لا يمكن وصف العرض المزري الذي قدَّمه وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري سلطان بن سعد المريخي في اجتماع الدورة 148 إلا بالمهزلة
لا يمكن وصف العرض المزري الذي قدَّمه وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري سلطان بن سعد المريخي في الجلسة الافتتاحية لاجتماع الدورة 148 لوزراء الخارجية العرب أمس، إلا بأنه "مهزلة" جديدة تضاف إلى قائمة من المهازل التي دأبت عليها قطر منذ وقت طويل، لكن وتيرتها تصاعدت وأصبحت أكثر فجاجة في الفترة الأخيرة، مما يدل على أن معاناة "نظام الحمدين" تتفاقم، وأنه يزداد تيهاً وتخبطاً كلما شعر بأن وقت الحساب على جرائمه قد حان.
خرج سلطان المريخي على العالم العربي والعالم بابتكاره الذي سيُسجل باسمه في الأدبيات السياسية، وهو وصف إيران بأنها "دولة شريفة"، خالطاً بين مقامٍ تعرض فيه الدول سياساتها ورؤاها وتناقش تطورات المنطقة والعالم، ومقامٍ تعرض فيه الخالات والعمات قريباتهن للزواج.
خرج سلطان المريخي على العالم العربي والعالم بابتكاره الذي سيُسجل باسمه في الأدبيات السياسية، وهو وصف إيران بأنها "دولة شريفة"، خالطاً بين مقامٍ تعرض فيه الدول سياساتها ورؤاها وتناقش تطورات المنطقة والعالم، ومقامٍ تعرض فيه الخالات والعمات قريباتهن للزواج
وبعيداً عن "المسخرة" القطرية، وإذا كان للحديث الجاد مع قطر مكان، فإن "الشرف" ليس مقياساً سياسياً تُقيّم من خلاله الدول وتُحدَّد أوزانها على خريطة المنطقة والعالم، بل إن هناك تقييمات ومعايير عالمية معروفة تقيس أداء الدول في كل المجالات التي يمتد إليها دورها، وحتى الجوانب المعنوية لها معاييرها المعروفة. ولا نريد أن نكرر ما هو ذائع ومُتاح عن وضع إيران السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وعن سياساتها التخريبية التي يعاني منها العالم العربي، وعن تمويل الإرهاب وزرع الخلايا النائمة واليقظة ونسج المؤامرات التي تكشفها أجهزة الأمن والخليجية والعربية كل يوم. وكيف يكون شريفاً من ينطلق من أرضية طائفية بغيضة، ويمارس القهر والقمع، ويترك شعبه للجوع والفقر والجهل وإدمان المخدرات فيما تحفل أرضه بالثروات الطبيعية الهائلة والطاقات البشرية التي تحاول الهرب من جحيمه؟
لا نريد أن نطيل، فوضع إيران معروف، ومؤامراتها ليست خافية على أحد. ولكننا سنسأل، استطراداً، عن "الشرف" الذي يجعل قطر تسحب سفيرها من إيران قبل وقت قصير ثم تتغزل في إيران اليوم غزلاً غير عفيف ولا شريف؟ أي شرف يا وزير الدولة للشؤون الخارجية في أن تدعي أمس أنك كنت تحارب إيران في اليمن، وتسخر إعلامك للحديث عن مؤامراتها طيلة سنين، ثم تدعي اليوم أن الدولة التي تحاربها "شريفة"؟ عن أي شرف تتحدث؟
أنت، ودولتك بين اختيارين يا معالي الوزير القطري، أولهما أن قطر كانت تلعب سابقاً دور الجاسوس أو الطابور الخامس في التحالف العربي، وكانت تصرفاتها المعلنة هذه سحابات دخان تغطي وجهها المتآمر، وأن ما نراه الآن هو حقيقتك البغيضة التي تعبر عن أخلاق "نظام الحمدين" خير تعبير. والاختيار الثاني أنك ذهبت إلى طهران ذليلاً مُستجدياً مُنكس الرأس، وأن ملالي طهران فرضوا عليك أن تقول ما قلت ليرضوا، ولهذا كنت حريصاً على أن تؤكد أن إيران لم تطلب منكم شيئاً، رغم أن أحداً لم يسألك! ويكاد المريب يقول خذوني.
أي شرف يا معالي الوزير ونظام الحمدين بحديثك هذا إما متآمر خائن، وإما ذليل ينفذ ما يُملى عليه. وأعتقد أنك ونظام الحمدين بهذا العرض المقزز الذي قدَّمته تؤكدان أنكما تجمعان بين الخيانة والذلة معاً. ولا تزال الدلائل تتوالى على الدور الذي مارسه نظام الحمدين في اليمن وداخل مجلس التعاون، ولن يمر ذلك دون حساب.
لم يكن هناك داعٍ لذكر إيران في حديث الوزير القطري، الذي أقحم اسمها إقحاماً لا يخطئه عقل، ولكن يبدو أن اليد الإيرانية الغليظة أصبحت قادرة على أن تُجبر نظام الحمدين ومسؤوليه على قول ما تريد في محفل عربي خالص، لتهزأ به وتؤكد تبعيته لها واختراقها للعالم العربي من خلاله، وهو الذي يتحدث ليل نهار عن السيادة التي يزعم أنها خط أحمر.
إن سلوك نظام الحمدين يكاد يتطابق مع سلوك الملالي في طهران، سواء في إشعال الفتن والحروب، وفي التآمر على العرب وكراهيتهم، وفي الرغبة في تقويض الدول العربية وهدمها من الداخل، وفي التجارة بالدين واستغلاله أبشع استغلال، وفي دعم الإرهاب المتستر بالدين بانتهازية لا حدود لها، فلا مانع لدى طهران من دعم القاعدة وإيواء قادتها كما فعلت وتفعل برغم ادعائها الدفاع عن الشيعة، ولا مانع لدى الدوحة من دعم "حزب الله" وتمويله وعقد الصفقات معه برغم اللافتة السنية التي ترفعها. لا مانع لدى الطرفين من التحالف مع الشياطين ما دام ذلك يحقق الهدف، وهو إسقاط الدول العربية وتخريبها. ولهذا فلا عجب في أن يرى نظام الحمدين أن إيران دولة "شريفة"، لأن مفهوم الشرف لدى الطرفين على ما يبدو هو الخيانة والتخريب ونشر الموت والدمار والتجارة الرخيصة بالدين.
حديث الوزير القطري ليس إلا حلقة جديدة في مسلسل الخيبات القطري، وهو خير شاهد على ضعف تأهيل المسؤولين القطريين، وعدم قدرتهم على مجاراة أقرانهم في المحافل الرسمية والمؤتمرات الصحفية، والوزير القطري لم يشذ عن صاحبيه، وزير الخارجية القطري الذي اعترف علناً بدعم دولته للإرهاب، والسفير القطري في واشنطن الذي بات أضحوكة بسبب اضطرابه وتلعثمه.
وفي ظل إفلاسه، فإن النظام القطري لم يعد أمامه إلا إثارة المعارك الزائفة، وشحن الآلة الإعلامية الممولة منه لتوغل في التشهير والسب ومحاولة تزييف الواقع والكذب على الناس وعلى الذات أيضاً. ومثل هذه الأدوات سرعان ما تفقد تأثيرها وصلاحيتها، فإذا كان النموذج الأشهر والأقوى لاستخدام الدعاية هو النظام النازي في ألمانيا، وإذا كانت هذه الدعاية قد حققت ما توهم القائمون عليها أنه نجاح لا نظير له، فإنها سقطت سقوطاً مدوياً في النهاية، وقادت أصحابها إلى نهاية بشعة، وفي ذلك عبرة لمن يعتبر.
الزبد يذهب جفاءً، والأكاذيب لا تعيش، والحقائق الدامغة ستدحض الزيف لا محالة، وأمام قطر طريق واحد هو كف أذاها عن جيرانها والاستجابة لمطالبهم المشروعة. وكلما أطال نظام الحمدين مناوراته وألاعيبه فإن الفاتورة ستكون أثقل وأفدح، ولا مفر أخيراً من دفعها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة