كائنات لا تموت ولا تتقدم في العمر.. 5 مخلوقات تتحدى قوانين الحياة

بينما يقف الإنسان عاجزا أمام الشيخوخة والموت، تكشف الطبيعة عن وجوه أخرى للحياة، فمن أعماق المحيطات إلى قمم الجليد، هناك كائنات حية تتحدى قوانين البيولوجيا، بل تتجاهل حدود العمر والزمن كما نعرفها.
في هذا التقرير، نأخذك في جولة لاكتشاف أغرب خمسة مخلوقات حقيقية تعتبرها الأوساط العلمية "خارقة" بكل معنى الكلمة.
أولا: التارديغرادا.. الكائن الذي لا يُقهر
التارديغرادا، المعروف باسم "دب الماء"، كائن مجهري يستطيع النجاة في بيئات قاتلة للبشر، بما في ذلك الفراغ الفضائي، والإشعاع النووي، ودرجات حرارة التي تتراوح من تحت الصفر حتى غليان الماء.
وعندما تواجهه ظروف مميتة، يدخل التارديغرادا في حالة تُعرف بـ"السبات الخارق"، يخفض فيها نشاطه الحيوي إلى ما يقارب الصفر، ويغلف نفسه بطبقة تحميه من الموت، وحين تعود الظروف المناسبة، يعود إلى الحياة كأن شيئا لم يحدث، في مشهد يشبه ضغط زر "إعادة التشغيل" في جهاز حي.
ولا يتوقف الأمر عند قدرته على البقاء، بل تم إرساله إلى الفضاء وعاد حيا، بل واستمر بالتكاثر، ويرى فيه البعض نموذجا لحياة قد تصمد خارج الأرض، وربما تكون هذه الكائنات الصغيرة المفتاح لفهم كيف يمكن للبشر النجاة في رحلات طويلة عبر الفضاء، فهو دليل حي على أن الحياة قادرة على التكيف مع المستحيل.
ثانيا: السمندل المكسيكي.. التجديد الأبدي
السمندل المكسيكي أو الأكسولوتل، ذلك الكائن البرمائي ذو الابتسامة الدائمة والخياشيم الخارجية الغريبة، يخفي في جسده سرا علميا مذهلا، وهو القدرة على تجديد أي جزء من جسده بالكامل، فسواء فقد طرفا، أو ذيلا، أو حتى أجزاء من لبه أو عينه أو نخاعه الشوكي، يعود كما كان، وكأن شيئا لم يكن، وهي ظاهرة جعلت العلماء يعتبرونه أحد أعاجيب عالم الحيوان.
وفي وقت لا تزال فيه البحوث الطبية تكافح لفهم كيفية ترميم الأنسجة أو زراعة الأطراف، يقدّم الأكسولوتل مثالا حيا على "الهندسة الحيوية الفطرية"، فقدرته الفريدة لا تتوقف عند التجديد، بل يعيش معظم حياته في حالة "طفولية دائمة"، دون أن يخضع للتحول الكامل إلى مرحلة البلوغ، وهي حالة تعرف بـ"النيوتيني".
ورغم إعجازه البيولوجي، يواجه السمندل المكسيكي خطر الانقراض في بيئته الأصلية حول بحيرات المكسيك، بسبب التلوث وتغير المناخ وفقدان المواطن الطبيعية. ومع ذلك، يتكاثر الأمل في المختبرات، حيث يُعد نجما في أبحاث الطب التجديدي، وقد يصبح يوما مفتاحا لتطوير علاجات تنقذ ملايين البشر من إصابات مستعصية.
ثالثا: قناديل البحر الخالدة.. العودة إلى الطفولة
بين أعماق البحار، حيث الظلمة والضغط الهائل، تعيش كائنات شفافة أشبه بأشباح مائية، تمتلك قدرة حيرت العلماء، إنها قناديل البحر الخالدة "توريتوبسيس دوهرني"، وهي الكائن الوحيد المعروف علميا بأنه يستطيع العودة إلى مرحلة الطفولة مرارا، متحديا الموت البيولوجي، فعندما يتعرض للإجهاد أو الإصابة، لا يموت، بل يعيد برمجة خلاياها لتعود إلى المرحلة اليافعة وكأنها تولد من جديد، في دورة حياة "عكسية" تجعله من أقرب الكائنات لمفهوم "الخلود البيولوجي".
قد تبدو هذه القناديل وكأنها مخلوقات من أساطير الخيال العلمي، لكن ما تفعله هذه القناديل حقيقة مؤكدة، تم رصدها في المختبرات، وتثير أسئلة مصيرية: كيف يمكن لكائن متعدد الخلايا أن يعكس دورة حياته؟ وما الذي يمنعه من التقدم في العمر؟ وتجرى الآن أبحاث عديدة على هذه القناديل في محاولة لفهم الآليات الجزيئية وراء هذه الظاهرة، ربما لفك شفرة الشيخوخة يوما ما.
رابعا.. البكتيريا المتجمدة.. حياة خارج الزمن
في مختبرات معزولة، وتحت مجاهر عالية الدقة، عاد شكل من الحياة إلى الحركة بعد أن ظل مجمدا في الجليد لآلاف السنين، إنها البكتيريا المتجمدة، التي عُثر عليها في طبقات الجليد الدائم بسيبيريا، وكانت في حالة سبات كامل، كأنها علّقت في الزمن، ولكن ما إن توفرت لها بيئة مناسبة، حتى استعادت نشاطها وكأنها لم تفارق الحياة يوما.
والمثير أن هذه الكائنات الميكروبية ليست مجرد بقايا مجمدة، بل كيانات حية قادرة على الانقسام والتكاثر، رغم أنها جاءت من عصور سبقت الإنسان بكثير، فبعض العينات عُثر عليها مدفونة في الجليد منذ أكثر من 20 ألف عام، فكيف حافظت على تركيبها الحيوي؟ وكيف قاومت الإشعاع والعوامل البيئية؟ هذه الأسئلة فتحت أبوابا جديدة في علوم الحياة، وربما مفاتيح لفهم الحياة على كواكب أخرى.
ويرى بعض العلماء أن البكتيريا المتجمدة تمثل نموذجا حيا لما قد نجده يوما على المريخ أو أقمار المشتري الجليدية مثل "يوروبا"، فإذا كانت الحياة تستطيع البقاء كل هذه القرون في ظروف قاسية على الأرض، فما الذي يمنع وجودها في أعماق الكواكب المتجمدة؟، فهذه الكائنات الصامتة قد تكون رسلا من الماضي، أو بوابة لفهم مستقبل الحياة خارج كوكبنا.
خامسا: القرش الغرينلاندي.. المعمر الصامت
في أعماق المحيط المتجمدة، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، يسبح القرش الغرينلاندي ببطء وثبات، متحديا الزمن، فهذا الكائن البحري الغامض يُعد أطول الفقاريات عمرا على وجه الأرض، إذ قد يتجاوز عمره 500 عام، ما يجعله شاهدا صامتا على عصور بشرية كاملة لم يكن الإنسان يعرف فيها حتى الكهرباء.
ما يثير الدهشة في القرش الغرينلاندي ليس فقط طوله الذي قد يصل إلى 7 أمتار، بل قدرته الخارقة على تأخير الشيخوخة، إذ لا يبلغ مرحلة النضج الجنسي إلا بعد 150 عاما تقريبا، والعلماء يعتقدون أن بطء معدل نموه، ودرجة الحرارة المنخفضة التي يعيش فيها، يساهمان في إطالة عمره بشكل مذهل، ليبدو وكأنه مخلوق من الأساطير، لا من الطبيعة.
ورغم أنه يعيش في أعماق بعيدة عن الإنسان، إلا أن القرش الغرينلاندي ليس بمنأى عن الخطر، فقد أدرج في قائمة الحيوانات "المعرضة للانقراض" بسبب الصيد العرضي وتلوث المحيطات.
وتبرز هذه الأنواع الخمسة كدليل حي على أن الحياة أعقد وأعجب مما نتخيل، فما بين العودة إلى الطفولة والتجدد الأبدي والبقاء وسط الجليد أو النجاة في الفضاء، تبدو هذه الكائنات وكأنها فصول من رواية خيال علمي كتبتها الطبيعة، لكنها حقيقية تماما، ولم يتم فك شفرة أسرارها.