فيروس كورونا أعاد العمل على إعادة تعريف التصنيفات التي على أساسها يمكن تصنيف الدول بأنها "دول متقدمة" أو "دول نامية".
لا يفرق فيروس كورونا بين "دولة متقدمة أو دولة نامية"، لكن بلا شك هناك فرق كبير في طريقة التعاطي وإدارة هذا الوباء بين الدول المتقدمة والدول النامية، فعندما ننظر إلى فيروس كورونا نجد أنه لا يستهدف صحة الإنسان فقط، وإنما جاء ليسقط مقولة "الدول المتقدمة"، وهو ما تكشف عنه حالة العجز لدى الدول التي تصنف بأنها دول متقدمة في مواجهة هذا الوباء والسيطرة عليه وكبح جماحه، وبالتالي فيروس كورونا جاء ليعيد تعريف "تقدمية الدول" ليس من ناحية الاكتفاء بالوضع الاقتصادي والصناعي وإنما أصبحت هناك عوامل أخرى في غاية الأهمية لتصنيف الدول المتقدمة وهي "النظام الصحي"، وطريقة الإدارة في مواجهة هذا الفيروس عبر سرعة اتخاذ القرارات.
رغم أن من بين الصفات التي تتميز بها الدول المتقدمة "تحسن مستوى التغطية الطبية في العالم المتقدم"؛ فإنه عندما ننظر إلى الدول التي يطلق عليها تصنيف "الدول المتقدمة" نجد أنها من أكثر الدول تسجيلا لحالات الإصابة بفيروس كورونا، وهي من أكثر الدول تسجيلا لحالات الوفاة بهذا الفيروس، وهو ما يكشف بالتالي عن حالة من الأزمة يعيشها النظام الصحي؛ حيث إن ارتفاع عدد حالات الإصابة وارتفاع عدد حالات الوفاة وانخفاض عدد حالات الشفاء من هذا الفيروس، تكشف إلى أي مدى عن أن المنظومة الصحية في هذه الدول غير قادرة على استيعاب الفيروس، وغير قادرة على الصمود أمام حالة الضغط التي يشكلها فيروس كورونا.
فيروس كورونا أعاد العمل على إعادة تعريف التصنيفات التي على أساسها يمكن تصنيف الدول بأنها "دول متقدمة" أو "دول نامية"، وبالتالي فإن المنظومة الصحية أهم بكثير من المنظومة الاقتصادية أو الصناعية.
في إيطاليا التي تُعَد نموذجا قاسيا لسقوط "تصنيف الدولة المتقدمة" والتي تقف عاجزة في حالة شلل أمام هذا الفيروس، في ظل تصاعد حالات الوفاة؛ تتلقى 80 شركة لخدمات الجنازات في بيرغامو عشرات الطلبات في الساعة، حيث يقول أنطونيو ريكياردي، مدير واحدة من أكبر شركات الدفن، معلقا على ما يجري بالقول: "نشهد في الشهر الواحد ما يقارب 120 حالة دفن، إلا أن جيلا بأكمله قد مات في غضون أسبوعين فقط بسبب كورونا".
فالحالة التي تعيشها إيطاليا هي تأكيد على حالة الانهيار الحاصلة في المنظومة الصحية، رغم ارتفاع معدل عدد الأطباء لكل 100 ألف نسمة بإيطاليا أكثر من 550 طبيبا، فإن فيروس كورونا كشف عن تردي الوضع الصحي في إيطاليا والتي أصبحت المنظومة الصحية والأجهزة الطبية بها غير قادرة على استيعاب حجم الإصابات بهذا الفيروس، وهو بالتالي ما قاد إلى ارتفاع أعداد حالات الوفاة بهذا الفيروس.
وعلى الجانب الآخر نجد أن الدول العربية والتي يحلو للبعض أن يطلق عليها تصنيفات من "دول العالم الثالث" أو "الدول النامية" أظهرت كفاءة عالية في مواجهة فيروس كورونا؛ فقد استطاعت بسرعة القرارات والإجراءات الاحترازية أن تعمل على السيطرة على الفيروس، وهو بالتالي ما جعل أعداد الإصابات تكون في الحدود الطبيعية ولم تخرج عن السيطرة، وكذلك حالات الشفاء من هذا الفيروس والتي تفوق حالات الوفاة بأضعاف كثيرة، وهو بالتالي ما يظهر قدرة المنظومة الصحية في الدول العربية على السيطرة على هذا الفيروس والارتقاء لمواكبة التحديات التي يشكلها الفيروس.
خلاصة القول: إن فيروس كورونا أعاد العمل على إعادة تعريف التصنيفات التي على أساسها يمكن تصنيف الدول بأنها "دول متقدمة" أو "دول نامية"، وبالتالي فإن المنظومة الصحية أهم بكثير من المنظومة الاقتصادية أو الصناعية، وذلك لأنها تستهدف بشكل رئيسي صحة الإنسان الذي يُعَد هو المحرك الرئيسي للمنظومة الاقتصادية والصناعية، وبالتالي فإن الدول التي تتمتع منظومتها الصحية بكفاءة عالية هي من تستحق أن يطلق عليها تصنيف "دولة متقدمة".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة