مكتشف أثري يحلل لـ"العين" معنى تاج مصر الجنوبي
أحد الأثريين استطاع التوصل إلى المعنى الرمزي للتاج الأبيض الجنوبي لمصر في عهد قبل الأسرات وتوحيد مصر عام 3200 ق.م
استطاع أحد الأثريين الشباب التوصل إلى المعنى الرمزي للتاج الأبيض الجنوبي لمصر في عهد ما قبل الأسرات وتوحيد مصر عام 3200 ق.م على يد الملك "نعرمر".
يقول صاحب الاكتشاف الباحث ومفتش آثار الخارجة ومعبد هيبس، حسن جابر الواحاتي: "فكرت كثيراً في البداية عن ماهية وأصل شكل التاج الأبيض الخاص بالجنوب والوجه القبلي؛ فقمت بمراجعة كل الآراء التي تحدثت من قبل عن هذا الشكل، وفندت هذه الآراء ولم أقتنع بها بشكل كافٍ، فبدأت أبحث عن تفسيرات أخرى للشكل، خاصة أن الآراء السابقة تحدثت أن الشكل مشتق من براعم البردى المقفلة التي يعلوها قرص الشمس، ولكنها كانت في رأيي ضعيفة لأن الشكل مستمد من قطعة واحدة وليس أجزاء مركبة".
يضيف الواحاتي في حديثه لبوابة "العين" الإخبارية: "قمت بالربط وتحليل الفكرة من التشبيه والرمزية؛ حيث إن الشكل يمثل القوة، وهو شيء ضروري جداً للملك عند المصري القديم وعقيدته الدينية من أجل الحكم والبقاء فى الحكم، الذي كان يرى أن سيطرته تكون بقوة مثل الأسد الفتاك الذي يعدو بقوة، ويسيطر ويهجم، ويفترس عدوه وفريسته، هكذا الملك يبدو قوياً من خلال ارتدائه ما يمثل العضلة الأقوى في جسم هذا الحيوان القوي جداً، إذن الشكل يعبر عن القوة بشكل واضح وصريح جداً، ولاحظت أن شكل التاج يمثل الضلع أو العضل الأمامي للأسد الناهض".
نال "التاج الأبيض" العديد من التأويلات في كتب التاريخ منها قول المؤرخ القبطي عزت أندراوس في "موسوعة تاريخ أقباط مصر": إنه "يشبه الخوذة الأسطوانية البيضاء، التي تضيق عند قمتها لكي تنتهي بانتفاخ كروي، وجعلوا عاصمتهم مدينة "نخب" وهي "الكاب" الحالية بالقرب من مدينة "إدفو" بمحافظة أسوان، وكانت آلهتها على شكل أنثى النسر، واتخذ أهلها زهرة اللوتس شعاراً في الجنوب، ونبات البوص الذي يمثل الجنوب".
يضيف أندراوس: "من مدينة طيبة خرج الملك مينا، الذي استطاع توحيد الوجهين البحري والقبلي نحو عام 3200 ق.م، وأتم مجهودات أسلافه، وكون لمصر كلها حكومة مركزية قوية، وأصبح أول حاكم وأطلق عليه المصريون عدة ألقاب منها "ملك الأرضين، صاحب التاجين"، تمجيداً لما قام به من حروب لتوحيد مصر شمالها وجنوبها.
عن رأي المتخصصين في اكتشاف المعنى الرمزي للتاج الأبيض الجنوبي لمصر يقول الدكتور أحمد دياب، أستاذ اللغة المصرية القديمة بجامعة كلاجنفورت بالنمسا: "عبقرية هذا الاكتشاف تتمثل في عدم وجود شاهد أثري مكتوب يخبرنا بذلك، لذلك فالمكتشف جابر الوحاتي اكتشف أصل الرمز خلال بحثه ونظره الثاقب في حدود تمييز رموز الحياة، والارتباط الوثيق بين الأجداد والطبيعة وكل كائناتها، حيث عثر على كينونة رمز تاج وادي النيل الأبيض، الذي يماثل أقوى عضلات الأسد الناهض ليعبر عن قوة وسرعة ملك مصر".
ويضيف دياب أن "الإنسان المصري الأول اختار لغته وحروفه من لغة وحروف الطبيعة وكائناتها، هذا المبدأ في تشكيل رموز النظام اللغوي الكتابي وأسمائها، اقتبسته كل الحضارات الأخرى الموازية للحضارة المصرية، حتى من جاء بعدها، وعند تشكيل وتثبيت النظام اللغوي الكتابي العربي في القرن السابع الميلادي، وهو أحدث نظام سامي بعد الأكاديين والكنعانيين والآراميين ، فقد طبّق اللغويون العرب المبدأ المصري نفسه في تسميّة رموزهم خلال كائنات الطبيعة، وهذا يؤكّد بشكل قاطع صحة الاكتشاف الجديد".
أما بالنسبة لأهمية هذا الاكتشاف يقول الواحاتي إنه "يمثل نقطة انطلاق للباحثين للتعرف والبحث عن ماهية الرموز الدينية والحياتية عند المصري القديم، والذي كان يستمد كل شيء من الطبيعة القريبة المباشرة له، كما يساعد هذا الطرح على قوة الملاحظة لدى من يبحث فى علم المصريات، وألا يترك شيئاً عند المصري القديم إلا ويجب البحث عنه وإرجاعه إلى أصله".