حرائق الغابات وكورونا.. دراسات تكشف سر "التآزر السلبي"
علاقة وطيدة تربط حرائق الغابات وجائحة كورونا كشفت عنها دراسات عدة أجريت منذ ظهور الوباء، فكيف تؤثر ألسنة الدخان على الإصابة بالفيروس؟.
ومع اشتعال الآلاف من حرائق الغابات خلال الأشهر الماضية في جميع أنحاء العالم، بدأ العلماء البحث في المخاطر الدقيقة للدخان خاصة في ظل تفشي الفيروس التاجي.
وخلصت أغلب الأبحاث والدراسات التي أجريت بدول مختلفة إلى نتائج تحذر من مغبة التعرض لدخان حرائق الغابات خصوصا وألسنة اللهب عموما، كونها تضاعف من فرص الإصابة بفيروس "كوفيد-19" أو تدهور حالة المريض، فضلا عن الإصابة بأمراض أخرى.
واحدة من تلك الدراسات أجراها العلماء بمعهد أبحاث الصحراء في نيفادا، وتوصلوا إلى أن دخان حرائق الغابات قد يزيد من خطر الإصابة بفيروس كورونا.
في دراسة أخرى، بدأ الباحثون في دراسة "التآزر السلبي" بين دخان حرائق الغابات و"كوفيد-19"، في ظل تأكد العلماء من أن الفيروس التاجي يمكن أن يضر بالجهاز التنفسي ويجعل الناس أكثر عرضة لتأثيرات الجسيمات والدخان.
حاليا، تعيش دول عديدة تحت وطأة ألسنة اللهب التي اندلعت نتيجة حرائق غابات شاسعة خلفتها موجات حارة ضربت مختلف أنحاء العالم.
وهذه ليست السنة الأولى التي يعيش فيها العالم هذه المعاناة، إذ تسبب التغير المناخي في موجات تقلب طقس حادة، من بين ظواهرها اشتعال حرائق الغابات.
في العام الماضي، أكلت النيران أكثر من 10 ملايين فدان من الغابات في الولايات المتحدة، و5 من أصل 6 حرائق كبيرة موثقة على الإطلاق في كاليفورنيا حدثت في غضون بضعة أشهر فقط.
علاقة دخان الحرائق بإصابات كورونا
كشف علماء في معهد أبحاث الصحراء بولاية نيفادا الأمريكية أن معدلات الإصابة بفيروس كورونا المستجد زادت بشكل غير متناسب خلال موسم حرائق الغابات في عام 2020.
مجلة Journal of Exposure Science & Environmental Epidemiology نشرت الدراسة في يوليو/تموز، حيث بحثت أثار حرائق الغابات التي شهدتها بعض الولايات وغطى دخانها المنبعث معظم شمال نيفادا العام الماضي، على صحة السكان في ظل تفشي الفيروس التاجي.
في الورقة البحثية، لاحظ الباحثون أن معدل إيجابية اختبار كورونا في مقاطعة واشو ازداد بشكل ملحوظ خلال الفترات التي سجلت مستويات عالية من الجسيمات في الهواء من دخان حرائق الغابات.
وركز الباحثون على نحو 36000 مريض في مستشفى بمدينة رينو خلال 16 أغسطس/آب و10 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وهي الفترة الأكثر تضررًا من دخان الحرائق الغربية مثل مجمع أغسطس وحريق الخور وحريق الزجاج.
ووجدت الدراسة أنه مقابل كل 10 ميكروجرام لكل متر مكعب من الجسيمات الصغيرة المعروفة باسم PM2.5 في الهواء، زاد معدل الإيجابية بنحو 6.3% بعد يومين إلى 6 أيام.
أيضا وجد الباحثون أن هناك زيادة في ارتباط الجسيمات الناتجة عن دخان حرائق الغابات بزيادة تقارب 18٪ في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا.
علق دانيال كيسر، باحث مساعد في جامعة بيكورث قائلا: "الزيادة اللحظية خلال فترات التلوث المرتفع تشير إلى وجود صلة بين الدخان وانتشار الفيروس".
وقال إن النتائج "مهمة يجب أن نكون على دراية بها لأننا نواجه بالفعل دخان حرائق غابات كثيف مع ارتفاع حالات COVID-19 مرة أخرى".
جادل المؤلفون، خلال الورقة البحثية، بأن الارتباط بين دخان حرائق الغابات وفيروس كورونا يشير على الأرجح إلى أن التلوث يجعل الناس أكثر عرضة للفيروسات على نطاق أوسع.
ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن الباحثين أن "النتائج التي توصلنا إليها تدعم الحجج القائلة بأن PM2.5، الذي قد ينتج عن مصادر أخرى مثل حركة المركبات أو الصناعة، يزيد من خطر الإصابة بفيروس كورونا".
وقال كايزر إن حرائق الغابات وغيرها من الأحداث المناخية الناجمة عن تغير المناخ من المرجح أن تدخل بشكل أكبر في دراسة الفيروسات في المستقبل.
أما جاي الحنان، عالم البيانات الصحية في DRI وأحد مؤلفي الدراسة الآخرين، فقال إنه لا توجد إجابات محددة حول كيفية ارتباط دخان حرائق الغابات بـ"كوفيد-19".
وأوضح أن أحد الاحتمالات هو أن التعرض للدخان يغير الاستجابة المناعية لدى الناس، والاحتمال الثاني أن الدخان يخلق إفرازًا مفرطًا لخلايا الجهاز التنفسي ACE2.
وتابع: "أما الثالث فهو أن جزيئات الفيروس التاجي قد تلتصق بجزيئات الدخان، ما يجعل الناس أكثر عرضة لابتلاع العامل الممرض".
وفيات كورونا وحرائق الغابات
وتوصل بحث جديد إلى أن الملوثات في الدخان المتصاعد من حرائق الغابات الضخمة في غرب أمريكا تسببت على الأرجح في زيادة حالات الإصابة بفيروس "كوفيد-19" والوفيات أيضا في العديد من الولايات الأمريكية.
الورقة البحثية الجديدة اكتشفت أن انتشار هذه الجسيمات الدقيقة، المعروفة باسم PM2.5، ربما تسبب في ارتفاع حالات الإصابة والوفيات بفيروس كورونا في أجزاء من غرب الولايات المتحدة.
وفقًا للدراسة، ساعد الدخان في رفع معدل الإصابة بفيروس كورونا بنحو 20٪ في مقاطعات معينة، حيث تُعزى نصف وفيات كوفيد في بعض الأماكن إلى التلوث.
ونقلت صحيفة "الجارديان" عن الأستاذة في كلية هارفارد، فرانشيسكا دومينيتشي، قولها: "في بعض المقاطعات كانت الرابطة قوية جدًا بالفعل، وفي الأيام التي كان فيها الكثير من دخان حرائق الغابات ارتفعت حالات كوفيد كثيرًا".
وتابعت الأستاذة المشاركة في البحث: "يمكن أن يكون للجمع بين حرائق الغابات والوباء تأثير كارثي حقًا".
وجدت الأبحاث السابقة، التي شارك فيها دومينيتشي أيضًا، أن الارتفاع الطفيف في تعرض الأشخاص على المدى الطويل لتلوث الهواء يرتبط بزيادة بنسبة 11٪ في الوفيات الناجمة عن كورونا.
تشير دراسة أخرى من العام الماضي إلى أن 15٪ من جميع وفيات Covid-19 حول العالم تُعزى إلى الهواء الملوث.
وقال الباحثون إنه رغم الحاجة لمزيد من العمل لتأسيس الروابط بشكل كامل، لكن هناك الآن أدلة دامغة على أن الهواء الملوث يؤدي إلى تفاقم تفشي فيروس كورونا.
يُعتقد أن الملوثات المنبعثة يمكن أن تساعد في انتشار العدوى، بينما تضعف أيضًا رئتي الأشخاص قبل أن يصابوا بالفيروس التاجي، ما يزيد من احتمالية إصابتهم بمرض شديد أو وفاتهم.
أما أحدث ورقة بحثية نُشرت في Science Advances، فحللت 92 مقاطعة أمريكية في كاليفورنيا وواشنطن وأوريجون، وسعت إلى القضاء على أسباب زيادات الوباء بخلاف حرائق الغابات القريبة.
ووجدت أن حرائق الغابات كان لها التأثير الأكبر على حالات كورونا في مقاطعات بوت وكاليفورنيا وويتمان واشنطن.
ووفقا للورقة البحثية، فإنه في غضون ذلك تم العثور على التأثير الأكبر على وفيات "كوفيد-19" في مقاطعتي بوت وكالافيراس.
حرائق الغابات وأمراض الجهاز التنفسي
خلصت دراسة حديثة إلى أن الدخان المتصاعد من الحرائق ضار بشكل خاص، لأنه يحتوي على جزيئات من المنازل المحترقة وكذلك النباتات.
وبحثت الدراسة التي أجريت على حريق معسكر كاليفورنيا عام 2018، الذي وصف بأكثر حرائق الغابات دموية على الإطلاق في الولاية، حيث توفي ما لا يقل عن 85 شخصًا ودُمر ما يقرب من 19000 مبنى، آثار النيران وأدخنتها على صحة السكان.
ووفقا لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية، فإن نتائج الدراسة تشير إلى أنه "مع تصاعد موسم الحرائق تلوح في الأفق مخاطر أمراض الجهاز التنفسي وغيرها من الآثار الجانبية الخطيرة للدخان بحجم ألسنة اللهب".
أيضًا تسبب الحريق في تصاعد عمود كثيف من الدخان الكثيف الذي أطلق مستويات عالية بشكل خطير من التلوث في الهواء لمدة أسبوعين تقريبًا، وفقًا لدراسة نشرها مجلس موارد الهواء في كاليفورنيا قبل أيام.
خلال الدراسة، فحص الباحثون البيانات من مرشحات الهواء وأجهزة المراقبة السامة لتحديد أن الدخان الناتج عن الحريق كان أكثر ضررًا من نواح كثيرة.
ووجد العلماء أن مستويات مرتفعة من المواد الكيميائية مثل الرصاص والزنك والحديد الناتجة عن دخان حريق المخيم تم اكتشافها في منطقة شيكو المجاورة، وفي أماكن بعيدة مثل سان خوسيه وموديستو.
علق مايكل بنيامين، رئيس قسم تخطيط جودة الهواء في المركز الطبي بكاليفورنيا: "عندما يكون لدينا حادثة كهذه تشهد احتراق 19000 مبنى فإن هذا يعني أن معادن مثل الرصاص والزنك التي تحويها المواد التي استخدمت في طلاء هذه المباني قد تبخرت وأطلقت في الغلاف الجوي".
وقال إن مستويات الرصاص في شيكو، أقرب موقع مراقبة متاح لحريق المخيم، كانت أعلى 50 مرة من المعتاد لمدة 24 ساعة أثناء الحريق، فضلا عن ارتفاع مستويات الرصاص في الهواء في أماكن بعيدة مثل موديستو.
ولا يزال الباحثون يتتبعون الآثار الصحية على السكان الذين عاشوا خلال حريق المخيم وتعرضوا لمستويات سواء قصيرة أو مرتفعة من الرصاص.
وقال بنيامين إنه على الرغم من صعوبة تحديد ما إذا كان مرض شخص ما، سواء كان فيروس كورونا أو الربو أو مشكلة تنفسية أخرى، مرتبطًا بشكل قاطع بحريق معين، إلا أن دخان حرائق الغابات من أي نوع يمثل خطرًا بالتأكيد.
وتابع أنه عندما يتعلق الأمر بالجسيمات الدقيقة، فإن الأنف هو نظام إنذار مبكر جيد، لذا إذا شم الناس رائحة دخان فعليهم أن يفترضوا أنهم يتعرضون لها.
حرائق الغابات وعلاقتها بنشر البكتيريا
كشفت دراسة أجريت عن الآثار الضارة لدخان حرائق الغابات العام الماضي، أنه يحتوي على الفطريات والبكتيريا ومسببات الأمراض الأخرى المحمولة جواً.
وقال العلماء، في الدراسة التي نشرت يوم 1 فبراير/شباط 2021، إن دخان حرائق الغابات قد يحمل كميات "محيرة للعقل" من الفطريات والبكتيريا.
ومع زيادة حجم حرائق الغابات وتواترها السنوات الأخيرة، قال الخبراء إنه من المهم بشكل متزايد أن يدرك الناس ما تسببه الحرائق.
وعلق بيتر ديكارلو، الأستاذ المساعد في الصحة البيئية والهندسة في جامعة جونز هوبكنز: "في حريق الغابات لا تحترق الأخشاب فقط، فهناك معادن ثقيلة وبلاستيك وأشياء أخرى تحترق أيضا، ما يضيف للجو مواد كيميائية كثير منها سامة وضارة".
بيينما قال برايان رايس، رئيس نقابة رجال الإطفاء المحترفين في كاليفورنيا، إن العديد من رجال الإطفاء الذين عملوا في حريق المعسكر وحرائق كار وحرائق 2017 في سانتا روزا أنهوا تلك المهام بنوع من عدوى الجهاز التنفسي أو مرضه.
وأضاف: "ليس هناك شك في أن أعضائنا يتعرضون بشكل كبير للسموم، سواء كانت معادن أو بنزين أو كربونات متعددة الفلور وجميعا تقتلنا".
وتابع: "نعلم أن منتجات الاحتراق المعروفة بأنها مسببات للسرطان موجودة في هذا الدخان، فضلا عن كون الأبخرة الناتجة عن حرق السيارات والمنازل وحتى الزراعة التي يتم رشها بالمبيدات يمكن أن تضر بطواقم الإطفاء".
aXA6IDMuMTUuMjI4LjE2MiA= جزيرة ام اند امز