أعادت السلطات القطرية الأزمة إلى المربع الأول، وأذهبت جهود الشيخ صباح أدراج الرياح، بل إنها طعنت الوساطة الكويتية وضربتها في مقتل
مع حلول موعد نشر هذا المقال، دخلت المقاطعة العربية لقطر التي بدأت في الـ5 من يونيو الماضي، احتجاجاً على دعم الدوحة للإرهاب يومها الـ 100، لتكون مئوية الحزم العربي ضد إرهاب النظام القطري، الملاحظ بأنه لم يمر بعد سوى مائة يوم على المقاطعة لقطر ومع هذا تبدو الأزمة و كأنها دهر على القطريين، فقد شغلت قطر الناس بصراخها، وأنستهم خطر إيران بالمنطقة، إنها مائة يوم بلياليها مرت والدول الداعية لمكافحة الإرهاب تمارس حقها القانوني المشروع في الدفاع عن أمنها الإقليمي.
عندما جاء قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، كان بعد فاصل من مراحل التأزم في العلاقات بين دول عربية عدة وبين نظام الدوحة، تتابعت حلقاتها سريعا في الفترة الأخيرة، ولطالما دعت عواصم خليجية وعربية السلطات القطرية إلى التوقف عن سياستها التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة، والتلاعب والتهرب من الالتزامات والاتفاقيات ولكن دون جدوى.
لكن الأمر بلغ أبعاداً جديدة بعد تصريحات للشيخ تميم بن حمد أمير قطر، بثتها وسائل الإعلام القطرية، في 24 من شهر مايو الماضي، لخصت الخطوط العامة للسياسة القطرية، التي لا تتسق وكونها عضوا في مجلس التعاون الخليجي وملتزمة بالخط العام لسياساته، لاسيما عندما قال ليس من المصلحة التصعيد مع إيران، خاصة أنها قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة، كما وصف الشيخ تميم ميليشيات حزب الله اللبنانية بأنها حركة مقاومة، وفي اليوم التالي لهذه التصريحات أعلنت قطر أن موقع وكالة الأنباء تم اختراقه وليس هناك تصريحات للأمير تميم.
ولأن قطر لم تصدر أي بادرة تشير إلى احتمال فك الارتباط بينها وبين التنظيمات والجماعات المتطرفة والإرهابية التي تدعمها ماليا وسياسيا، بل وتوفر لها غطاء قانونيا بإيواء قياداتها في قطر، لهذا أعلنت البحرين والسعودية ومصر والإمارات واليمن حجب الإعلام القطري ثم قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وإغلاق الحدود والأجواء أمام حركة الطيران، وإقفال الموانئ والمياه الملاحية معها، ثم أعلنت قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن أنها قررت إنهاء مشاركة دولة قطر في التحالف بسبب ممارساتها التي تعزز الإرهاب، ودعمها تنظيمات في اليمن ومنها القاعدة وداعش، وتعاملها مع المليشيات الانقلابية في اليمن مما يتناقض مع أهداف التحالف التي من أهمها محاربة الإرهاب.
ولأن قطر سارعت لتصعيد الأزمة عسكريا استعانت بشريكها التركي، لهذا صادق البرلمان التركي على قانون لنشر قوات من الجيش التركي في قاعدة عسكرية تركية في دولة قطر تتضمن 5 آلاف جندي تركي، ويتضمن القانون التصديق على اتفاقية بين تركيا وقطر تسمح بوجود قوات برية تركية على الأراضي القطرية، وكذلك التصديق على التعاون العسكري بشأن تدريب وتأهيل قوات الدَرَك بين تركيا وقطر.
ما زالت قطر تتحجج بالسيادة، متناسية أنه لا وجود لسيادة في ظل تصدير الإرهاب وتمويله، وأنها لا زالت تحلم بحل الأزمة وفق هواها الإخونجي المخادع وهذا هو المستحيل، وليعلم "تنظيم الحمدين" أن المفاوضات والحوار على الطريقة "الإيرانية" مرفوض، وأن على تميم أن يثبت للقطريين قبل غيرهم أن الأمر والعصمة بيده لا بيد "الحمدين" وأذنابهم.
لقد حاولت الدوحة ومن دون جدوى اتخاذ عدد من الخطوات والإجراءات لتفادي التأثيرات السلبية للمقاطعة، كتعزيز العلاقات بتحالفات مع تركيا وإيران، أو استخدام سلاح تقديم الشكاوى لمجلس الأمن ومنظمة التجارة العالمية ومنطقة الطيران المدني الدولي لمواجهة قرارات المقاطعة، وخاصة غلق المجالات الجوية أمام خطوط الطيران القطرية، أو استغلال المليارات التي تملكها في تشويه سمعة الدول المقاطعة وتحسين صورتها، أو من خلال تعزيز استثماراتها في الغرب وجذب المستثمرين والشركات أو من الاستفادة من شركات العلاقة العامة، أو من خلال ضم نيمار لنادي باريس سان جرمان المملوك لقطر، أو من خلال إغراء العمالة الأجنبية بالبقاء في قطر، بل وحث العمالة الأجنبية في باقي دول الخليج على القدوم لها عن طريق تقديم تسهيلات غير مسبوقة للإقامة، وكل تلك الإجراءات والخطوات لم تسهم في رقع ذلك الشق الكبير في قطر والذي لم يترقع إلا بتلبية مطالب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب ووقف تمويله.
أعلنت كل من السعودية ومصر والإمارات ومملكة البحرين، عن تصنيف (59) فردا و(12) كيانا "مرتبطين بقطر" في قوائم الإرهاب المحظورة لديها، بعدها صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب من البيت الأبيض، بأن قطر "ممولة للإرهاب على أعلى المستويات"، وقال "علينا وقف تمويل الإرهاب"، وإنه "حان الوقت لقطر أن تنهي تمويلها للإرهاب.. يجب أن ينهوا هذا التمويل ونشر الأيديولوجية المتطرفة".
في 22 يونيو سلمت الكويت مطالب الدول المقاطعة إلى قطر، وبعد انتهاء مهلة العشرة أيام الممنوحة لدولة قطر، طلبت الكويت من الدول المقاطعة تمديد المهلة الممنوحة لدولة قطر 48 ساعة ووافقت الدول على طلب الكويت، بعدها اعتبرت الدول المقاطعة أن قطر رفضت المطالب، والمطالب باتت لاغية بانتهاء المهلة، وأنها "ستتخذ كل الإجراءات والتدابير السياسية والاقتصادية والقانونية بالشكل الذي تراه وفي الوقت المناسب.
وفي 21 يوليو ألقى أمير قطر خطابا حول الأزمة القطرية، بعدها أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر تصنيف (9) كيانات و(9) أفراد تُضاف إلى قوائم الإرهاب المحظورة لديها، بعدها تقدمت قطر بشكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد المقاطعة التجارية وتقدمت أيضاً بشكوى إلى "إيكاو" ضد إغلاق المجال الجوي التي تفرضه دول المقاطعة، وكل هذه المساعي القطرية أيضا باءت بالفشل، بعدها توالت الزيارات للمنطقة لوزراء خارجية كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا والكل أجمع بأن الحل خليجي وعبر الوساطة الكويتية.
ولأن الولايات المتحدة وقطر وقعتا مذكرة تفاهم لمحاربة الإرهاب وتمويله خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى الدوحة، فقد أصدرت الدول بيانا مشتركا أشارت فيه إلى أن عقوباتها ستظل قائمة إلى أن تنفذ الدوحة كامل مطالبها، وإنها ستراقب "عن كثب مدى جدية السلطات القطرية في مكافحتها لكل أشكال تمويل الإرهاب ودعمه واحتضانه"، ووصفت الدول العربية الأربع المقاطعة لقطر توقيع اتفاق بين الدوحة وواشنطن لمكافحة تمويل الإرهاب بأنه "خطوة غير كافية"، مشددة على أنها "ستراقب عن كثب مدى جدية السلطات القطرية" في تنفيذ ذلك.
ولأن قطر مختطفة من قبل الجماعات الإرهابية كانت تفضل الهروب إلى الأمام، ليكون التخبط والارتباك سلوك حكومتها منذ اليوم الأول للمقاطعة العربية، ظلت قطر تُمارس هواياتها في تضييع الفرص التي كانت تتواتر حرصاً على الشعب القطري، اتجّهت إلى تأزيم الأوضاع عبر الارتماء في أحضان إيران وتركيا، وبتسييس الحج حين منعت حجاجها، ولكي توحي للعالم بأن السعودية هي التي منعت الحجاج في محاولة خبيثة لإحراجها، وبينما كانت السعودية حريصة على أداء حجاج قطر للحج وتأمين سلامتهم، حرص النظام القطري على تعطيل وصولهم إلى بيت الله الحرام والتضييق على العائدين، في أحد فصول خيانة النظام القطري لشعبه وأشقائه، هذا النظام الذي تكتظ سجلاته المخزية بعناوين أخرى للتآمر على المحيط العربي، ومع كل محطة خلال الـمئة يوم الماضية كانت الدوحة تواصل الهروب إلى الأمام، مروجة لخطاب المظلومية والحصار، وتبحث عن حل متوهم في عواصم غربية، لم تتوانَ هي الأخرى على التأكيد المؤكد بأن الحل هناك في العاصمة السعودية الرياض.
بعد تصريحات الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت، في واشنطن، عن موافقة قطر على الشروط الـ13 لحل أزمتها مع الدول الأربع، أجهضت حكومة قطر هذه الوساطة وبصورة عاجلة، عندما سارع وزير خارجية قطر لنفي تلك التصريحات بشدة، بل إنه زعم أن جميع المطالَب الـ13 تمس السيادة القطرية، فبعد أن بدا أن الشيخ صباح يعطي شيئاً من التفاؤل بأن هناك انفراجة قادمة وأن الدوحة تتجاوب قليلاً مع وساطته المستمرة منذ نحو ثلاثة أشهر، أعادت السلطات القطرية الأزمة إلى المربع الأول، وأذهبت جهود الشيخ صباح أدراج الرياح، بل إنها طعنت الوساطة الكويتية وضربتها في مقتل وأمام الكل.
وعلى المنوال ذاته لم يكن للنظام القطري أن يكمل عدة مئويته دون فصل تخبط جديد، عقب لحظات من إتمام الاتصال الذي طلبه الشيخ تميم بن حمد مع ولي العهد السعودي، من أجل الحوار مع الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، نشرت وكالة الأنباء القطرية معلومات تحريفية لمضمون الاتصال، ووصفت وكالة الأنباء السعودية عبر بيانها أن ما نشرته الوكالة القطرية يعد استمرارا في التحريف الذي تمارسه السلطة القطرية للحقائق، مما يدل بشكل واضح على أنها لم تستوعب أن المملكة ليس لها أي استعداد للتسامح مع التحوير القطري المستمر للاتفاقات والحقائق، لهذا أعلنت وزارة الخارجية السعودية وقف أي حوار أو تواصل مع السلطة في قطر لحين صدور توضيح موقفها بشكل علني، واشترطت المملكة أن تكون تصريحات الدوحة بالعلن متطابقة مع ما تلتزم به، وأكدت أن تخبط السياسة القطرية لا يعزز بناء الثقة المطلوبة للحوار.
ما زالت قطر تتحجج بالسيادة، متناسية أنه لا وجود لسيادة في ظل تصدير الإرهاب وتمويله، وأنها لا زالت تحلم بحل الأزمة وفق هواها الإخونجي المخادع وهذا هو المستحيل، وليعلم "تنظيم الحمدين" أن المفاوضات والحوار على الطريقة "الإيرانية" مرفوض، وأن على تميم أن يثبت للقطريين قبل غيرهم أن الأمر والعصمة بيده لا بيد "الحمدين" وأذنابهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة