سليم عياش، هو مشروع إيراني صنع ليكون نسخة جديدة لمشروع عماد مغنية، خصوصًا أن سليم هو من نفس جيل "مغنية ".
بعد أحد عشر عامًا من الانتظار، صدر قرار المحكمة الخاصة بحقيقة قتلة "رفيق الحريري"، وهي محكمة جنائية ذات طابع دولي، تم إقرارها من قبل مجلس الأمن للنظر في النتائج التي قامت بها لجنة التحقيق الدولية الخاصة باغتيال الحريري ومقر هذه المحكمة لاهاي في هولندا.
المحكمة بدأت أعمالها في مارس 2009، واستغرقت أحد عشر عامًا من العمل رغم انتظار اللبنانيين خمسة عشر عامًا منذ واقعة الاغتيال في فبراير 2005. بعد كل هذا جاء حكم المحكمة، إدانة متهم وتبرئة ثلاثة آخرين، إدانة "سليم عياش" وتبرئة حسين عيسى، حسن حبيب وأسد صبرا.
جميع المتهمين أعضاء في حزب الله اللبناني، وتلك دلالة لابد أن تأخذ موقعها في التأويل لتثبت مدى مسؤولية الحزب وحسن نصرالله شخصيا عن اغتيال رفيق الحريري، ولعلنا هنا أمام متغير مهم وهو تصريحات "نصرالله" نفسه فور الإعلان عن تشكيل المحكمة، حين بادر بالدفاع عن من أسماهم القديسين أي أعضاء حزبه، وأنه يرفض أي اتهام يوجه لأي من أعضاء الحزب بل سيقطع يد من تمتد إليهم، وكأنه كان يعرف مسبقًا ما ستقوله وتقره المحكمة.
في كل الأحوال أخذ حكم المحكمة الكثير من ردود الفعل على مستوى اللبنانيين، سواء الموالين لحزب الله أو الموالين لعائلة الحريري، وهي ردود أفعال تتأرجح بين الإحباط أو الفرح بالحكم.
ولندع تقديرات الناس جانبًا ونبدأ في الإشارة إلى مسار شديد الخطورة، لم يلتفت إليه كثيرون وهو "سامي عياش"، إنه ليس مجرد اسم أو متهم بقدر ما هو مشروع يجب التحذير منه قياسًا على مشروع سابق ومشابه له اسمه "عماد مغنية".
المشاريع الإيرانية في رصد أدبياتها تتأسس على النفس الطويل، أو ما يسمونه "تربية الجهادين" مع التحفظ على المصطلح، فالجهاد بريء من تلك الممارسات، متوسط عمر كل مشروع في الأجندة الإيرانية هو خمسة وعشرون عامًاـ فعماد مغنية بدأ في عام 1983 وتم اغتياله في 2008، وخلال هذه الفترة التي امتدت بين تاريخ نشاطه وتاريخ قتله شهدت الكثير من الأعمال الإرهابية الكبرى عالميًا وعربيًا.
سليم عياش، هو مشروع إيراني صنع ليكون نسخة جديدة لمشروع عماد مغنية، خصوصًا أن سليم هو من نفس جيل "مغنية " فهو يصغره بعام واحد فقط، مغنية مواليد 1962 وعياش مواليد 1963.
إذا رصدنا المقارنة بين المشروعين سنجدهما متشابهين تمامًا، خصوصًا في البدايات التي دائمًا تكون كبيرة ومؤثرة لصاحب كل مشروع، فإن نجح في تنفيذها اجتاز تلك المرحلة ليحظى بلقب "الحج" بلغة "حسن نصرالله"، وتلك منزلة كبيرة عند أصحاب ولاية الفقيه الخمينية، فلم نسمع حسن نصرالله يطلقها إلى على "عماد مغنية" و"قاسم سليماني" وستسمعونها قريبا تطلق على "سليم عياش".
كيف كانت بداية عماد مغنية؟ أو كيف كانت تكليفاته الصعبة أو الانتحارية؟
تم التثبت أن "مغنية" كان وراء مجموعة من الأعمال التي وقعت في بداية الثمانينات جعلت اسمه يردد عالميًا:
أولها تفجير السفارة الأمريكية في بيروت 1983 أسفر عن مقتل 63 أمريكيا.
تفجير مقر المارينز الأمريكي في بيروت أدى إلى مقتل 241 أمريكيا.
تفجير معسكر الجنود الفرنسيين أدى إلى مقتل 58 فرنسيا.
خطف طائرة أمريكية في مطار بيروت.
تفجير مركز يهودي في الأرجنتين 1984، أدى إلى مقتل 85 شخصا.
والأشهر بالنسبة للمحيط العربي، أنه كان خلف اختطاف طائرة الجابرية الكويتية التي اختطفت في الخامس من أبريل 1988، حين كانت عائدة من تايلاند من قبل عناصر تابعة لحزب الله؛ للمطالبة بالإفراج عن سبعة عشر سجينا شيعيا كانوا محتجزين لدى السلطات الكويتية عام 1983 لدورهم في تفجيرات الكويت، وانتهت الحادثة بهبوط الطائرة في إيران.
حادثة تفجيرات الكويت لم تكن بعيدة عن بصمات "مغنية"، تلك التفجيرات التي وقعت في ديسمبر 1983، أي بعد شهرين من تفجيرات بيروت واستهداف سفارتين والمطار الرئيسي وأحد المصانع.
سافر عماد مغنية إلى إيران واختفى بعد أن أجرى العديد من العمليات الجراحية غيرت ملامح وجهه تماما، لكن عاد اسمه للظهور حين نشر الأمريكيون قائمة من المطلوبين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، إذ كان في مقدمة القائمة مع رصد جائزة لمن يدلي بأية معلومات عنه تقدر بخمسة وعشرين مليون دولار.
بعدها بسبعة أعوام وفي فبراير 2008، أعلن عن اغتياله بتفجير سيارة في حي كفرسوسة بدمشق.
خرجت تأويلات كثيرة أنه لولا علم وموافقة النظام السوري نفسه حينها، ما كُشف أمر عماد مغنية، والبعض الآخر أشار إلى أن الإيرانيين أنفسهم كانوا بحاجة لإغلاق صفحة مغنية.
بعد رصد ذلك المشروع كان علينا التنويه وبجدية نحو تناسخ المشاريع الفارسية التي تخرج من خيمة حزب الله، لأن النتيجة دائمًا تكون الدماء، خصوصًا بعد اتساع دائرة النفوذ الإيراني لتصل إلى السيطرة الكاملة في العراق ولبنان وبعض اليمن.
ليس غريبًا أن مؤشرات الاغتيالات كثرت في العراق، وشهدها لبنان بعد اغتيال الحريري، وقد يشهدها الآن في ظل سيولة الوضع واستباحة الأراضي اللبنانية.
سليم عياش، قد يكون تكرارا لنفس سيناريو عماد مغنية، خصوصا أنه بدأ بأحداث كبيرة قد تفوق في تأثيرها ما ارتكبه مغنية، فاغتيال رفيق الحريري كان زلزالًا لبنانيًا وعربيًا وإقليميًا، فلولا ذلك الاغتيال ما وصل حسن نصرالله وحزبه إلى ما وصل إليه، ولولا اغتياله ما وصل لبنان أيضا إلى ما وصل إليه من تدمير.
اغتيال الحريري كان تكسيرًا حقيقيًا للذراع الذي يبني وإطلاقا فعليا للذراع الذي يهدم.
منذ الأيام الماضية وبعد النطق بالحكم، أصبح اسم "سليم عياش" يتردد في كل الصحف العالمية والإقليمية، حظي بالشهرة التي كان يسعى إليها الإيرانيون لخلق "عفريت" جديد يخيفون به من يريدون.
وبالتالي بات من الضروري العمل على إفشال مشروع "سليم عياش" بالتذكير بالمشروع الذي سبقه وتم التأسيس عليه وهو مشروع "عماد مغنية".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة