"التربية الأخلاقية تراث خليجي أصيل" في مؤتمر التراث الشفهي بأبوظبي
دائرة الثقافة والسياحة–أبوظبي تفتتح المؤتمر الخليجي الخامس للتراث والتاريخ الشفهي بعنوان "التربية الأخلاقية تراث خليجي أصيل".
افتتحت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، الاثنين، المؤتمر الخليجي الخامس للتراث والتاريخ الشفهي تحت عنوان "التربية الأخلاقية تراث خليجي أصيل" بمشاركة عدد من الأكاديميين والباحثين والخبراء في الجامعات الخليجيّة والمؤسسات التعليمية والجهات المعنيّة بالتراث والتاريخ، إضافة إلى عدد من المتخصصين في علم الاجتماع والتاريخ.
انطلق المؤتمر في فندق سانت ريجيس بأبوظبي، ويستمر حتى 17 أكتوبر، ويركز على أهمية التربية الأخلاقية كتراث خليجي أصيل، وبخاصة أن دولة الإمارات العربية المتحدة أولت الاهتمام الكبير بالبعد الإنساني والأخلاقي في تطوير النظام التعليمي، بناء على توجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بتضمينها في المنهج الدراسي.
وافتتح المؤتمر بتسجيل للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يؤكد فيه على أهمية التراث في بناء الأوطان، مرددا "لا تساهل ولا تهاون مع من يهدد قيمنا وتراثنا".
وركزت كلمة سيف سعيد غباش المدير العام لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة على أهمية المؤتمر لترجمة رؤية القيادة الإماراتية في التغيير واستشراف المستقبل، وقال "نستضيف في هذا المؤتمر كوكبة من المتخصصين، والأكاديميّين، والباحثين والمهتَمّين بالتّراث، الذين جاءوا لتبادل الأفكار، وعرض التّجارُب، وتحديد الرّؤى والاستراتيجيات حول قضية من أهمِّ القضايا الثقافية، والتراثية في دولنا الخليجية، وعلى مستوى المِنطقة والعالم، وهي قضية التربية الأخلاقية وموقعها في سُلَّم القيم والأولويات لبناء الأجيال الذين هم عدّةُ الحاضر، وأملُ المستقبل. إننا ونحن نضعُ في دولةِ الإمارات العربيةِ المتحدةِ رؤية قيادتنا الرشيدة لمنهاج التربية الأخلاقية موضِعَ التطبيق في هذا العامِ الدراسيِّ، نتطلّع إلى إثراء هذه التجربة بالرؤَى والممارسات الخليجية التي تصبُّ في هذا المِضماَرِ، وأحسَبها تجارب، وخبرات واسعةً ومفيدةً كوننا نستقي مقوِّماتنا التراثية، والقِيمية من النّبع ذاته، بل نتطلّع أكثر أن يكون لنا منهاج خليجي موحد في مادة التربية الأخلاقية، وغيرها من الموادِ الدراسيةِ التي تُعِدُّ أبناءَنا للغدِ وللمستقبلِ الزاهرِ. والأملُ يحدونا دائماً بدوائرنا وهيئاتِنا، ومؤسساتِنا الثقافيةِ، والتربويةِ التي تشكّلُ الإطارَ المشترَكَ لجُهدِنا الخليجيِّ في تحقيقِ كلِّ هذه الأهدافِ والغايات.
وأضاف غباش "إنّ إِقَامَة المؤتمر الخَامس للتّراثِ والتاريخ الشّفَهِيِّ في دولةِ الإمارات العربيةِ المتحدةِ يعزِّزُ الجهودَ التي تبذِلُها دائرةُ الثقافةِ والسياحةِ مِن أَجلِ بناءِ شَراكةٍ خليجية واعدة على صعيدِ الثقافةِ والتّراث".
يأتي تنظيم المؤتمر امتدادا للمؤتمرات الخليجيّة السابقة التي نظمتها دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي منذ عام 2010 لمناقشة مستجدات ودراسات المؤسسات والهيئات الثقافيّة والتراثيّة في دول مجلس التعاون الخليجي بمجال التربية الأخلاقية.
ويشكل المؤتمر الحالي بمحاوره وأهدافه إضافة نوعية لما تم إنجازه في الدورات الأربعة السابقة، حيث يتناول موضوعا مستقبليا على درجة رفيعة من حيث الأهمية، وهو ما يتعلق بالتربية الأخلاقية ودورها في حماية القيم، وترسيخ الإيجابية والفضائل والأخلاقيات الرفيعة لدى الطلبة منذ مقاعد الدراسة بصورة عامة، ما يمكنهم من الإسهام في دفع مسيرة النهضة الحضارية، التي تشهدها الدولة في جميع المجالات.
ويأتي برنامج المؤتمر حافلاً بالعديد من جلسات عمل التي تبحث تجارب وقضايا مختلفة في التربية الأخلاقية وأهميتها، حيث شهد اليوم الأول الذي انطلق تحت عنوان إضاءات على التربيّة الأخلاقيّة الخليجيّة" جلستي عمل بالإضافة إلى ورش العمل المتخصصة، وقد ترأس الجلسة الأولى د عبدالله عبدالرحمن يتيم، فيما قدمت الدكتورة موزة محمد غباش رئيسة رواق عوشة بنت حسين الثقافي – دبي ورقة عمل بعنوان " الهويّة والتراث الشعبي- التربية الأخلاقيّة أنموذجاً"، جاء فيها "للتربية الأخلاقية في تراثنا الخليجي جذور عميقة ضاربة بالتاريخ، وهي تستمد بقاءها ورسوخها من عدة عوامل أهمها الشريعة الإسلامية السمحاء والتراث الشعبي الأصيل بما فيه من قيم وعادات وتقاليد وطرق للعيش. وكما للأسرة الخليجية باعتبارها الحاضنة الأولى للطفل أثر كبير في الحفاظ على هذه العادات والتقاليد فهي تربي الطفل ليكون حاملاً لهويته الوطنية ومنسجماً مع بيئته وتحاول أن ترسم له طريق مستقبله بما يعود عليها وعلى المجتمع بالنفع. ثم يأتي دور المدرسة والمجتمع حيث صارت المدرسة والمؤسسات المجتمعية والثقافية تركز على البناء العلمي والثقافي مرادفاً للبناء القيمي، وصار الاعتزاز بالقيم والتراث جزءاً من الهوية الوطنية".
فيما تناول الدكتور حمد بن صراي في ورقته بعنوان المنظومة الأخلاقيّة في فكر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، "يعدّ المغفور له الشّيخ سلطان بن زايد "طيّب الله ثراه" أحد النّماذج العربيّة الإسلاميّة المعاصرة الفريدة التي تركت آثاراً إيجابيّة متنوّعة على كافّة الأصعدة، وشملتْ جوانب كثيرة في الحياة والمجتمع، ويعتبر الجانب التربوي ميداناً رحباً برزّ فيه الشيخ زايد من خلال أحاديثه وزياراته ولقاءاته بالطلبة وأولياء الأمور، وتتبّعه للواقع التربوي بناءً وعمارةً وتدريساً. وتبع ذلك قيامه بغرس القيم الأخلاقيّة في نفوس الأجيال، وصرّح في أكثر من حديث أنّ أخلاق المجتمع من تسامحٍ ومبادرةٍ وخيريّةٍ وتفاضلٍ وإقبالٍ وتواصلٍ وتعاطفٍ وتراحمٍ متجذّرة في مجتمع الإمارات، كما أسهمت المجالس التي أظهر فيها الشيخ زايد "طيّب الله ثراه" قدرة فائقة في إدارة الحوارات، وتوجيه الأنظار إلى نقاط محدّدة تدور حول الأخلاق، وآداب المجالس، وإكرام الضّيف، واحترام القيادات، وتقدير الكبار، وتربية الصغار رغبة منه في إحاطة المجتمع بسياج الخير والفضيلة مع التركيز على الأجيال النّاشئة التي أضحتْ الهمّ الكبير لدى الشيخ زايد ووضعها في محلّ الاهتمام".
وبدورها قدمت الدكتورة ضياء الكعبي عضو هيئة التدريس قسم اللغة العربية- جامعة البحرين ورقة بعنوان "تمثيلات التربيّة الأخلاقيّة في الثقافة الشعبيّة الخليجيّ"، جاء فيها "تعد الثقافة الشعبية الخليجية ركيزة أساسية في التكوين الثقافي والحضاري للإنسان الخليجي وتتمثل في علائقه بكل ما يحيط به وبرؤيته الكونية للأشياء من حوله. والثقافة الشعبية الخليجية يجمعها كثير من المؤتلفات المتشابهة مع بعض الخصوصيات الثقافية باختلاف البيئات. وترتكز الثقافة الشعبية الخليجية على ركائز أخلاقية مستندة إلى قيم الدين الإسلامي وقيم المروءة العربية الأصيلة. كما وتسعى هذه الورقة إلى بيان تمثيلات التربية الأخلاقية في الثقافة الشعبية الخليجية من خلال التركيز على بيان قيم ثقافة الصحراء البدوية وتجليات هذه القيم في الثقافة الشعبية الخليجية على تنوعاتها المختلفة من سير الفروسية والحكايات الشعبية والشعر النبطي والأمثال وغيرها التي سادت ولاتزال الجزيرة العربية ومناطق من الخليج العربي. وتقترح هذه الورقة استراتيجية أخلاقية لمناهج التربية الأخلاقية الخليجية تستفيد في بنائها من قيم المروءة العربية الأصيلة في ثقافة الصحراء".
فيما قدم دكتور معجب بن سعيد الزهراني، عضو هيئة التدريس في قسم اللغة العربية وآدابها- جامعة الملك سعود، ورقة عمل بعنوان "الحكاية الشعبيّة - منجم التربيّة الأخلاقيّة المهجور" قال فيها "يمكن النظر إلى الأخلاق الفاضلة بوصفها عملة متداولة، تزيد بها قيمة الإنسان، وتقلّ بفقدها، وتمثل الحكايات الشعبية أحد مناجمها؛ فهي من المصادر الأولية التي اعتاد الناس على استقاء القيم منها منذ القدم، لكن خفوت الحكاية الشعبية في المجتمعات الحديثة، إن لم يكن غيابها، يعني تلاشي أحد مصادر تشكيل الشخصية الخليجية. تتضمن الحكايات الشعبية Folktales في إطارها العام أشكالًا من السرد في تعابير شفاهية؛ إذ تسرد، من خلال راوٍ افتراضي، سلسلة من الأحداث التي تمزج بين الواقع والخيال، وتنتقل من جيل إلى آخر، ومن سماتها: أنها متطورة، وترتهن إلى النقل الشفاهي، وتنتمي إلى الثقافة التقليدية، لترسم بذلك خطاباً جمعياً شفاهياً له أدواره في بناء هوية الإنسان ووعيه".
أمّا الجلسة الثانية ترأسها محمد بن مسلم المهري من الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، وتناول فيها ناصر بن سيف السعدي، مدرس في وزارة التربية والتعليم سلطنة عُمان ورقة "نظرة على ثقافة التسامح واحترام الآخر في التراث الثقافي العماني" جاء فيها "التراث الثقافي سواء المدون أو الشفهي، مرآة عاكسة لطبيعة المجتمع الذي ينتمي إليه ذلك التراث، ومن خلاله يمكن تِبيان طبيعة العلاقات بين أفراده أولاً ومع الآخر ثانياً. كما ألقت الورقة نظرة على أسس ومقومات ثقافة التسامح في التراث العماني، ورصد الجهود والأدوار التي مارستها تلك النخب الاجتماعية والدينية، من أجل ترسيخ وإرساء مبادئ التعايش في وجدان الإنسان العماني، خاصة أنّ هنالك العديد من الصور والملامح التي تؤكد على سعي العلماء والفقهاء من أجل نبذ التعصب والكراهية مع الأديان والأجناس الأخرى".
وناقشت الدكتورة بزة الباطني، خبير مناهج تعليمية من الكويت، في ورقتها بعنوان "التربية الأخلاقيّة في الحكاية الشعبيّة" مفهوم التربية الأخلاقيّة ككل والذي اختلف حوله الفلاسفة والعلماء كما تناولت الحكاية الشعبية بأنماطها وتصنيفاتها المختلفة كأسلوب من الأساليب التي مارسها الأجداد لغرس القيم الأخلاقية الحميدة في نفوس الصغار بالإضافة إلى الإمتاع والترفيه، كما وتناولت تجربتها في جمع وتدوين وتوثيق الحكايات الشعبية، وتوظيفها في أدب الطفل وفي بعض البرامج الإذاعية ومقارنتها بالحكاية الأصلية واستعراض التغييرات التي لجأت إليها لأرقى بالحكاية الشعبية الخليجية إلى المستوى العصري والحضاري المقبول والمطلوب بعيداً عن بعض التفاصيل التي لا تناسب العصر الحاضر وإن كانت تروى وتردد بعفوية وببساطة في الماضي حيث يجد بعض التربويين أنّ الحكاية الشعبية تتضمن بعض الجوانب السلبية كتشويه صورة زوجة الأب أو المعلم واستباحة أخذ أموال الغير أو الأموال المسروقة كما في قصة كهف النسر المماثلة لحكاية (علي بابا) أو الهروب من البيت رغم أن الحكاية الشعبية ترمي إلى التقويم لا التشجيع أو التحريض وهي ما أبدعت إلاّ لتعبر عن معاناة الإنسان ومشكلاته الواقعية وإيجاد حلول خيالية لها في عالم حر تماماً لا تحكمه القوانين".
وجاء في ورقة الدكتور عائض محمد عائض الزهراني عن مبادرة (الجامعة القدوة) بجامعة الطائف لتعزيز القيم الأخلاقية "تختلف المجتمعات والأمم وفقاً لمنظومة النسق القيمي الأخلاقي التي تحملها وتضبط سلوك أفرادها وتصبغ نمط حياتها وتحدد طبيعة حضارتها، وانطلاقاً من القناعة الراسخة لدى جامعة الطائف بأن منظومة القيم الأخلاقية الإسلامية التي نملكها تتميز بالسمت الحضاري الشامل لكافة مناحي الحياة والذي يجعلنا نتيه على الدنيا بما لدينا من نسق قيمي فريد لا يتوفر لأمة أخرى على وجه الأرض، فقد قامت الجامعة بمبادرات متنوعة لترسيخ هذه القيم الأخلاقية لدى منسوبيها طلاباً وأساتذة وإداريين في تجربة فريدة تستحق أن تروى، في هذه الورقة نعرض لهذه التجربة المتميزة التي أبرزت دور الجامعة في الارتقاء الحضاري بمنسوبيها ومجتمعها، وكانت شاهداً على إدراكها لمسئوليتها الاجتماعية والوطنية".
فيما تناول دكتور سالم زايد الطنيجي رئيس قسم اللغة العربية والدراسات الإماراتية لكليات الشارقة، في ورقته بعنوان "المجالس وأثرها في التربية الأخلاقية للنشء" عدة نقاط هي "الأخلاق في الحضارات القديمة، الأخلاق في الإسلام، الأخلاق في رؤية الإمارات 2017، الأخلاق عند أهل الإمارات، المجالس في الإمارات وأنواعها وأدوارها، مجلس سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تجربة المجالس والضواحي بالشارقة، المجالس في إمارات الدولة، دور المجالس في الأخلاق، والأخلاق ووسائل التواصل الاجتماعي".
واختتمت أعمال اليوم الأول بورشة عمل شارك فيها مقدمي الأوراق والحضور بعنوان "نحو استراتيجيّة خليجيّة موحدة في التربيّة الأخلاقيّة"، أشرفت عليها الدكتورة فاطمة حسن الصايغ.