طبيعة أنشيلوتي المسالمة جعلته يمنح الحرية التامة لأفضل لاعبي العالم ما جعلهم يتألقون لكنه في نفس الوقت ضعيف أمام إدارات الأندية
عندما يرفض لاعب ما مصافحة مدربه أثناء خروجه من الملعب، أو أن يلقي آخر بقميصه تعبيرا عن غضبه من قرار استبداله، أو أن يشكك ثالث في قناعة المدرب بإمكانياته ساخرا بشكل واضح من إمكانيات المدرب نفسه، أو أن يتحدث مهاجم رابع عن رفضه لسياسة تعاقدات النادي، كل هذه الأشياء تعني في كرة القدم شيئا واحدا أن المدرب غير موجود.
استمرار أنشيلوتي في ميونيخ بات أمراً مؤقتاً، لأنه لم ينجح في إقناع الجماهير واللاعبين والرأي العام الكروي بأنه الرجل المناسب في المكان المناسب
فالمدرب الذي يسمح لأحد لاعبيه بالتطاول عليه ولا يستطيع لم شمل الفريق لا يصلح لأن يكون بطلاً للدوري المحلي وهذا للأسف ما ينطبق على الإيطالي كارلو أنشيلوتي المدير الفني لفريق بايرن ميونيخ.
هناك العديد من الأشياء المثيرة للجدل حول أنشيلوتي الفائز سابقا بثلاثة ألقاب لدوري أبطال أوروبا منها أثنين مع ميلان والثالثة مع ريال مدريد، لكنه لم يحقق لقب الدوري المحلي إلا 4 مرات على مدار ما يقرب من 20 سنة مهنية.
بالنظر إلى طبيعة شخصية أنشيلوتي سنجد أن الأمر بسيط للغاية، فالرجل يملك شخصية مسالمة في مواجهة مجالس إدارات الأندية التي عمل فيها بداية من تدخلات سيلفيو بيرلسكوني مروراً بتعاقدات فلورنتينو بيريز والاستغناء مرة عن مسعود أوزيل ومرة عن أنخيل دي ماريا وصولاً إلى إدارة أولي هونيس وكارل هاينز رومينيجه التي لا تؤمن بالمغامرة في الإنفاق ولا المغامرة حتى في جلب المواهب الشابة.
لو نظرت على مسيرة أنشيلوتي نفسها مع إدارة رومان إبراموفيتش المالك الروسي لتشيلسي أثناء توليه تدريب الفريق من 2009 إلى 2011 ستجد نفس الأمر خاصة أن أبراموفيتش لا يختلف كثيراً عن بيرلسكوني وبيريز، فالعقلية هي نفسها في إدارة ناد تسعى لتحقيق البطولات وضم أغلى اللاعبين لكن بطريقتها الخاصة ودون النظر لوجهة نظر فنية، وأضف إليهم باريس سان جيرمان.
إن طبيعة أنشيلوتي المسالمة جعلته يمنح الحرية التامة لأفضل لاعبي العالم وكان لأسلوبه في هذه الحالات ميزة جعلتهم يتألقون ويقدمون أفضل ما لديهم في وجوده، هذا ينطبق على ريكاردو كاكا وكريستيانو رونالدو وزلاتان إبراهيموفيتش وروبيرت ليفاندوفسكي.
لكن بالنظر لفشل الإيطالي الجزئي مع بايرن والفشل الكلي في موسمه الثاني مع تشيلسي أو حتى فشله بالتتويج بلقب الليجا مع ريال مدريد رغم كل الإمكانيات المتاحة ورغم ترنح برشلونة في 2014 سنجد أن الأمر في غاية البساطة أيضاً ولكنك فقط تحتاج لأن تقارنه بجوسيب جوارديولا ليتضح الفارق وتظهر الحقيقة.
فجوارديولا مدرب صاحب فلسفة لا يقبل من أحد التدخل فيها، وبالتالي لم يكن ممكناً له أن يبقى في برشلونة طويلاً في عهد ساندرو روسيل أو أن يمدد عقده مع بايرن حيث يطالبونه في ألمانيا بكل شيء والإدارة لا تمنحه لاعبين من المستوى الأول.
إن المدرب الذي لا يمتلك الشخصية القوية والذي لا يفرض نظاماً والذي يسمح للاعب بالتطاول عليه ولا يقدر على لم شمل لاعبيه أو إقناعهم بإمكانياته الفنية لا يصلح لأن يكون بطلاً لبطولات الدوري المحلي إلا نادراً لأنه في ظل عدم وجود نظام عمل وانضباط لن يكون يسيراً لك أن تحقق بطولة النفس الطويل.
يختلف الأمر في بطولات خروج المغلوب مثل دوري أبطال أوروبا مثلاً، وهنا يظهر أنشيلوتي في أقصى درجات شراسته ويكون بإمكانه تحفيز لاعبيه لتقديم الشيء غير المألوف الذي يقدمونه على مدار الموسم، ولكنه يصطدم بعدم الانضباط المتأصل في نظامه الهش، فيحدث ما حدث لبايرن الموسم الماضي.
عدم الانضباط في نظام أنشيلوتي تسبب في عنف أرتورو فيدال ورعونة خافي مارتينيز فتعرض الثنائي للطرد في ظل حاجة ماسة لهم على أرض الملعب وبما أن المدرب لا يفرض الانضباط ولا يهتم بالنظام فكان طبيعيا أن تتكرر تلك الحوادث، وبعيداً عن حقيقة أن الكرة التي تعرض فيها فيدال للطرد لم تكن تستحق البطاقة الحمراء، فأن اللاعب نفسه كان يستحق البطاقة نفسها في الشوط الأول.
وفي ظل الحديث عن تقارير صحفية تقول إن هناك اتفاقا بين أنشيلوتي وأحد أندية الدوري الصيني لتولي تدريبه في الشتاء المقبل، فإن استمرار أنشيلوتي في ميونيخ بات أمراً مؤقتاً، لأنه ببساطة لم ينجح في إقناع الجماهير واللاعبين والرأي العام الكروي في ألمانيا بأنه الرجل المناسب في المكان المناسب، ما يعني أن لحظة زوال الاقتناع الإداري به اقتربت جدا من القدوم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة