"أدب العزلة".. ماذا فعلت أزمة كورونا بالأدباء العرب؟
صنع الله إبراهيم، إبراهيم عبدالمجيد، هدرا جرجس يتحدثون لـ"العين الإخبارية" عن كيف أثرت أزمة العزل لاحتواء فيروس كورونا بإنتاجهم الأدبي
قال الكاتب والفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور (1788 - 1860) إن "من لا يستمتع بالعزلة لن يهوى الحرية".
وقال المخترع الأمريكي توماس أديسون (1847 - 1931) إن "أفضل التفكير يكون في العزلة، وأسوأه ما يكون في الزحام".
وقال الروائي الأمريكي إرنست هيمنجواي (1899 - 1961) إن "ابتعادنا عن البشر لا يعني كرهاً أو تغيراً ، العزلة وطن للأرواح المتعبة".
وجاءت أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) لتعيد تركيز الأضواء على أهمية العزلة بالنسبة للمفكر والمبدع، وقد قيل فيها الكثير، لكن البعض قد يعترض قائلا إن أحاديث المفكرين كانت عن العزلة الاختيارية، أما الأزمة الحالية التي يعيشها العالم كله، فهي عزلة إجبارية فرضتها الظروف.
وقد انقسم المبدعون العرب في نظرتهم إلى عزلة كورونا، فهناك من رأى أنها فرصة لإبداع أعمال تناظر كلاسيكيات الأدب العالمي، التي صدرت عن فترات مشابهة، وتناولت فترات انتشار الكوليرا والطاعون، مثل "الحب في زمن الكوليرا" للكاتب الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز، و"دفتر أحوال عام الطاعون" للكاتب الإنجليزي دانييل ديفو، و"الطاعون" للكاتب الفرنسي ألبير كامو.
وكان هناك من اعتبرها وقتا مستقطعا يتيح له استكمال مشروعات فكرية كانت متاهات الحياة تشغله عن استكمالها.
وكان فريق ثالث عانى من وطأة الضغوط النفسية التي شكلها الوباء، فسعى للهروب منها، معتبرا العزلة "الإجبارية" لا تصلح للكتابة، وأن مجرد التفكير في رصد الأزمة والكتابة عن كواليسها وتأثيرها على البشرية يحتاج مزيد من الوقت ربما يمتد لعقود.
وينتمي الأديب المصري صنع الله إبراهيم إلى الفريق الثالث، فيقول لـ"العين الإخبارية": "صنوف الآداب والفنون تفشل إذا حاولت الاقتراب من التجارب الحقيقية، التي غيرت شكل العالم كله قبل اكتمال التجربة".
ويضيف: "اعتقد من خلال قراءتي للمشهد وتفاصيله أنه يجب على المبدع بشكل عام الانتظار حتى يستطيع هيكلة التجربة ومشاهدة الصورة من قريب، فالكتابة عن أزمة وباء كورونا الآن ستكون مجرد تدوينات وأفكار مشتتة غير مكتملة لا ترقى لعظمة الحدث".
وبعيدا عن مخاوف صنع الله إبراهيم، وجد الروائي الجزائري واسيني الأعرج، ملاذا آمنا من صخب الأخبار المتتالية التى تتحدث عن "كورونا"، وذهب للورقة والقلم واختار أن يكتب هربا من تداعيات فكرية لا آخر لها.
ويقر "الأعرج" في تصريحات له بأنه لم يقترب من أزمة "كورونا"، واختار استكمال روايته وشارك أصدقائه على مواقع التواصل الاجتماعي ما يتعلق بتفاصيل الكتابة.
أما الأديب المصري إبراهيم عبدالمجيد، فتمسك برؤية خاصة به لا ينفصل فيها الإبداع عن الحالة المزاجية.
وقال لـ"العين الإخبارية" إنه لا يسعى بشكل عام، سواء في هذه المرحلة أو غيرها، إلى الكتابة بشكل مباشر، لأن أجواء ممارسة الكتابة مطلقة وليس لها قاعدة محددة، على حد تعبيره.
وعن الكتابة في أزمنة الأوبئة والحروب، أضاف "عبدالمجيد": "لا تستهوينى الآن، فقط أكتب ما يطارد روحي، وأتوقع ظهور أعمال لا آخر لها تتعلق بهذه الفترة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لكن الأعمال الحقيقية التي ستخبر الأجيال القادمة كيف عاش العالم هذه التجربة القاسية تحتاج سنوات طويلة، خاصة أن التجربة لم تنته بعد، والأحداث متسارعة ومتجددة بين لحظة وأخرى".
وتابع: "الكتابة سر من الأسرار الروحية، فالكاتب يعيش بين تفاصيل وشخصيات ربما لسنوات حتى يستطيع في النهاية الوصول إلى تصورات وضعها في خياله عن تجربة ما، أما الآن، فقد تحول الأمر إلى (حرفة) وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تروج لنفسها باعتبارها مدرسة تعلم كيفية كتابة الرواية".
الروائي المصري الشاب هدرا جرجس، لم يتأثر بقدرة "واسيني الأعرج" على التكيف مع طبيعة المرحلة، وانشغل أكثر بكيفية هيكلة معطيات الحياة وآليات التفاعل مع الكتابة، إذ كان يعتقد مسبقا أن مسألة الوقت أكبر عائق أمامه يمنعه من إنهاء مشروعات أدبية مؤجلة لديه، لكن بعد أن توفر الوقت خلال أزمة كورونا توقف عن الكتابة بشكل أكبر، وبدأ الانشغال بما ستتركه كل هذه الأحداث بداخله بعد أن تنتهي الأزمة.
وقال لـ"العين الإخبارية": "لم انشغل لحظة بتأريخ هذه المرحلة والكتابة عن زمن الجائحة وكيف تسببت في ذعر العالم كله قدر الاهتمام بكل التفاصيل التي تدعو إلى التفكير ومراجعة النفس وما يطرأ عليها من تغيرات، فالمعطيات تبدلت والمسلمات أيضا اهتزت، وفي الأخير أدركت مدى الاحتياج إلى أرض صلبة لطرح الأفكار ومناقشتها، وكان الأهم قبل الكتابة أن أجيب لنفسي عن سؤال له علاقة بمعرفة جدوى ما كتبت وماذا سأكتب".
وأضاف: "أن تعيش داخل الأزمة ومعاصرة التجربة تبين أنه أقسى مما سمعناه وقرأناه في الأعمال، التي تناولت عصور الأمراض والجوائح، والكتابة عن هذه الفترة تحتاج المزيد من المقومات النفسية والأساسية، ونحتاج لصدور عمل أدبي حقيقي يؤرخ للأزمة بعد أن ننتهي منها فعليا أولا، ولذا اخترت العودة إلى القراءة، لأنها المتنفس الوحيد الآن بالنسبة لي، وبالفعل قرأت عددا كبيرا من الكتب المؤجلة منذ سنوات".
في المقابل، لم يشأ الروائي المصري أشرف العشماوي أن يضيع الفرصة، وسارع إلى استثمار أوقات العزلة، فبدأ كتابة رواية جديدة، وبات بشكل منتظم يمضي 10 ساعات متواصلة في الكتابة بشكل يومي.
وقال فى تصريحات له: "اختار الانتظار والتمهل قبل الاقتراب من الأحداث الفارقة في حياة البشرية، لأن مثل هذه الأعمال تحتاج خلفيات وكواليس أكثر عمقا عن الحدث لتصلح معها عملية الكتابة والنقل الواقعي والحقيقي للقارئ".
ومن الكتابة المنتظمة عند "العشماوي" إلى عمل متكامل اختار له الروائي والشاعر السوري خالد خليفة، عنوان "لم يصل عليهم أحد"، نهاية مايو الماضي، وتعد أحدث أعماله الروائية.
"خليفة"، قال إنه وجد في هذه المرحلة إجابات مقنعة لسؤال كان يشغله عن التخيل وإلى أي مدى سيتفاعل القارئ مع ما يكتبه، موضحا أن ما يمر به العالم بسبب فيروس كورونا فتح العقل على مساحات أكبر من التخيل.
وأضاف في تصريحات له: "سنرى قريبا أعمالا كثيرة تتناول كواليس ومراحل انتشار فيروس كورونا وكيف تعامل معها العالم".