أوروبا تنظر لما هو أبعد من حرب التجارة مع واشنطن.. صياغة متأنية لرد قوي

بين رغبة في حماية صناعاتها وضغوط للحفاظ على تماسكها الداخلي، تنسج المفوضية الأوروبية ردَّها بخيوط متأنية، مدركة أن أي خطوة مرتجلة قد تُضعف جبهتها بدلًا من أن تقويها.
فالمعركة، كما يراها الخبراء، تتجاوز الاقتصاد نحو اختبار أوسع: من سيفرض قواعد اللعبة في النظام التجاري العالمي؟
وهددت المفوضية الأوروبية بفرض رسوم جمركية إضافية على عدد كبير من المنتجات الأمريكية، مثل السيارات والطائرات.
من جهتها، قالت نيكولا كورفوا، اقتصادي في مركز المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية للأبحاث الدولية لـ"العين الإخبارية"، إن الاتحاد الأوروبي ينتهج تجاه سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سياسة الحبل المشدود: الردّ السريع قد يُرضي الصناعات الأوروبية المتضررة، لكنه يهدد بانقسام داخلي بين الدول الأعضاء ذات المصالح المتباينة.
كما رأت أن التدرج هو الخيار الأكثر عقلانية، لكن لا بد من حسم واضح في حال استمرار واشنطن في التصعيد.
وأمام موجة الرسوم الأمريكية التصاعدية، يتقدم الأوروبيون بحذر شديد، متمسكين بهاجس أساسي: الحفاظ على وحدة صفهم الهشة، إذ تتقاطع مصالح اقتصادية وأمنية بالغة الحساسية في هذه المواجهة.
وفي هذا السياق، لم يتخذ الأوروبيون حتى الآن أي إجراء انتقامي، في وقت فرضت فيه الولايات المتحدة بالفعل رسومًا إضافية بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم والسيارات، و10% على مجموعة واسعة من المنتجات.
وإن كانت المفوضية الأوروبية – التي تملك صلاحيات السياسة التجارية – تفضّل التفاوض، فإنها لا تبقى مكتوفة الأيدي. فمن أجل فرض توازن قوى مع واشنطن، وفي الوقت نفسه التحضير لاحتمال فشل المحادثات مع إدارة دونالد ترامب، فإنها تُجهّز ردَّها.
ونشرت المفوضية، يوم الخميس، قائمة ثانية من السلع الأمريكية التي قد تُفرض عليها رسوم جمركية إضافية عند دخولها السوق الأوروبية، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع واشنطن.
وتضم هذه القائمة منتجات زراعية وغذائية، ومواد كيميائية وبلاستيكية، ومعدات طيران، وسيارات، وأجهزة إلكترونية، وآلات صناعية. وتُقدّر قيمة هذه الواردات الأمريكية إلى الاتحاد الأوروبي بـ95 مليار يورو في عام 2024.
والخطوة التالية ستكون بيد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إذ يتعين عليهم الآن تقديم تعليقاتهم، قبل اتخاذ قرار نهائي من قبل الدول الـ27 بحلول نهاية يونيو أو بداية يوليو.
بدورها، قالت كلير مونتان، خبيرة اقتصاد تجاري في مركز مركز الدراسات المستقبلية والاقتصادية الدولية لـ"العين الإخبارية"، إن "هذه المواجهة ليست فقط اقتصادية، بل سياسية أيضًا".
وأضافت: "ترامب يريد أن يفرض نموذجًا تجاريًا أحاديًا، وأوروبا تردّ بأسلوب تكتيكي يحافظ على وحدتها أولًا. ما نشهده اليوم هو اختبار لمدى قدرة الاتحاد الأوروبي على لعب دور فاعل في النظام التجاري العالمي دون أن يخسر تماسكه الداخلي".
aXA6IDE4LjIxNi4yMDcuMTkyIA== جزيرة ام اند امز