“حرب اللقاحات".. "كورونا" يفرض واقعا جديدا على السياسة الدولية
تشهد المرحلة الراهنة في السياسة الدولية، حربا جديدة تلوح في الأفق، فرضتها جائحة كورونا، وهي "حرب اللقاحات".
يأتي هذا على خلفية الأزمة المشتعلة حاليا بين الاتحاد الأوروبي والشركات المصنعة للقاحات المضادة فيروس كورونا، وخاصة أسترازينيكا، إثر عدم التزام الأخيرة بتسليم الجرعات المتفق عليها في الربع الأول من هذا العام، رغم مساهمة بروكسل المالية الكبيرة في أبحاث التوصل لهذه اللقاحات.
ووفق ما نقلته صحيفة "بيلد" الألمانية عن مصادر رفيعة في تقرير سابق، فإن ألمانيا والاتحاد الأوروبي لديهما مؤشرات على عمليات تصدير للقاحات خارج القارة، خاصة للولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا، على حساب دول أوروبا.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، أعلنت فايزر- بيونتيك أنها ستسلم الاتحاد الأوروبي جرعات أقل من المتفق عليه، لحدوث تغيير مفاجئ في عمليات الإنتاج في مصنع بلجيكا، وهو ما تكرر مع أسترازينيكا، وبررت الشركة المصنعة تسليم جرعات أقل بحدوث مشكلة في أحد المصانع.
ونتيجة لشكوك الاتحاد الأوروبي في نهج شركات اللقاحات، اقترحت المفوضية الأوروبية قبل أيام، ما يسمى بسجل الشفافية، والذي يجب، وفقًا لما نقلته "بيلد" عن مصادر أوروبية، أن تقدمه الشركات المصنعة للقاحات للسلطات الأوروبية في غضون أيام قليلة.
والهدف من هذا السجل، هو تحديد كميات اللقاحات التي تصدرها هذه الشركات من مصانع في الاتحاد الأوروبي إلى دول أخرى، تمهيدا لفرض ضوابط تصدير تشمل ضرورة الحصول على ترخيص من التكتل، قبل الشروع في تصدير اللقاحات المصنعة على أراضيه، مستقبلا.
حرب اللقاح ات
ووفق الصحيفة الألمانية نفسها، فإن النزاع بين الاتحاد الأوروبي وشركات تصنيع اللقاح، خاصة شركة أسترازينيكا العملاقة، ونية التكتل فرض ضوابط تصدير على اللقاحات المصنعة على أراضيه، يمكن أن يشعل ما يمكن تسميته بـ"حرب اللقاح" على الساحة الدولية.
ووصل الأمر إلى أن الاتحاد الأوروبي يهدد بتعليق تصدير لقاح فايزر- بيونتيك المصنع في بلجيكا، إلى المملكة المتحدة، لإجبار الأخيرة على تقليل طلباتها من لقاح أسترازينيكا لصالح زيادة حصة التكتل.
ونقلت الصحيفة عن مصدر في شركة أسترازينيكا، قوله: "إذا طبق الاتحاد الأوروبي ضوابط التصدير على اللقاحات، سيكتب هذا نهاية إنتاج اللقاحات في أوروبا".
وأوضح: "الدول غير الأعضاء في التكتل الأوروبي، التي من المنتظر تأثرها بهذه الضوابط، حيث ستتراجع كمية اللقاحات المصدرة لها، ستوقف تصدير المواد المستخدمة في صنع اللقاحات" وبالتالي سيتوقف الإنتاج في التكتل.
ورغم تهديدات التكتل الأوروبي بتعليق صادرات لقاح فايزر للمملكة المتحدة، تثق الحكومة البريطانية في أن إمدادات اللقاحات لن تنقطع.
وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية لـ"بيلد": "نحن على اتصال دائم مع مصنعي اللقاحات.. وواثقين في أن إمدادات اللقاحات لبلادنا لن تنقطع".
وفي هذا الإطار، قال السياسي بالحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم في ألمانيا "يمين وسط"، بيتر ليزا، في تصريحات لموقع "تي أونلاين" الألماني "خاص": "لا نريد حرب لقاح، لكننا لن نقف مكتوفي الأيدي".
فيما ركز نائب رئيس الحزب الديمقراطي الحر الألماني "يمين وسط"، وولفغانغ كوبيكي، على لوم الحكومة إثر عجز برلين عن توفير كميات معقولة من اللقاحات، وقال في تصريحات صحفية: "نادرا ما حاول وزير فيدرالي إنكار مسؤوليته عن ما فعل"، موضحا "شراء اللقاحات لألمانيا كانت مسؤولية وزير الصحة يانش شبان" ولم يفعلها كما يجب.
ومع الحديث عن لقاحات فعالة قبل أشهر، اختارت ألمانيا تبني نهج أوروبي، أي سياسية أوروبية موحدة، في شراء جرعات اللقاح، بحيث يشتري التكتل احتياجاته ويوزعها على الدول الأعضاء في صورة حصص، وهو ما يحرك كثيرا من الانتقادات للحكومة الألمانية نتيجة العدد المحدود من اللقاحات التي حصلت عليها البلاد حتى اليوم.
غليان في بروكسل
ووفق بيلد، فإن الأجواء لم تكن متوترة مثلما يحدث هذه الأيام في أروقة الاتحاد الأوروبي، بعد أن أعلنت شركة أسترازينيكا تقليص إمداداتها لأوروبا بمقدار كبير في الربع الأول من العام الجاري بسبب مشكلة في أحد المصانع، ما قلب استراتيجية التطعيم في معظم دول أوروبا رأسا على عقب.
وكان مقررا أن يعقد ممثلو الاتحاد الأوروبي في بروكسل "اجتماع أزمة" مع ممثلي شركة أسترازينيكا، مساء الأربعاء، لكن الأخيرة ألغته عبر رسالة بالبريد الإلكتروني، على أن يعقد في وقت لاحق لم يحدد بعد.
وكانت ستيلا كيرياكوس، مفوضة الصحة في الاتحاد الأوروبي، استبقت الاجتماع الملغي بتصريحات شديدة اللهجة، قالت فيها "أدعو أسترازينيكا للتعاون واستعادة الثقة والوفاء الكامل بالتزاماتها التعاقدية والاجتماعية والأخلاقية"، مضيفة "دفع الشركة بأنها غير ملتزمة بتسليم الجرعات المتفق عليها، غير مقبول".
ورد باسكال سوريوت، مدير شركة أسترازينيكا، على ذلك قائلا: "لم نقدم ضمانات للاتحاد الأوروبي على تسليم الجرعات التي طلبها".
وأوضح: "لقد وعدنا ببذل أفضل جهد ولم نقدم ضمانات لأن بروكسل أرادت استلام جرعاتها في نفس الوقت مع بريطانيا رغم أن الأخيرة وقعت معنا عقود منذ 3 أشهر"، مضيفا "لذلك وعدنا بالمحاولة ولم نلزم أنفسنا بالعقد".
الاتحاد الأوروبي الذي أقر بوجود عبارة "بذل أقصى جهد" في العقد مع الشركة، قال إن هذا لا يعفيها من الالتزام بتسليم الجرعات المطلوبة لأن هذا البند شائع في جميع العقود الخاصة بالمنتجات التي لم يتم طرحها في الأسواق بعد.
وحتى اليوم، حصل الاتحاد الأوروبي على حصص قليلة من لقاحات طورت وصنعت على أراضيه، مقارنة بدول أخرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا.