لا يمكن عزل أزمة فيروس كورونا عن مشاكل مؤجلة داخل علاقات الدول الأوروبية القديمة والحديثة.
لم يكن كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حيال إيطاليا بعيداً عن طبيعة العواصف الكلامية والمعارك السياسية المحتدمة داخل منظومة العمل في الاتحاد الأوروبي، وتحذير ساكن الإليزيه ساسة روما من الإشادة بمساعدات بكين وروسيا مرده إلى زيادة وتيرة الانتقادات الإيطالية تجاه جيرانها الذين يتهمون بالتخلي عن هذه الدولة المنكوبة بفيروس كورونا.
ونظراً لارتفاع أرقام الوفاة والإصابة نتيجة هذه الجائحة العالمية في صفوف الإيطاليين والإسبانيين والفرنسيين يزداد المشهد الأوروبي قتامة وتعقيداً، فصحيفة ديرشبيجل الألمانية توقفت عند حدة الخطاب الإيطالي تجاه القادة الأوروبيين في آخر قمة عقدت عن بعد لهؤلاء الزعماء حول تطورات الوباء العالمي المستفحل وضرورة إيجاد سبل لعلاج الناس منه.
لا يمكن عزل أزمة فيروس كورونا عن مشاكل مؤجلة داخل علاقات الدول الأوروبية القديمة والحديثة، فالنموذج الأوروبي المقدم حتى اللحظة إزاء أزمة كورونا غير مقبول بحسب كثير من مواطني الدول الأوروبية لا سيما الإسكندنافية.
ومن المؤكد أن إغلاق الحدود بين دول اتفاقية شنجن وتوقف الحركة المعتادة للمسافرين والحد من النشاط التجاري البيني وإيقاف خطوط رئيسية للإنتاج الصناعي أمر أرخى بظلاله على يوميات الاقتصاد الأوروبي في هذا الظرف الحرج، وبحسب ما ذكره موقع نورديك مونيتور السويدي، ستعجز البلدان الأوروبية عن تجاوز آثار هذه الكارثة في القريب العاجل، وربما يفقد عشرات الآلاف أعمالهم ومستحقاتهم المالية بشكل مفاجئ.
أما حركات اليسار الأوروبية غير الراضية على سياسات الأحزاب الحاكمة في دول الاتحاد فإنها تجد في أزمة فيروس كورونا فرصة سانحة لإعلان انتقاداتها ونشر برامجها السياسية والاقتصادية وحتى المتعلقة بالمنظومة الصحية، ففي هولندا، التي تعاني من تفشي الوباء بشكل غير مسبوق، نشر مركز المعلومات الدولية الهولندي دراسة مقتضبة تعتمد على استطلاع رأي افتراضي أجري بين الهولنديين يرجح ميل ٣٦ في المائة إلى رؤى اقتصادية يسارية جديدة.
وعطفاً على ما ذكر لا يمكن عزل أزمة فيروس كورونا عن مشاكل مؤجلة داخل علاقات الدول الأوروبية القديمة والحديثة، فالنموذج الأوروبي المقدم حتى اللحظة إزاء أزمة كورونا غير مقبول بحسب كثير من مواطني الدول الأوروبية خاصة الإسكندنافية، لا سيما أنه مبني على ردات الفعل وانتظار الأسوأ وغياب التضامن العملي، وهذا ما أشارت إليه القناة الثانية في التلفزيون الدنماركي خلال تقرير لها.
وتعزيزاً لنارية الشرخ الحاصل بين دول الاتحاد لا بد من سبر أغوار المقررات الصادرة عن جميع الاجتماعات الأوروبية التي أعقبت تفشي وباء كورونا في القارة العجوز، وملاحظة القسم الأكبر منها حيث الكم الهائل من الإنشاء والنصائح للأوروبيين والمقيمين دون ذكر حلول أو تقديم بدائل آنية كافية وكفيلة باندحار هذا العدو الذي يهدد حياة البشرية، وهذا ما لفتت الانتباه إليه منظمة الصحة العالمية خلال تصريحات أدلى بها مديرها العام لوكالة رويترز قبل أيام.
وأخيراً وليس آخراً ربما تكون كلمات القائلين حول تشكل نظام عالمي جديد بعد أزمة فيروس كوفيد ١٩ منطقية نسبياً إذا عاين المتتبع أخبار الاتحاد الأوروبي ومآلات حال دوله التي تكافح من أجل بقاء مواطنيها، وأن هذا النظام العالمي الذي من المفترض أن يتشكل بحسب نظرية البعض طبعاً مطلوب منه إلغاء تحالفات أساسية وخلق تكتلات سياسية واقتصادية جديدة عابرة للجغرافيا ومتجاوزة للتاريخ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة