حول ما يدور حولها من أحداث والاعتماد على نظرية المؤامرة لتبريرها، بحيث تراها غير قادرة على التعامل مع الأحداث بواقعية تعامل وجدية مواجهة وتقبل الهزيمة دون وعي لحماية المجمتع الذي نعيش فيه.
ولفهم سبب انجذاب البعض إلى فكرة تحكم قوى غامضة في الأحداث، نحتاج إلى التفكير في العقلية التي تقف وراء نظريات المؤامرة, أليس من الممكن أن تكون نظرية المؤامرة بحد ذاتها مؤامرة لضرب وعي المجتمعات في التعامل مع الأحداث؟!
لذلك لا يمكن أن نستمر في التعامل مع تحديات الحاضر باستدعاء أدوات الماضي، وأن ننقاد بسطحية واستسلام للوهم الذي خلقته في عقلك، ما ينتج عنه ضعف تعاطي مع الحدث أزموياً وضعف تعامل معه وقائياً واجتماعياً وإعلامياً، لذلك علينا أن نهدأ في قراءة الأحداث ونغوص في عمق المعطيات والمؤشرات حتى نصل إلى نتائج واقعية نبني عليها استراتيجة مكتملة للتعامل مع الموقف، وهذا ما يجب أن تعمل به المؤسسات وتدركه المجتمعات لمواجهة التحديات بقدر حجمها، لذلك دعونا نترك التفكير خارج الصندوق، خصوصا عندما يمس الخطر عمق مجتمعاتنا الذي أحياناً كثيرة يبعدنا عن واقع المواجهة والتركيز أكثر داخل صندوق الأزمة لقراءة المعطيات والمؤشرات والمؤثرات التي تحيط به لاستخراج استراتيجية واقعية للمواجهة، لأنه في نهاية الأمر سواء كانت مؤامرة أو لم تكن مؤامرة، فهي تحدٍ ليس أمامنا سوى العمل لحماية مجتمعاتنا من أي مخاطر متوقعة منه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة